الحدث ـ علا جبرة
"كم تمنيت يا والدي أن أحيا معك، أن أشب معك، أن أتعلم منك، لكنك الآن في غربتك القسرية في سجن ريمون، تبدأ عامك الثالث والعشرين.."، هذه ليست كلمات من رسالة ولا خاطرة ولا مناجاة، إنها بضع من ألم على شكل كلمات، في موقف كان من المفترض أن يكون جميلا خاليا من الحزن.
يقف جهاد غيظان أمام الحاضرين لبحث تخرجه، في تخصص الهندسة المدنية في جامعة بيرزيت، مذكرا الفرحين بهذه المناسبة، أنه مجتزئ كما فرحته، بين قيد سجن الرامون الذي يقبع فيه والده الأسير خالد غيظان من قرية قبيا قضاء رام الله وبين قاعة المحاضرة التي من المفترض أن تنهي مرحلة من حياته، لينتقل إلى المستقبل بلا أب، وبشهادة تحمل إسما مغيبا وإسما بين الحضور.
يقول جهاد إنه يشتاق لوالده وهذا حاله حال أبناء الأسرى، وليس غريبا أن يتحوّل الشوق في الحالة الفلسطينية إلى روتين، لكنه دائما ما يعالج هذا الشوق برؤية صور والده، وقراءة رسائله، لكن هذه المرة شعر أن الغياب يطبق على اللحظة والتفاصيل، فلا شيء استطاع أن يعالج الشوق، أكثر من الدمع الذي لاحظه الجميع.
ويضيف جهاد، لقد رأيت والدي في دموع أمي التي سالت فخراً بابنها أثناء تقديم بحث التخرج، "أمي بكت أثناء التقديم.. وأعتقد لو أن والدي موجود لبكى أيضاً؛ لأنني ما زلت أتذكر دموعه جيداً حين نجحت في الثانوية العامة بمعدل 93.7%".
يتحضر جهاد للمشاركة في حفل تخرج الفوج الرابع والأربعين من جامعة بيرزيت يوم الجمعة المقبل بعد خمس سنوات ونصف من التعليم الجامعي مرت في غياب والده الأسير الذي اعتقل وهو في عمر الخمسين يوماً فقط، ليتحرر في صفقة تبادل الأسرى للعام 2011، ويعاود الاحتلال اعتقاله عام 2015.
ويضيف جهاد في مقابلة مع صحيفة الحدث، لم أر والدي منذ سنوات، حتى أصبح يتخيل الناس قد جاؤوا إلى الحياة بلا آباء، وسأذهب إلى حفل التخرج بدونه، ترافقني أمي وكثير من الحسرة، ولا أريد أن أتنبأ بمشاعري في تلك اللحظة، عندما أرى كل الخريجين يصطحبون آبائهم إلى الحفل إلا أنا.. لكنني أعتقد أن الجهل بحقيقة الأشياء في بعض المواقف نجاة، سأستعير والدي من سجن رامون قليلا وأمضي للمنصة.