كيف يهرب أسرى الأحكام العالية في سجون الاحتلال النطف؟
مصلحة السجون الإسرائيلية: الحديث مبالغ فيه عن عمليات تهريب كبيرة للنطف
الحدث- تحقيق: بلال غيث كسواني
كانت ذروة النجاح عندما تمكن الطفل مجد عبد الكريم الريماوي من رؤية والده في سجون الاحتلال، بعد أن نجحت والدته في تهريب حيوانات منوية من داخل السجون الإسرائيلية حيث يقبع زوجها المحكوم بالسجن 25 عاما وتلقيحها خارجياً لتنجب الطفل مجد، ثم تنجح في استصدار قرار يسمح لها بإدخال طفلها مجد لرؤية والده داخل سجون الاحتلال.
جاء ذلك بعد أن أنجبت الفلسطينية دلال الزبن طفلها مهند وهو أول طفل يولد عن طريق النطف المحررة، حيث تشجعت ليديا الريماوي زوجة الأسير الفلسطيني عبد الكريم الريماوي على إنجاب طفل من زوجها القابع في سجون الاحتلال.
تقول الريماوي: "كان الطفل مهند بارقة أمل للأسرى المحكومين أحكاماً مؤبدة ولزوجاتهم للاستمرار في هذه الحياة القاسية بعد أن حرمهم الاحتلال الإسرائيلي حريتهم أو الالتقاء في خلوة شرعها القانون"، وتتابع: "العمر يمضي وزوجي غائب، وعند خروجه من السجن سيكون كلانا قد تجاوز العقد الخامس من عمره، لذلك تشجعت على إنجاب طفل بالنطف المحررة ليكون سنداً وعوناً لشقيقته رند التي حرمت من والدها قبل أن تكمل عامها الأول".
بعد مرور سنة وخمسة أشهر على ولادة ريماوي طفلها الجديد مجد، ومرور 13 عاماً من أسر زوجها، أعادت الكرة لكنها فشلت بسبب تلف العينة، إلا أنها لم تستسلم.
وتوضح ريماوي أن النطفة هربت في كيس بلاستيكي شفاف، ثم نقلت من سجن بئر السبع حيث يقبع زوجها الأسير إلى مركز "رزان" المتخصص في المساعدة على الحمل والتلقيح الاصطناعي، حيث كان ينتظر ثلاثة شهود من أهلها وثلاثة من أهل زوجها، وبعد شهر من تهريب العينة حدث ما تمنت (الحمل). تبتسم ريماوي فخورة بهذا الإنجاز قائلة: "لقد كسر ابني مجد قيد الاحتلال عندما زار والده داخل السجن الإسرائيلي".
وخلال الأعوام الأربعة الأخيرة، أنجبت 23 زوجة من زوجات الأسرى الفلسطينيين من ذوي الأحكام العالية 30 طفلاً عن طريق نطف هربها أزواجهن من داخل السجون الإسرائيلية باستخدام أدوات طبية خاصة، بعد تمريرها خارج السجون مع أهالي الأسرى في أثناء الزيارة، ثم تؤخذ النطف بأسرع وقت ممكن إلى مراكز طبية خاصة متفق معها مسبقاً لاستقبالها والحفاظ عليها بأوضاع مناسبة، لتلقح لاحقاً بشكل صناعي.
عشرات النطف المحررة تنتظر التلقيح
كانت أولى العمليات الناجحة في العام 2012، لزوجة الأسير عمار الزبن المحكوم 27 مؤبداً و25 عاماً، دلال الزبن. وبعد أن شهدت هذه العملية نجاحاً كبيراً أقبلت زوجات الأسرى على الإنجاب بهذه الطريقة، إلى أن بلغ عدد زوجات الأسرى اللواتي أنجبن بهذه الطريقة 23 امرأة.
وما زالت عشرات النطف المحررة التي هربها الأسرى تنتظر التلقيح الصناعي والإخصاب، وهذه الطريقة استطاعت كسر قيد السجان، وبعثت الأمل والتفاؤل لحياة الأسرى وعائلاتهم المحرومين منها منذ سنوات طويلة.
يكافح الفلسطينيون لتسهيل هذا النوع من الإنجاب، فيتكفل مركز "رزان" في المستشفى العربي التخصصي في مدينة نابلس في الضفة الغربية بدفع التكاليف المالية لإجراءات التلقيح الاصطناعي للأسرى ذوي الأحكام العالية، فيغطي المركز نفقات عمليات الزراعة لزوجات الأسرى، والتي تصل كلفتها إلى ثلاثة آلاف دولار يضاف إليها ألف أخرى في حالة الرغبة بتحديد جنس الجنين.
في المقابل، تضع إسرائيل عقبات أمام هذا الابتكار الذي خلق حياة من داخل زنازين الموت، فمثلاً تحرم سلطات الاحتلال أطفال الأسرى الذين ولدوا من النطف المحررة من إصدار شهادات ميلاد رسمية، لتبيد أي نية لدى الأسرى الفلسطينيين في تهريب نطفهم.
تجربة أخرى تكللت بتوأمين
كان للأسير أحمد المغربي من مخيم الدهيشة في مدينة بيت لحم وزوجته هنادي المغربي تجربة ناجحة أخرى في هذا المضمار، فكان الأسير المغربي اعتقل قبل 12 عاماً، وحكم عليه 18 مؤبداً، تاركاً خلفه زوجته وطفله الأول الذي يبلغ اليوم 11 عاماً، إلا أن الزوجين تمكنا من إنجاب طفلتين (توأمين) عبر نطف مهربة.
تقول هنادي: "كانت تجربتي بإنجاب طفلتين عن طريق تهريب السائل المنوي لزوجي القابع داخل السجن تجربة رائعة، أعادت لي الحياة مرة أخرى، ونبعت رغبتنا بتنفيذ هذا حباً في أن يكون عند ابننا البكر أشقاء، وكانت أمنيتي أن أنجب طفلة والحمد لله رزقت بطفلتين".
وتتابع قولها: "ولدت البكر في أثناء وجود والده الأسير داخل السجن، وأصبح عمره الآن 11 سنة، ويرغب اليوم في أن يكون له أشقاء مثل أصدقائه، ثم طرح زوجي الفكرة علي، إلا أنني رفضت في بادئ الأمر كون تربية الأطفال في ظل غياب والدهم مسؤولية كبيرة"، وتمضي قائلة إنها تلقت تشجيعاً كبيراً من ابنها وعائلتها وعائلة زوجها والصديقات اللواتي بدأن بإقناعها بهذه التجربة.
وتوضح: "قضى زوجي تسعة أعوام في العزل الانفرادي، وكنت ممنوعة من زيارته منذ اعتقاله، ثم نقلوه من العزل الانفرادي قبل سنة من تهريب النطفة، حيث وضع السائل المنوي في حبات من الشوكولاتة التي ينقلها الأسرى للأهل أثناء الزيارة، ثم تصل إلى مركز "رزان" في نابلس وبعد شهر واحد فقط تلقيت التلقيح الاصطناعي".
كيف تهرب النطف من داخل السجون؟
يقول مدير مركز "رزان" للتلقيح الصناعي والمشرف على تلقيح النطف المحررة الدكتور سالم أبو خيزران، إن زوجات الأسرى وعائلاتهم نجحوا في تهريب النطف بوضعها مكان النواة في حبة التمر أو الشوكولاتة ونقلها بأسرع وقت ممكن إلى المركز من أجل فحصها وتخزينها وتجميدها، وكانت معظم العينات صالحة.
وبين الدكتور أبو خيزران أنه في المرة الواحدة يصل إلى المركز عشرات الملايين من الحيوانات المنوية، وبعد فحصها تخزن ليستخدم حيواناً منوياً واحداً منها في عملية التلقيح، موضحاً أنه يجري تقسيم العينات إلى أجزاء عديدة لاستخدامها في أكثر من عملية حمل، ويمكن حفظ هذه العينات لسنوات رغم أن الحيوان المنوي يعيش من (24-48) ساعة.
لا يتدخل المركز في كيفية إيصال النطف، بل يبدأ عمله عند استلامه العينة من زوجة الأسير، بحضور اثنين من عائلة زوجة الأسير وآخرين من عائلة الأسير نفسه، وتصور بطاقاتهم الشخصية، ثم يتأكدون ما إذا كانت العينة قادمة من السجون (أي من الزوج الأسير) لحفظ الأنساب، ولا يجري المركز هذه العمليات سوى لزوجات أسرى الأحكام العالية أو الأسرى الذين تقترب نساؤهم من سن اليأس.
وأشار أبو الخيزران إلى أن الزوجة، بعد هذه المرحلة، يطلب منها أن تشهر ما جرى لتعريف المجتمع بأنها تنوي الإنجاب بعينة أطفال أنابيب حتى لا يتهمها المجتمع بالزنا أو غيره، وبعد ذلك توزع العينة طبياً على أمل حدوث الحمل.
وبين أنه حتى الآن أنجبت زوجات أسرى فلسطينيين 30 طفلاً في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهناك 8 زوجات لأسرى محكومين بالمؤبدات حوامل بفترات مختلفة، وقرابة 60 عينة لأسرى تنوي زوجاتهم الحمل مستقبلاً، مضيفاً أن المركز يقوم بعمل إنساني في هذا المجال ولا يتلقى أي مبلغ من المال، ويتحمل مسؤوليات العمليات كمسؤولية مجتمعية للمركز.
الفكرة منذ 11 عاماً
أثير موضوع حمل زوجات أسرى المؤبدات عام 2003، عندما بحثت الحركة الأسيرة سبل الاستفادة من التقدم الطبي لإنجاب أطفال لأسرى الأحكام العالية، وتجاوزت الحركة الأسيرة عدداً من التحديات أولها الحصول على فتوى دينية تشرّع هذه العملية، فصدر عن مجلس الإفتاء الأعلى الفلسطيني فتوى بجواز عملية التلقيح من النطف المحررة، وأما على الصعيد السياسي فقد بارك القائد الفلسطيني الرمز ياسر عرفات "أبو عمار" هذه المبادرات في حينه وكذلك القيادة الفلسطينية بعده كان من بينها قيادات حركة حماس، وعلى رأسها الدكتور محمود الرنتيسي، كما تم تجاوز التحدي المجتمعي بعد أن أمسى المجتمع الفلسطيني يرحب بشكل عام بحمل زوجات هؤلاء الأسرى، بعد أن رأى أول طفل النور من النطف المحررة وهو الطفل مهند للأسير عمار الزبن، من قرية ميثلون قرب جنين شمال الضفة الغربية، والمحكوم بالسجن المؤبد.
ويشير الدكتور أبو خيزران إلى أن عمليات تلقيح النطف المحررة سلطت الضوء على القضايا الإنسانية للأسرى بشكل كبير في العالم، وأظهرت العنصرية التي يتعرض لها المعتقلون السياسيون القابعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، مستهجناً إعطاء السلطات الإسرائيلية الفرصة للمعتقلين الإسرائيليين للقاء زوجاتهم وتوفيرهم أجواء مناسبة لحدوث حمل، فقاتل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، الذي يصنف كأخطر المجرمين في إسرائيل، سمح له بلقاء زوجته وإنجاب الأطفال.
عقوبات إسرائيلية بحق أطفال النطف المحررة
حتى تاريخنا هذا، يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي حوالي ستة آلاف أسير فلسطيني، بينهم نساء وأطفال، قضى عدد منهم عشرات السنوات في الأسر، لذا تعد حالات الإنجاب عبر النطف المحررة معجزة تبعث رسالة حياة من داخل سجون الاحتلال خاصة بعد أن فقد الكثير من الأسرى الأمل في إنجاب من يحملون أسماءهم من بعدهم.
وفي هذا الصعيد، يرى رئيس هيئة الأسرى والمحررين الوزير في السلطة الفلسطينية عيسى قراقع، أن تهريب النطف يمثل إنجازا كبيرا وتحديا للظروف القاسية التي يعيشها المعتقلون الفلسطينيون، فإنجاب أطفال عن طريق التخصيب هي رسالة حياة تؤكد أن الأسرى يتطلعون إلى المستقبل وإلى الحرية وإلى أن يعيشوا كسائر شعوب الأرض في عائلة وفي بيت مع أولادهم وأحبائهم، وهو رد على الادعاءات الإسرائيلية بأن الأسرى أناس متوحشون، بل هذا يدل على أن الأسرى بشر عاديون ناضلوا من أجل حياة سعيدة وأسرة وبيت وعائلة.
وبين أن إنجاب العشرات من الأطفال للأسرى القابعين في سجون الاحتلال والمحكومين بالمؤبدات هو إنجاز كبير لا يمكن تجاهله، وهو الأول من نوعه على مستوى العالم، ما يدل على تحدي ظروف العزل والقهر المفروضة على المعتقلين والأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
لأول مرة... مصلحة السجون الإسرائيلية تعترف بفشلها في منع تهريب النطف
قالت سيفان فايتسمان (الناطقة باسم مصلحة السجون الإسرائيلية المسؤولة عن احتجاز الأسرى الفلسطينيين السياسيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي) إنهم في مصلحة السجون الإسرائيلية لهم علم بتهريب النطف ويحاولون وضع حد لها، لكنهم يشككون بشكل كبير بالمعطيات التي تحدث عنها الأسرى الفلسطينيون. تقول: "سُجلت عمليات تهريب للحيوانات المنوية، ولكنها ليست بالحجم الذي يمكن من إنجاب 30 طفلاً، وما هذا إلا إشاعات تهدف إلى تشجيع الأسرى أن بذلك". في كل الأحوال شكلت مصلحة السجون الإسرائيلية لجنة تحقيق بالموضوع، وحسب نتائجها أُصدرت تعليمات جديدة تقلل بشكل كبير من الأدوات والطرق التي تهرب فيها الحيوانات المنوية.
وبينت فايتسمان أن لجنة التحقيق الإسرائيلية المكلفة بالتحقيق في تهريب الحيوانات المنوية اكتشفت وسائل وتهريب الطرق وقللت كل هذه الأدوات التي تستخدم في تهريب النطف مثل التمر والشكولاتة وغيرها، وبينت أن لجنة التحقيق الجديدة أصدرت تعليمات لن تعرض للإعلام لأنه في حال كشفها سيحاول الأسرى الفلسطينيون الالتفاف عليها.
إسرائيل ترفض منحهم هويات
وتحدث قراقع عن الأثر المعنوي لهذا الإنجاز في نفوس الأسرى وعائلاتهم، رغم العقوبات والأوضاع القانونية القاتمة التي تفرضها إسرائيل على أطفال الأسرى من النطف المحررة، فمثلا ترفض دولة الاحتلال إعطاء هؤلاء الأطفال بطاقة هوية فلسطينية، كما ترفض الاعتراف بشهادات الميلاد وأرقام الهويات التي تخرجها وزارة الداخلية الفلسطينية، كما تمنعهم من زيارة آبائهم في السجن للمضايقة على المعتقلين وتعقيد تواصلهم مع الخارج لكون هذه الاجراءات غير قانونية، معرباً عن أمله بأن تكون هذه بهرجة كلامية لا تطبق على الواقع.
وعن دور دعم السلطة الفلسطينية لعائلات الأسرى اللواتي يحملن من النطف المحررة، يؤكد قراقع أن السلطة الفلسطينية تدعم هذه المبادرات، فعمليات التخصيب تتم بالمجان وبدعم من وزارة الصحة الفلسطينية والمراكز المتعاملة معها وبالاتفاق مع هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية.
القانون الدولي الإسرائيلي يلزم مصلحة السجون بالسماح للأسرى بالإنجاب
قالت الحقوقية المختصة بشؤون الأسرى الأمنيين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية المحامية عبير بكر، إنها نجحت في استصدار قرار للطفل مجد الريماوي بزيارة والده بعد أن حاولت مصلحة السجون الإسرائيلية عقاب الوالد بحرمانه من رؤية طفله الأول.
وبينت أن الأسرى الفلسطينيين تقدموا بطلبات من أجل إقامة خلوة شرعية حميمية مع زوجاتهم تمكنهم من إنجاب أطفال لكن مصلحة السجون الإسرائيلية رفضت، وكان الأسير وليد دقة أبرز الأسرى الذين طالبوا ويطالبون بخلوة شرعية منذ عشر سنوات لكن إدارة السجون ترفض ذلك مطلقا، رغم أنها سمحت للأسير الأمني اليهودي المسؤول عن مقتل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين في منتصف تسعينات القرن الماضي باللقاء مع فتاة خطبها وتزوجها أثناء اعتقاله وإنجاب أطفال منها، وكل ذلك دفع الأسرى للبحث عن طرق غير قانونية لتهريب النطف هدف الإنجاب، لأن مصلحة السجون ترفض إنفاذ القانون على الأسرى الأمنيين الفلسطينيين، إمعانا في الانتقام منهم.
ولفتت المحامية بكر إلى أن المحكمة العليا الإسرائيلية، وهي الهيئة القضائية العليا في إسرائيل، اعترفت بحق الأسرى الأمنيين في الإنجاب، باعتبار ذلك حاجة إنسانية للأسير، فحرمانه من الحرية لا يعني حرمانه من حياته العائلية وحقه في الإنجاب، ولكن هذا المبدأ يستثني الأسرى الأمنيين الفلسطينيين، لذلك اضطر الأسرى إلى تهريب النطف ونقلها إلى خارج السجون وتلقيح زوجاتهم خارجيا من أجل الإنجاب، ونجحوا في إنجاب قرابة 30 طفلاً.
قانون إسرائيلي يمنحهم هذا الحق
وقالت المحامية بكر إن تهريب أي شيء دون إذن من السجن يستحق مخالفة تأديبية حسب القانون الإسرائيلي عبر فرض غرامة مالية، وليس حرمانه من رؤية طفله، فهذا الشخص لم يهرب سموما أو سلاحا، بل حيوانات منوية لخدمة هدف إنساني لا يؤذي أحدا، لكن ردة فعل مصلحة السجون الإسرائيلية تجاه الأسرى الفلسطينيين كانت انتقامية، لأنها شعرت بالهزيمة إزاء نجاح الأسرى الفلسطينيين في الإنجاب وتقديم أنفسهم بأنهم مثل كل البشر، يرغبون في تكوين أسرة.
الدين يبيح للأسرى الإنجاب بنطف مهربة
حول رأي الشرعية الإسلامية في قضية تهريب النطف من الأسرى إلى زوجاتهم، يقول مفتي القدس والديار الفلسطينية، خطيب المسجد الأقصى سماحة الشيخ محمد حسين، إنّ مجلس الإفتاء أجاز في فتوى سابقة هذه الطريقة من الإنجاب بضوابط عدة، منها التأكد من نقل العينات من الأسير نفسه إلى زوجته، وضبط النقل والتلقيح بحضور أناس من أهل الدين.
وأضاف أن الشرع الإسلامي قد أباح التلقيح الصناعي وفق ما بات يُعرف بزراعة الأنابيب للأزواج وفق شروط وإجراءات تتطابق مع الشريعة الإسلامية، مثل توفر شهود يؤكدون أن هذه النطف هي من الزوج، إضافة إلى توفر شهود من أهل الأسير وأهل زوجته، لإثبات شرعية الطفل وقطع دابر الشائعات، وأن العيادات المتخصصة بذلك منتشرة في فلسطين والوطن العربي.
وبين الشيخ حسين كأي تلقيح آخر لا يوجد فيها مشكلة مع مراعاة الشروط، مؤكداً تشجيعه إنجاب الأسرى عبر النطف المحررة إلى الخارج هو نوع من تحدي الاحتلال والإصرار على الحياة، مشيراً إلى أنه من حق الأسير وزوجته أن يكون لهما أبناء ويعيشا كسائر الناس.
زوجات أسرى يعارضن حمل النطف المحررة
في مقابل ما ذكر عن تأييد الإنجاب بالنطف، ترفض بعض زوجات الأسرى فكرة الحمل بالنطف، وهنا ترى زوجة الأسير محمد شحادة، أنها ترفض هذا الأمل، فليس من السهل أن تحمل المرأة وزوجها داخل الأسر باستخدام نطف مهربة، وتشير إلى أن عددا من زوجات الأسرى يلجأن إلى هذا الأسلوب من أجل الحفاظ على أزواجهن، خشية أن يخرج الزوج بعد فترة طويلة وتكون المرأة دخلت سن اليأس فيتزوج عليها من أجل إنجاب الأطفال.
وأضافت أن إنجاب الأطفال عن طريق النطف المحررة ليست سهلة، ولا يمكن لكل زوجات الأسرى القيام بذلك، كما أن المجتمع سيظل ينظر بريبة إلى الأطفال الذين يأتون عبر النطف المحررة من داخل السجون.
وتقول زوجة أسير رفضت ذكر اسمها (كانت تشارك في الاعتصام الأسبوعي لدعم الأسرى الذي أقيم أمام مقر الصليب الأحمر في مدينة رام الله) إنها وصلت لنهاية الثلاثينات من العمر وهو السن الذي يزيد من صعوبة الإنجاب لدى المرأة، ولكنها تصر على عدم الإنجاب بالنطف المحررة، فإنجاب طفل جديد مسؤولية كبرى في ظل غياب والده عنه، وهي ترفض أن يعيش ابنها مراحل عمره وتطوراته وطفولته ومراهقته دون مراقبة والده الذي ضحى بعمره داخل سجون الاحتلال.
وفي هذا السياق، أقر فؤاد الخفش مدير مركز "أحرار" للدفاع عن قضايا الأسرى، مركزه مدينة نابلس بالضفة الغربية، أن موضوع إنجاب الأطفال بالاعتماد على النطف المحررة هو موضوع اجتماع بامتياز، فبعض زوجات الأسرى ترحب بهذا الأمر وأخريات يفضلن عدمه لحين خروج أزواجهن من السجن.
وبين الخفش أن عملية تهريب النطف كانت فكرة في عام 2003 ونفذت في عام 2006 ولكن أجلت بعد اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في قطاع غزة، أملاً بخروج الأسرى وعدم الحاجة لتهريب نطف، ولكن بعد بقاء عدد منهم في الأسر قرر الأسرى استئناف تهريب النطف في عام 2012، وبالفعل رأى النور أول مولود من نطف مهربة في العام الذي يليه.
35% من الأسرى أزواج
يقول الخفش إنه وفقاً للإحصائيات الفلسطينية الرسمية لهيئة شؤون الأسرى والمحررين، وللجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن قرابة 35% من الأسرى هم من فئة المتزوجين، ويوجد قرابة ستة آلاف أسير فلسطيني يمضون أحكاماً متفاوتة في سجون الاحتلال، منهم (478) محكوماً بالسجن مدى الحياة، و(463) ممن أمضوا أكثر من 20 عاماً في السجون، و(15) قضوا أكثر من 25 عاماً، و(30) أمضوا أكثر من 25 عاماً، و(30) اعتقلوا قبل اتفاق أوسلو.
وبين ترحيب المجتمع ورغبة مئات الأسرى في الزواج، تتواصل حرب الأدمغة بين الأسرى الفلسطينيين السياسيين القابعين في السجون الإسرائيلية من جهة ومصلحة السجون والمخابرات الإسرائيلية الهادفة لتحويل السجون إلى قبور لهم من جهة أخرى، بينما يصرون هم على تحويلها إلى مدارس ومراكز لانطلاق نحو الحياة وسط غياب أي دعم رسمي فلسطيني لهذه المحاولات الإبداعية للوصول إلى حياة وإخراج سفراء للحرية الفلسطينية عبر حيوانات منوية تهرب من أقبية الزنازين الإسرائيلية.