انطلق في الأسبوع الحالي فعاليات بطولة كأس الأمم الأسيوية، والتي ستقام في استراليا خلال الفترة من 9 لغاية 31 كانون الثاني 2015، وبمشاركة 16 فريق آسيوي، حيث يشارك المنتخب الفلسطيني لكرة القدم لأول مرة في تاريخه في هذه البطولة.
ولا شك بأن كرة القدم في فلسطين ممثلة في الإتحاد الفلسطيني لكرة القدم متواجدةٌ على الساحة الدولية منذ العام 1928، قبل أن يتم الاعتراف بها رسميا من قبل الإتحاد الدولي لكرة القدم في العام 1998، هذا وقد شاركت فلسطين في تصفيات كأس العالم لأول مرة في العام 1934 قبل ان تغادر التصفيات بهزيمة من المنتخب المصري ذهابا وإيابا في القدس والقاهرة، حيث يعتبر المنتخب الوطني الفلسطيني أول منتخبٍ عربيٍ آسيويٍ يشارك في تصفيات التأهل لكأس العالم.
وقد استمرت كرة القدم الفلسطينية بعد ذلك بالتطور التدريجي من خلال نشوء أندية رياضية جديدة واستضافة مباريات لمنتخبات عربية ودولية في القدس ويافا وحيفا، وشهدت هذه الفترة المشاركة في بطولات ودورات عربية، وذلك إلى حين النكبة الفلسطينية 1948 والنكسة 1967 والتي شكلت مفصلاً هاماً في توقف الأنشطة الرياضية الفلسطينية.
ومع بداية السبعينيات بدأت بعض الفرق الرياضية الفلسطينية بالعودة في فلسطين وفي الشتات برعاية من المجلس الأعلى للشباب والرياضة، والذي كانت تديره حينها منظمة التحرير الفلسطينية، وقد شهدت هذه الفترة -بداية السبعينيات- أحد أهم الإنجازات وذلك من خلال تحقيق الرياضة نصراً رياضياً فلسطينياً بطرد الإتحاد الإسرائيلي لكرة القدم من الإتحاد الاسيوي، والذي على إثره منع الإتحاد الاسرائيلي من المشاركة في بطولات الأتحاد الآسيوي.
وإلى حين وصول السلطة الفلسطينية في العام 1994 أخذت رياضة كرة القدم شكلاً جديداً من خلال انتخاب أعضاء الإتحاد الفلسطيني لكرة القدم والعمل على انتظام نشاط الدوري الفلسطيني لكرة القدم، علماً بأن هذه المبادرات جميعها لم تأتي بثمار، وذلك لضعف خبرة وإمكانيات الاتحاد الفلسطيني حينها، واستمر هذا التطور التدريجي مع الزمن وذلك منذ أواخر العقد الأول من العام 2000 وحتى يومنا هذا.
وقد كانت السياسة الفلسطينية جنبا إلى جنب مع الرياضة كأحد طرق المقاومة ضد الاحتلال، واعتبر الإثنان عاملان مهمان ضمن الإستراتيجية الوطنية الفلسطينية لإثبات الحق الفلسطيني على هذه الأرض.
ويأتي تحقق أكبر حلم في تاريخ كرة القدم الفلسطينية على أرض قام ممثلها السياسي في مجلس الأمن بالإعتراض على تمرير مشروع القرار الفلسطيني بإقامة دولة فلسطينية وإنهاء الاحتلال، حيث حصل المشروع الفلسطيني المقدم إلى مجلس الأمن مع نهاية كانون الاول 2014 على تأييد 8 دول وامتناع 5 دول واعتراض دولتين هما الولايات المتحدة الأمريكية واستراليا. وقد عبر حينها سفير أستراليا لدى الأمم المتحدة "جارى كوينلن" أن تصويت أستراليا ضد القرار جاء بسبب حمله وجهة نظرة أحادية فى صراع بين جهتين، مشددا على ضرورة التفاوض مع إسرائيل قبل الخروج بمشروع قرار يوافق عليه مجلس الأمن.
ومع قلة إداركنا بالدور السياسي لاستراليا في الصراع العربي الإسرائيلي، نستذكر هنا بعض المواقف لاستراليا حيث ان استراليا كانت من الدول القليلة التي أيدت العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، واعترفت بإسرائيل وطالبت العرب بالاعتراف بها، فأستراليا لم تتعامل مع القضية الفلسطينية على أنها قضية سياسية، بل قضية إنسانية تتعلق بتحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، من دون الإشارة إلى حقهم بالعودة.
وحتى أواسط سبعينيات القرن الماضي لم يطرأ أي تغيير على سياسة أستراليا التي تبنت موقفًا "محايدًا" من حرب 1973، وتبنت الحكومة الأسترالية موقفًا متصلبًا من منظمة التحرير الفلسطينية، فمنعت أي اتصال بها، ولا بد لنا ان نستذكر ان أستراليا شاركت في العام 1979م بـ300 عنصر من قواتها مدعومة بقوة جوية في مراقبة صحراء سيناء، بطلب من الولايات المتحدة وتحت إشرافها.
ولا بد ان نستذكر ايضا انه وبعد اجتياح الرئيس العراقي صدام حسين الكويت أيدت أستراليا قرار هيئة الأمم المتحدة فرض المقاطعة على العراق، وأرسلت عام 1990 وحدات من أسطولها البحري إلى المياه الإقليمية العراقية، لتكون جزءًا من القوات الأمريكية والبريطانية لفرض الحصار على العراق، هذا وقد اشتركت أستراليا بحرب الخليج ضد العراق عام 1991، وشاركت بحماسة في حرب الخليج الثانية 2003 ضد العراق، وكانت القوات الأسترالية أكبر ثالث قوة بعد الولايات المتحدة وبريطانيا.
هذا وكما هو معروف بأن جل اهتمام الحكومات الأسترالية في علاقاتها بالدول العربية ينحصر في جانب تسويق أستراليا ومصالحها التجارية، من دون إيلاء واهتمام للمصالح العربية، ولا لقضايا العرب المصيرية، وخصوصًا القضية الفلسطينية، وهو ما يجعل أستراليا تؤدي هذا الدور الذي يتناغم مع ما تريده إسرائيل.
وفي نهاية هذا المقال لا بد من الإشارة إلى أنه وخلال اقل من 15 يوم على الاعتراض الاسترالي على الحق الفلسطيني، سيكون السياسيين الاستراليين والإتحاد الاسترالي لكرة القدم مرغمين على عزف النشيد الوطني الفلسطيني لثلاث مرات على الاقل ضمن مباريات المنتخب في البطولة، وذلك ضمن البروتوكول الدولي في كرة القدم عند انعقاد المباريات والبطولات الدولية، وستكون منصة الشرف في الملعب والتي تضم في العادة ابرز الشخصيات السياسية والرياضية والإعلامية من الدولة المستضيفة للبطولة –استراليا- والتي ستحضر المباراة مرغمةً على الوقوف احترماً للنشيد الوطني الفلسطيني.
ومن هنا فإن هذا الانجاز الرياضي التاريخي والذي يأتي بعد اخفاق سياسي مؤقت في مجلس الأمن يجسد إرادة الدبلوماسية الفلسطينية في رفع العلم الفلسطيني بالمحافل الدولية. ولعل الوحدة الرياضية الفلسطينية، هي ابرز الدروس التي يتوجب على السياسة الفلسطينية ان تستفيد منها وذلك لتعويض خسارتها في مباراة الاياب القادمة.