روي أنّ أسدًا قرّر تغيير مُستشاره النّمر، واستبداله بالكَلب، وتقريب الحِمار والثّعلب، والشّروع بخطّة عصرنة الغابة– ليسَ لابن سَلمان أي عَلاقة بهذا -، ولأنّ الخوفَ أحد أهمّ دوافع الأفعال، إن لم يكن أهمّها على الإطلاق، خافَ الكلبُ من تغيير الأسد لرأيه، بعد ما سمع ليلة أمس الشّيخ الثّعلب يحدّث عن البَرامكة، فتسلّل ليلًا وربطه بسارية بيته، وفي الصّباح عندما استيقظ الأسد طلبَ منه الكلب أن يتنازل له عن نصفِ ملكه بصكٍ مختومٍ منه مُقابل فكّ قيده، وأمهله حتّى نهاية ذلك اليوم للتّفكير. عند الظّهيرة مرّ الحمار، وفي رواية أخرى الفأر، قدمَ إلى الأسد: سيّدي ملكَ الغابة مَن فعلَ بك هذا؟، لأقطّعنه. تنهد الأسد، وطلبَ من الحمار فكّ وثاقه، حزمَ الأسد أمتعته، وأغلقَ باب بيته/عرينه، وقال حكمته الشّهيرة التي ذهبت مثلًا: " الغابة إلّي بربط فيها كلب، وبِحِل فيها حمار/فار مليش عيشة فيها".
على أيّة حال، سواء كانَت الغابَة صغيرة أو دوليّة، بيتًا أو مؤسسة، وسواء حَكم الحِمار أم ذهبَ إلى المَنامة، وسواء أكانت القصّة عن الحمار أو الفأر في أسوأ الرّوايات، فإنّ الوسط الذي نعيشُ فيه باتَ يُشبه الغابة، أو باتَ يشبهها تمامًا، لا دبلوماسيّة، ولا أقنعة ليرتديها فريدمان "ابن الكلب"، أو ترامب "نَحنُ نحمي مؤخراتِكم" للسّعودية، ولا مزيدًا من "الضّحك على اللّحى"، ولا التّظاهر بالحُب، ولا حتّى طعنات من الخلف، كُلّ شيء من الأمام، "ورا للحبيب وقدّام للنّصيب"، مرحلة بلا شِعارات "دايرة على حَل شَعرها"، الكثير من الأكاذيب، الأخبار المُفبركة أوالحقيقيّة بلا أدنى فرق، مصطلحات بلا تعريف واضِح، والمزيد من المَزاجيّة الكونيّة التي ترتبط بالجوزاء ربّما، أو بالكوكب الذي كانَ سَيريح الأرض الثلاثاء الماضي، أو بالكوكب الذي ظنّته السّعوديّة قمرًا.
إنّ المُتتبع لحالة الفوضى التي نعيشها يُدرك صُعوبة الكتابة عَن كل حدث بشكل مُستقل، فمنذ الزّيادة على رواتب الوزراء وأنصاف الحقائِق والأحاديث حول الموضوع، إلى تبديل "لحمة السّعوديّة" في غزّة، ثمّ خيانتها في فراشها بموعد عيد الفطر، وإلى تقرير الشّرطة صباح الأحد الماضي: "502 مشاجرة نتج عنها 5 جرائم قتل و345 إصابة، وألقي القبض على 310 شاركوا فيها خلال شهر رمضان في الضفة الغربيّة (المحتلّة)"، يسأل سائِل: "طيب لو مكانتش محتلّة؟".
أفكّر: في ظلّ الأزمة الماليّة و"النّص راتب" وفي ظلّ البحث عَن مصادِر أخرى للدّخل يُمكن التّفرغ ليلًا لمشاهدة مقاطع من القِمم العربيّة وخطابات الزّعماء وتحليلها في بناء سَردي تسحيجي ضخم مع مانشيت مُلفت في إحدى الجرائِد التي تصفّق بيديها وبأردافها لا فرق، ويُمكن أيضًا فحص مقدار التّعفر بالغبار على مقياس الشّرف الذي تمتلكه الوزيرة، ويمكن أيضًا التّفكير بشكل جدّي في تجارة "المِسواك" الذي نستورده من الصّين غالبًا؛ لنرضي الطّموحات الكونيّة للسّيد الجعّار.
أمّا عن استمرار اجترار مُصطلح صفقة القَرن فقد بتّ أعتقد أنّه رجلٌ يمكن محاربته بالسّيف، و"ببوست طويل"، وبتخفيض النّفقات، أو بالدّعاء، ومع تَزايد الحديث عن احتماليّة انهيار السّلطة بشكل غير متوازن أو مسؤول بتّ أعتقد أنّ بعض الفصائل ستقوم بمشاركة منشور "المنسق" القادم الذي سيقتبس فيه آية: "وإنْ تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثمّ لا يكونوا أمثالكم"، وعن الأدب فإنّ الانتقاد الأكبر للروايات في هذه الأيام أنّها "تخدش الحياء العام"، وكانَ مظفّر ردّ على هذا مسبقًا: "أروني موقفًا أكثر بذاءة مِمّا نحنُ فيه"، إلا يخدشُ انقسامُنا وتناحُرنا وكلّ ما ذكرته وما لم أذكره حياءنا العام مثلًا؟
صديقي محمد عاطف عريقات اقتبسَ لكم أمس ما قاله الفيلسوف الدّينماركي كيركيجارد، وأنا أعيد اقتباسَه مرّة أخرى: "إذا بدأ أيّ شعبٍ بإنتاج وصناعة النكتة فاعلم أنه بدأ يشعر بالجوع والفقر"، هل تشعرون بحجم النّكتة/المهزلة التي نعيشها؟