الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مياه الصرف الصحي المُعالجة وسيلة لري المزروعات والتغلب على شُح المياه في غزة؟!

2014-03-31 00:00:00
مياه الصرف الصحي المُعالجة وسيلة لري المزروعات والتغلب على شُح المياه في غزة؟!
صورة ارشيفية

غزة/ محاسن أُصرف

أدت المشاكل التي عانى منها القطاع المائي بغزة مؤخرًا كـتدهور جودة المياه باستمرار، محدودية الموارد، جفاف الخزان الجوفي، إضافًة إلى السيطرة الإسرائيلية على أحواض تغذية المياه السطحية وغيرها إلى التفكير الجدي بشكل فوري عن موارد بديلة من شأنها أن تُخفف حدة الأزمة.

وكان المجال الزراعي أول المجالات التي رُصدت من قبل الجهات المختصة لاستبدال مياه الري العادية والآبار الإرتوازية بأُخرى كـإستخدام المياه العادمة في الري بعد معالجتها ضمن ضوابط وشروط لا يمكن تجاهلها لتجنب أكبر قدر من أضرارها على صحة وبيئة الإنسان، وعلى الرغم من أن بعض المزارعين في القطاع باتوا يلجؤون إلى ري مزروعاتهم بالمياه العادمة المُعالجة إلا أنهم يُشككون في صلاحيتها.

وتقوم محطة المُعالجة التابعة لبلدية غزة بضخ المياه العادمة بعد معالجتها في أحواض خاصة تُشرف عليها وزارة الزراعة في الحكومة المقالة التي بدورها توزعها على المزارعين حسب حاجة مزروعاتهم للري.

«الحدث» في سياق التقرير التالي تبحث مع المختصين إمكانية استخدام المياه العادمة بعد معالجتها في ري المزروعات وتضطلع على آثارها على النبات وعلى صحة الإنسان، ومدى تقبل المُزارعون في استخدام هذه التقنية الجديدة التي ترعاها وزارة الزراعة بغزة.

بلدية غزة تؤكد أن المياه العادمة مهما كانت درجة معالجتها فإنها لا تصلح لري جميع أنواع المزروعات خاصة المثمرة منها كالخيار والفلفل والبندورة وأشارت أنها تصلح فقط لأشجار الحمضيات والزيتون، بينما نبَّهت وزارة الزراعة أن استخدامها لضوابط صارمة تسعى إلى التأكد من التزام المزارعين بها وتنفيذها.

اعتماد جزئي

وبينما كانت مراسلة «الحدث» تتجول في الأراضي الزراعية غرب مدينة خان يونس التقت بـأحد المزارعين- رفض التعريف باسمه مكتفيًا بكنيته «أبو صلاح»-، قال لنا أنه يستخدم المياه العادمة المُعالجة في ري مزروعاته مؤكدًا أنها تنضج بشكلٍ جيد.

ولجأ أبو صلاح إلى استخدام هذه التقنية بتشجيع من وزارة الزراعة في الحكومة المُقالة، مُشيرًا إلى أن الوزارة تُشرف على عملية الري وآليته بينما البلدية تُسهم عبر محطات المُعالجة التابعة لها في توفير المياه بعد التأكد من خلوها من المخاطر البيئية والصحية للإنسان، يوضح أن الهدف من الاستخدام التقليل من مخاطر المياه العادمة البيئية عن ضخها في البحر، إضافًة إلى التغلب على شُح مصادر المياه في غزة، ويُتابع قائلًا: “ألتزم بشروط الوزارة في ري الأشجار الكبيرة بالمياه العادمة كالزيتون والحمضيات” وكشف أنه في حال المزروعات العادية قد يخلط المياه العادمة بمياه الآبار.

آلية العمل

مدير عام التربة والري في وزارة الزراعة بغزة المهندس «نزار الوحيدي» أطلعنا على الأسباب التي أدت بوزارته إلى تشجيع المُزارعين على استخدام مياه الصرف الصحي المُعالجة في ري بعض المحاصيل الزراعية، فقال أن «حالة الشُح في المياه التي يُعاني منها القطاع المائي بغزة أهم الأسباب التي دعتنا إلى محاولة إيجاد بديل آمن للري»، وأضاف أن استهلاك غزة من المياه للأغراض الزراعية والصناعية والمنزلية تقريبًا 200 مليون مكعب سنويًا، منها حوالي 85 مليون متر مكعب للأغراض الزراعية، وعقب قائلًا : “لما كانت الاحتياجات المائية للأغراض الزراعية أقل من الاحتياجات المنزلية كان ذلك مؤشرًا مهمًا لتوجيه مخططات صناع القرار نحو إدارة الموارد الطبيعية.

من جهة أخرى أوضح «الوحيدي» أن الوزارة عملت بالتعاون مع الجهات المعنية على تجهيز محطات المُعالجة الخمسة في القطاع لتنفيذ هذه المهمة إلا أن واحدة فقط من المحطات التي نجحت وهي المحطة الجديدة شرق جباليا والتي تملك نظام معالجة متطور يُنتج مياه عالية الجودة يُمكن استخدامها في عمليات الري الزراعي غير المُقيدة إذا تم تعقيمها، ولفت النظر إلى أن باقي المحطات لا يمكن استخدام المياه المُعالجة فيها إلا بشروط صارمة يضمن الالتزام بها قدر أكبر من الصحة للمواطن والزرع على حدٍّ سواء، وتابع أن المعيار الأهم لإنتاج مياه جيدة وصالحة لاستخدامات الري الزراعي آلية التشغيل والصيانة.

محاصيل مُعينة

ونفى الوحيدي أن يكون استخدام المياه المُعالجة مطلقًا، وقال «هو مقيدًا بشروط وكذلك لأنواع معينة من المحاصيل» وبيَّن أن محاصيل الحمضيات والزيتون والنخيل والأعلاف وفقًا لتجارب الوزارة تُرى بمياه معالجة لا تقل درجة معالجتها عن الدرجة الثانية وبقيمة BOD في حدود   50-30ملج/لتر شريطة التوقف عن الري قبل شهر من جني المحصول.

وفي المقابل وجدنا العديد من المزارعين لا يُلقون بالًا لتحذيرات البلدية ولا يُنفذون شروط وزارة الزراعة، وقال “أبو صلاح” الكثيرون يعمدون إلى زراعة الأشجار الورقية والمثمرة كالفلفل في المساحات الفارغة بين حقول الحمضيات أو الزيتون، لافتًا أن ذلك خطرًا على الصحة والبيئة معًا، وأثناء تجول “الحدث” في مختلف المناطق الزراعية القريبة من محطات المُعالجة في مختلف محافظات القطاع رأت بعض المزارعين يُخالفون الشروط، لكن أحدًا منهم لم يقبل بالحديث إلينا ، معللين أن شُح مصادر المياه بغزة وسرقتها من الاحتلال والتقارير المتتالية عن سوء الوضع المائي بحلول 2020 اضطرهم لاستخدام هذه الطرق وإن ثبتت مخاطر صحية على الإنسان جراء استخدامها.

وحول أسباب تقييد وزارة الزراعة الكثير من المحاصيل بالمياه المُعالجة كشف “الوحيدي” أن الملوحة الزائدة في المياه هي السبب الأخطر في تقييد الري الزراعي ومنع زراعة الكثير من المحاصيل، وقال: “في حال توفر مياه صرف صحي قليلة الملوحة فإن هذا سيكون بمثابة الحل المنتظر لإعادة زراعة الكثير من المحاصيل التي تدهورت زراعتها أو توقف” –على حد قوله-.

تجارب ناجحة

ويُشيد «الوحيدي» بتجارب استطاعت من خلالها وزارة الزراعة بغزة توفير مبالغ مالية تُخفف من قيمة موازناتها السنوية، يقول: “اجتهدنا في توفير محصول البرسيم عبر زرعه وريه باستخدام المياه المُعالجة مما انعكس بشكل إيجابي على استقرار أسعار اللحوم والألبان» مؤكدًا أن هذه السلع في ظل نقص البرسيم كانت توجه ارتفاعًا في الأسعار، وأضاف أن استخدام المياه المُعالجة في ري البرسيم وفر الكثير من الأموال التي تُنفق على زراعته بمراحلها المختلفة وبيَّن أنه وفر ما قيمته 100 دولار سنويًا من حجم الإنفاق على محصول البرسيم بالإضافة إلى توفير 60 كيلو جرام من سماد سلفات الأمونيوم، 30 كيلوجرام من سماد سوبر فوسفات، و75 كيلو جرام من سلفات البوتاسيوم، وقال : “أن ارتفاع سعر تلك المواد كان يُقلل نسبة الربح وهذا ما تم تفاديه باستخدام مياه الصرف الصحي في الري إذ تحتوي على تلك المواد»، وأفاد أن استخدام مياه الصرف كان إيجابيًا في اتجاهين منها تقليل الملوثات الكيماوية والتخلص من متبقيات التلوث في مياه المجاري نفسها بطريقة آمنة ومجربة.

وشدد “الوحيدي” أن وزارة الزراعة أثناء تنفيذها لهذه التقنية على العديد من الأراضي المزروعة بالمحاصيل المختلفة كالبرسيم والأشجار الكبيرة كـالحمضيات والزيتون لم ترصد أي أضرار، لكنه لم ينفِ الأضرار تمامًا وقال: “ما يحدث أضرار محدودة بسبب تعطل محطات المعالجة وانسياب مياه قليلة الجودة أحيانًا” مؤكدًا أنه عند حدوث ذلك لا يُسمح للمزارعين باستخدام المياه. 

ويرى خبراء في مجال البيئة أن ري المزروعات بالمياه العادمة بعد معالجتها يحمل في طياته جوانب إيجابية وسلبية، وشددوا على ضرورة التأكد من نسب معالجتها ومواءمتها مع صلاحية المياه للري، وقالوا إن: “عدم التقيد بالتعليمات الصادرة من الجهات المختصة في وزارة الزراعة والبيئة والبلديات قد يؤدي إلى إضرار بصحة المواطن نهايًة”.