الحدث- ناديا القطب
يثير ما أشيع حول طلب الدول المانحة إيضاحات حول كشوفات ودرجات موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية مسألة هامة تتعلق بمدى شفافية الموازنة العامة الفلسطينية.
فقد تداول يوم أمس عدد من المواقع الإخبارية، خبراً لم يتم التأكد من مدى صحته، بشأن طلب عدد من الدول المانحة كشوفات رواتب موظفي السلطة الفلسطينية، على خلفية أزمة إضراب المعلمين، حيث تم الإشارة إلى أن ما يتم تقديمه للدول المانحة بخصوص رواتب المعلمين، لا يتطابق مع ما يتم تقديمه للدول المانحة من طلبات تمويل.
وبمعزل، عن مدى صحة أو عدم صحة، هذا الامر، إلا أنه يعيد طرح تساؤلات قديمة جديدة يتعلق بمدى شفافية الموازنة العامة، ومدى التشاركية مع المجتمع المدني في إعدادها، وتنفيذها، والرقابة على التنفيذ، حفاظاً على سلامة الأداء المالي وأولوياته وحسن إدارة المال العام والمحافظة عليه، وهذا هو الأمر الأهم؛ كون الموازنة العامة هي الأداة المالية التي تعبر عن خطط الحكومة وبرامجها وتوجهاتها في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
سنوات بناء الثقة في الأداء المالي الفلسطيني
بذلت السلطة الوطنية الفلسطينية، جهودا حثيثة، على مدار السنوات الماضية، لبناء الثقة في مدى جديها في الإصلاح المالي وبرنامجه، سواء مع المواطن، أو مع الدول المانحة، حيث أطلقت في العام 2003، برنامجاً للإصلاح المالي من تحت قبة البرلمان، كانت أهم معالمه، إضافة إلى توحيد حساب الخزينة، نشر الموازنة العامة كبرنامج مفصل لنفقات السلطة وإيراداتها والمنح والقروض والمتحصلات الأخرى لها والمدفوعات المختلفة، على الموقع الإلكتروني لوزارة المالية.
وعلى الرغم من أن الخلل في الموازنة العامة، كان وما زال بنيوياً، ومزمناً، لأسباب تتعلق بالدرجة الأولى بالاحتلال الإسرائيلي وسيطرته على الموارد والمعابر وعلى مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني الريعي، وحرمان الفلسطينيين من بناء اقتصادهم واستغلال مواردهم الطبيعية، وما لذلك من انعكاسات كبيرة على إمكانية بناء موازنة عامة قابلة للتمويل أساساً، وعلى العجز المالي المستمر في الموازنة العامة، مضافاً إليها الإشكاليات المتعلقة، بالخلل في السياسات الاقتصادية والاجتماعية وأولوياتها وفي توزيع وعدالة قطاعات الموازنة، إلا أنه كان هنالك نوع من السعي إلى العمل التشاركي في إعداد وتنفيذ والرقابة على الموازنة العامة، بين الجهات الرسمية وغير الرسمية.
وكان يتم عقد جلسات مكاشفة مع المجتمع المدني لنقاش مختلف تفاصيل الموازنة العامة، والأداء المالي للسلطة، فضلا عن إعداد "موازنة المواطن" بلغة مبسطة، كي يسهل على المواطن فهمها والتعرف على كيفية توزيعها، والرقابة على الإنفاق الحكومي.
وما ساعد كل ذلك، وجود المجلس التشريعي الفلسطيني؛ ولجنة الموازنة والشؤون المالية، التي تقوم بمناقشة مشروع قانون الموازنة مع الحكومة وتعد تقريرها حوله، وتستمع لملاحظات المجتمع المدني، وصولاً لعرض الموازنة على المجلس التشريعي بالهيئة العامة للمناقشة والإقرار والنشر للإعلام العام والجمهور.
ورغم الخلافات فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة، في عهد المجلس التشريعي الفلسطيني، وما أشارت إليه التقارير السنوية الصادرة عن لجنة الموازنة والشؤون المالية في المجلس من خلل في توزيع قطاعات وعدالة الموازنة، وما يتعلق ببند الرواتب والأجور وعشوائية التوظيف وما يتعلق ببعض الجداول والتفاصيل التي ينص عليها قانون تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية ومسألة الدين العام وغيره، إلا أن نقاش الموازنة العامة إعداداً وتنفيذا ورقابة ظل حيوياً وحاضراً على مستوى الرقابة الرلمانية، والرقابة المجتمعية، بأوجهها المختلفة، الأمر الذي انحسر تدريجياً ويكاد يختفي في أيامنا هذه كما اختفى المجلس التشريعي الفلسطيني.
أعداد المعلمين في الموازنة العامة نموذجاً
حتى نتمكن من تتبع أعداد المعلمين، اضطررنا للعودة، إلى الموازنة العامة للسنة المالية 2014، لأنه لا توجد لغاية الآن موازنة عامة منشورة على موقع وزارة المالية للسنة المالية 2015 و2016 خلافا لأحكام القانون.
وبالرجوع إلى موازنة 2014 فيما يخص تفاصيل الموظفين في وزارة التربية والتعليم لسنة 2014، الواردة على الصفحة 165، وتحديداً كشف أعداد الموظفين عن السنوات الثلاث 2012 و2013 و2014، نجد أن مجموع عدد المعلمين والإداريين العاملين في وزارة التربية والتعليم في عام 2014، هو 56173 موظفاً. أما العدد في العام 2013 فكان 55730 موظفاً. في حين في العام 2012 كان 54126 موظفا.
وينعكس هذا الأمر على التقارير المالية الشهرية التراكمية، لأنه في تلك الحالة، إن أردنا احتساب متوسط الرواتب، فسيتم الرجوع أيضاً إلى التقرير الشهري التراكمي لشهر كانون أول 2014 المتوفر على موقع وزارة المالية.
منذ ذلك التاريخ، لا توجد جداول او كشوفات مالية منشورة يمكن الركون إليها فيما يخص أعداد الموظفين وما يتعلق بتطورات الرواتب والأجور والنفقات في وزارة التربية والتعليم- كغيرها من الوزارات ومراكز المسؤولية- الأمر الذي يلقي بظلاله الكثيفة على شفافية الموازنة، ويترك الأمر عرضة للتكهنات، والتضارب في الأرقام، ويصاحبه بالعادة تشكيك في الأداء المالي للسلطة، محلياً ودوليا.
المطلوب عمله
وفقاً للمعايير الدولية المتبعة، والتشريعات الفلسطينية، في قياس وتتبع شفافية الموازنة العامة، فإن هنالك 8 وثائق أساسية خاصة بالموازنة العامة لقياس مدى شفافيتها وهي:
1- بيان الموازنة (بلاغ الموازنة): يوضح المؤشرات والسياسات، ويستعرض التوقعات المالية والاقتصادية الشاملة للسنة المالية القادمة، والمؤشرات والسياسات الاقتصادية والمالية التي حددتها الحكومة وحدود الإيرادات التي تقدر الموازنات على أساسها، وأسقف النفقات التي يجب على الوزارات والمؤسسات العامة تقدير موازناتها في ضوئها.
2- مشروع الموازنة: يتضمن كشفاً مصنفاً للإيرادات التقديرية والنفقات المقترحة، لكل وزارة أو مؤسسة عامة، وما يتعلق بالاقتراض في مواجهة أي عجز الموازنة، والمشاريع الرأسمالية تحت التنفيذ والتقدم الفعلي بشأنها في ضوء الأهداف المخطط لها.
3- موازنة المواطن: وثيقة مبسطة للموازنة العامة، تلخص سياسات وتوجهات الحكومة للسنة القادمة، بالأرقام الواردة في الموازنة، وتمكن المواطن من التعرف على كيفية توزيع النفقات والإيرادات ومتابعة الإنفاق الحكومي، والإطلاع على عجز الموازنة ومستوى الدين العام، وهي تنشر بالتزامن مع الموازنة العامة.
4- قانون الموازنة العامة: يتضمن كافة التفاصيل والجداول المصنفة المتعلقة بالموازنة العامة، والذي يجب نشره حال إقراره وفقاً لما ينص عليه القانون الأساسي وقانون تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية.
5- التقارير الدورية الشهرية والربعية: وهي التقارير المالية الدورية التي تصدر عن وزارة المالية بعد انتهاء كل شهر (الشهرية)، وبعد انتهاء كل 3 أشهر (الربعية)، وتتضمن البيانات المتعلقة بالإيرادات والنفقات والعمليات المالية المختلفة خلال فترة التقرير وفقاً لقانون الموازنة العامة.
6- التقرير النصف سنوي: وهو التقرير الذي يصدر عن وزارة المالية بعد انتهاء فترة نصف السنة المالية، ومن المفترض أن يتم نشره بعد فترة تتراوح من شهر إلى 3 شهور من انتهاء نصف السنة. ويتضمن بيانات للإيرادات والنفقات والعمليات المالية المختلفة خلال فترة التقرير.
7- تقرير نهاية العام (الحساب الختامي): وهو التقرير الختامي الذي يشمل كافة العمليات المالية خلال العام المالي، وينبغي أن يتم إعداده في موعد أقصاه عام من نهاية العام المالي، وفق أحكام القانون الأساسي الفلسطيني وقانون الموازنة العامة والشؤون المالية.
8- تقرير تدقيق الحساب الختامي: وهو الحساب الذي يفترض من وزارة المالية تسليمه لمجلس الوزراء والمجلس التشريعي وديوان الرقابة المالية والإدارية، بحيث يقوم ديوان الرقابة بتدقيقه وإصداره بعد عام ونصف على الأكثر من انتهاء السنة المالية.
المطلوب عمله، هو الالتزام بمبدأ سيادة القانون، في دورة الموازنة العامة كاملة، إعداداً وتنفيذاً ورقابة على التنفيذ، وفقاً لما ينص عليه القانون الأساسي الفلسطيني، وقانون تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية رقم (7) لسنة 1998 وتعديلاته، بشفافية كاملة، وعمل تشاركي، بين الجهات الرسمية وغير الرسمية، بما يعزز من منظومة الشفافية في الأداء ويحافظ على المال العام.