الحدث.
قبل الخوض في مضمون المقال أود الإشارة إلى أن العنوان يتضمن تحليل أبرز الأحداث التي شهدتها الساحة الفلسطينية والعربية والعالمية خلال العشرية الأولى من الشهر الأول من عام 2015، على أن نقوم في كل عشرية من كل شهر بنشر مقال وفق هذا المنوال.
(1)
اخترت انطلاقة فتح ليكون العنوان الأول لهذا المقال، نظراً لانطلاقتها في بداية الشهر، وفي هذا الشأن أقول: رغم ما تعانيه حركة فتح من أزمةٍ بنيوية إلا أن هناك مؤشرات تدلل على إمكانية استرداد عافيتها التاريخية. إن قوة فتح تمثل قوة للمشروع الوطني، وضعفها إضعاف له. ولن تكون فتح قوية ومتماسكة إلا بالوحدة مع كافة القوى، وفي مقدمتها حركة حماس لأهميتها ومكانتها في بناء هذا المشروع.. المطلوب: وضع إستراتيجية شاملة، وواعية لحركة فتح، تكون قادرة على التعامل المناسب والجاد مع كافة التطورات التنظيمية والمجتمعية من جهة، والمستجدات الخارجية من الجهة الثانية، والعمل على إصلاح الحركة سياسيا وتنظيميا، إضافة إلى ضرورة أن تقوم الحركة بمراجعة نقدية جادة، وأن تجري ما يلزم من تحولات نوعية في رؤاها وبناها وأنماط عملها، لتوائم نفسها مع متطلبات واقعها ومناصريها.
(2)
في هذه العشرية صادف مولد أعظم البشرية وسيد المرسلين وإمام الأنبياء جميعاً محمد صلى الله عليه وسلم. إنه الميلاد الأعظم في التاريخ . إن ميلاد نبينا يمثل ميلاد لكل حق واندثار لكل باطل.. إنه ميلاد تحرر النفوس من العبودية وحرية الإنسان من الوثنية. إنه الميلاد الذي بنوره أصبح الفقراء سادة بينما ظل الكافرون والملحدون يرزحون في خانة النفاق والمذلة .إنه ميلاد سيد البشرية الذي فجر الضياء بخيره، وأعتم الظلم بنوره، ورفع الحق بعدله، وأباد الجشع بعدالته.
(3)
وفي السياق ذاته، يتواصل اقتحام المستوطنين المجرمين والجنود المحتلين آولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين، ومسرى النبي عليه السلام( المسجد الأقصى) والحرم القدس عامة.. وبما أن الحديث في هذا الخصوص يطول إلا أنني أقول بكلماتٍ موجزة: الأقصى ليس معلماً معمارياً أو مكاناً تعبدياً فقط بل هو رمزاً لمعتقد وتجسيدا للعقيدة الحقة والنقية.. الأقصى هو عنقود الشرف للمسلمين، ومعياراً لإيمان وصدقية المسلمين.. كيف لمليار ونصف المليار مسلم أن يصمتوا وهذا المسجد الذي تشد الرحال إليه تحت قبضة المحتلين المجرمين؟ كيف يمكن لمن يدعوا أنهم حكاماً للعرب والمسلمين ترك القدس والأقصى في قبضة المجرمين اليهود؟! . رغم ما يعانيه الأقصى وأهله سيعود حراً إلى كنف أهله.. إن هذا الموعد قريب إن شاء الله.
(4)
كذلك، شهدت هذه العشرية الذكرى التاسعة عشرة لاستشهاد القائد الفذ والمجاهد المغوار يحيى عياش، هذا الإنسان العظيم نذر حياته رخيصة من أجل أن تتحرر فلسطين ويصبح شعبها سيداً حراً... وحتى لا ينسانا النصر علينا أن نتذكر الشهيد القائد عياش وآلاف الشهداء العظام .. علينا أن نتذكر مهندس الرعب وبارود الجهاد العياش الذي غرس نماذج المواجهة والتحدي في كل بقعة من فلسطين.. لن يموت الأمل فينا، ولن يغادرنا النصر بعيداً طالما في شعبنا أحفاد لعياش وأبي جهاد وأبي علي مصطفى والشقاقي وعمر القاسم والرنتيسي القائل : عياش حي لا تقل عياش مات ... هل يجف النيل أو نبع الفرات.
(5)
وأيضاً أنعم الله علينا في هذه العشرية الأولى من هذا الشهر ببركة المطر والموجة الثلجية التي ستنعم علينا بموسم زراعي منتج وخصب .. في هذه الموجة كم هو جميلٌ استثمار هذه الأيام في أعمالٍ نافعة؛ مُخصبة بالتضامن والتعاون والتآلف العائلي والمطالعة والعبادة والرياضة ( التدريبات الجسدية).. الوقت رائع في مشاهدة الثلج وحبات المطر، ولكنه أنفع وأمتع لو مُزج ذلك بتك الأعمال النافعة... زمنكم أبيض كبياض هذا الثلج البديع.. كذلك، مثلما نتمنى أن تكون " هدى " الثلجية رحمة لا نقمة على البشر والطبيعة نتمنى أن تهتدي العقول الملوثة بالتبعية وزهوة النفاق طريق الشجاعة والإخلاص لكل ما هو خير ونافع. وأيضاً مثلما تزهو الطبيعة برداء البياض نتمنى أن يرتدي البشر رداء الأخلاق السامية، والساسة بثوبٍ الأمانة وخدمة شعوبهم بعيداً عن إثراء جيوبهم أو إتخام بطونهم.
(6)
يرى البعض أن تبرئة القضاء الإسرائيلي قاتل الشهيد الوزير زياد أبو عين طعنة في " نزاهة" القضاء الإسرائيلي وإقحام له في السياسة والأمن.. مثل هؤلاء إما جهلة وإما مغفلين.. لا ولن يوجد لدى هذا الاحتلال، كغيره من الاحتلالات في العالم، أي قضاء نزيه.. هل سمعتم يوماً عن وجود قضاء لمستعمر يدين أحد جلاديه !!. القضاء الإسرائيلي قد يكون نزيهاً بالنسبة للإسرائيليين المحتلين أما لنا فمستحيل.. كيف يمكن للاحتلال الذي سرق الأرض ونهب خيراتها بعد أن طرد الشعب وقذف بهم في منافي الأرض أن يكون عادلاً ونزيهاً!!.. علينا أن لا نستغرب من القرار الإسرائيلي.. لا يمكن للقاتل أن يجرم قاتل ولا يمكن للمقتول أن يتحول لحدث إنساني وقضية عدل في زمن الاستعمار ...
(7)
على مدى الأيام الماضية اهتزت فرنسا ومعها بعض دول أوروبا لمقتل 12 شخصاً إثر هجوم على مقر صحيفة أساءت إلى الرسول الأعظم عبر رسوماتها الكاريكاتورية.. في هذا الشأن أقول: بعيداً عن تفاصيل عملية القتل هذه، ودخولاً في أسبابها نؤكد أنه رغم أن الإسلام يُحرم قتل الأبرياء وعمومية الظلم وخصوصيته إلا أنه كان من الأولى على فرنسا أن تُجرم المتطاولين على دين الإسلام ونبيه الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم... الإسلام دين المحبة والسلام والعدل.. لا دين الدم والقتل والإقصاء والتطرف... لماذا نجد البعض لا يكف عويلاً وصراخاً على قتل البعض كردة فعل دون أن يرجع الفعل إلى سببه الأصيل.. الإسلام دين الرحمة والتسامح لكن الذين أباحوا لإعلامهم وفنانيهم وساستهم وسواهم التطاول على أفضل إنسان خلقه الله عليهم أن لا يستغربوا أو حتى يدينوا من يُقدم على نُصرة نبيه الذي أرسله الله للعالمين كافة. لا ندعوا للقتل والعنف أبداً بل نشدد على أن الأوجب من فرنسا وسواها أن تقتل العنصرية والتمييز بين شعوبها حتى لا يُقتل هذا وذاك..
(8)
خرج لنا أوباما ليعلن أن الفلسطينيين غير مؤهلين للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية. وللرد على هذا الكلام أقول: أن هذه الدولة " أميركا " غير مؤهلة أخلاقياً لأن تبقى مهيمنة على بعض دول العالم. أميركا تُهيمن لا تقود، تبطش لا تحكم... هذه الدولة المارقة لم تنضم إلى تلك المحكمة مخافة جر كثير من قادتها السياسيين والأمنيين والعسكريين لجرائمهم بحق الإنسانية. أميركا في نظرنا هي الصورة الأخرى للاحتلال وجرائمه.. لولا دعم فاشية أميركا لنازية إسرائيل ومدها بكافة أشكال الدعم والحماية لما استمرت هذه ال...دولة في البقاء... عجباً لرئيس أكبر دولة في العالم يعلن أن الفلسطينيين غير مؤهلين للانضمام لتلك المحكمة والعار يلازمه في بيته..حتماً ستزول أميركا كقوة باطشة، ويقيناً ستزول إسرائيل كدولة استعمار... أميركا دولة مارقة؛ لذلك، لا يروق لكثير من العالم أن تبقى على عرش الهيمنة والظلم.. أما إسرائيل فهي دولة لقيطة سيلتقطها الزوال..
(9)
من يشاهد القتلى والجرحى والثكالى والمشردين السوريين؛ خاصة في ظل الأجواء الماطرة والثلجية والعواصف الشديدة تقفز إلى ذاكرته مقولة " الكرامة المتجمدة ". فالحكومات العربية لا سيما الخليجية منها مشاركة في جريمة القرن البشعة؛ المتمثلة في قتل أكثر من ربع مليون سوري وتشريد أكثر من ثلث سكانها داخلياً وخارجياً.. إن كل سوري مُشرد، ويتعرض للموت ذبحاً وجوعاً وتجمداً، تتحمل مسؤولية جريمته ــ أمام الله قبل التاريخ ــ تلك الدول التي تُوظف البترو ـ دولار في أعمال المؤامرات والصراعات بين العرب من جهة، والإنفاق على أسلحة عاجزة ـ حتى ـ عن حفظ الأمن الداخلي لها من جهة أخرى. يا شعب سوريا والعراق وليبيا ومصر واليمن وفلسطين والشيشان وبورما وأفريقيا الوسطى وكشمير لكم الله ... لا تركنوا إلا لله، وللمخلصين الأحرار.. لا تنتظروا أصنام بشرية وعبيدٌ من الدمى لا يملكون من أمرهم سوى الخضوع لدول الاستعمار والنهب ..
(10)
يتصاعد الحديث حول العلاقة بين حكومة ما يسمى " بالوفاق الوطني" وقطاع غزة، حيث أن الاتهامات المتبادلة بين الطرفين تتزايد بشكل معيب ومسيء للقضية وللشعب.. الحديث في هذا المجال قد يطول ولكن أقول: لقد شكل الانقسام سكيناً في قلب القضية والشعب الفلسطيني.. بسبب هذا الانقسام مات البرلمان، وتقاتل الأشقاء وتراجعت الخدمات، وسالت دماء، وانتهكت حقوق، وضاقت أرزاق ووظائف... لا يحق لفتح ولحماس.. لا يحق للسلطة وحكومة الظل في غزة أن تبقى فلسطين وقضيتها ميدانا لصراعات عبثية وهويات متقاتلة وفرعية.. الوطن فوق الحزب والمصالح الضيقة.. الشعب لا يعنيه تفاصيل النزاع الذي يتقاتل أصحابه على بقايا البقايا.. الشعب يريد لقضيته ا ن تبقى متجذرة في وعاء المواجهة مع أبشع احتلال عرفته البشرية.. الشعب يريد من يقدم له بلسما في ظل النزيف الغائر والمتدفق من قبل الاحتلال.. يكفي انقساما واحتقانا .. على الطرفين أن ينهيان خلافاتهما ومراهقتهم السياسية.. فكفى عبثا بالوطن والشعب والقضية.