ظل الناس في كل زمان ومكان، مولعين بكل ما هو غريب ومثير وخارق لقوانين الطبيعة. وأسطورة "لعنة الفراعنة"، ما هي إلا واحدة من الأساطير التي ما زالت تسيطر على عقول الكثيرين منا، بدءا من البسطاء والأميين، وحتى العلماء والمثقفين، لا بل وحتى البعض من الزعماء والملوك والرؤساء. وتأثر العقل الأوروبي أيضآً بتلك اللعنة، حتى إن العديد من الصحفيين والأدباء قاموا بكتابة المقالات والروايات والأفلام. وبدء إنتاج الأفلام السينمائية "المربحة جداً"، عن لعنة الفراعنة، مثل "فيلم المومياء" عام 1932، وفيلم "يد المومياء" 1940، وفيلم “كفن المومياء” عام 1967 وفيلم “المومياء” وهو فيلم مصري، ثم فيلم “دماء من مقبرة المومياء” عام 1971، والمستوحى من رواية “جوهرة النجوم السبعة” التي كتبها برام ستوكر عام 1903، وكذلك الفيلم الأمريكي The Mummy الذي أنتج في العام 1999، وتلاه في 2011 فيلم “عودة المومياء”، وكذلك فيلم الممثل العالمي توم كروز بعنوان The Mummy تم إنتاجه في عام 2017.
وكانت لعنة الفرعون "توت عنخ آمون" هي أشهر تلك اللعنات؛ ففي ظهيرة يوم 4 نوفمبر 1922، وتحديداً في "وادي الملوك"، بجانب مدينة طيبة المصرية، هرع كبير العمال المصريين إلى عالم الآثار البريطاني، هاورد كارتر Howard Carter، يخبره بأنه قد تم العثور على أربع درجات من سلم حجري، وهو ما يعني العثور على "مقبرة ملكية"، وعلى الفور، قام كارتر، بالاتصال بلندن، ليخبر اللورد جورج كارنرفون "Lord George Carnarvon، الممول وصاحب حق الامتياز لاكتشافاته، عما سيتم اكتشافه تحت الرمال المصرية، في تلك المنطقة. وبعد ثلاثة أسابيع، كان اللورد كارنرفون، أمام أكبر حدث تاريخي في القرن العشرين، حتى إن علماء الآثار في العالم كله، قالوا آنذاك، بأن "جميع الاكتشافات الأثرية في اليونان، وإيطاليا، تعتبر شيئاً مبتذلا أمام ما تم اكتشافه على يد هوارد كارتر.
وفي يوم 26 نوفمبر، نزل اللورد، ومعه ابنته، ومجموعة من الباحثين البريطانيين، إلى آخر درجات سلم المقبرة (16 درجة). وأمسك كارتر بقطعة حديد كبيرة، وقام بعمل فتحة صغيرة، أمام الحائط الأول! وما إن خرجت من تلك الفتحة الصغيرة رائحة "حضارة" آلاف السنين، حتى ألقى الرجل بنظره إلى محتويات غرفة الملك التي ظلت تحوي أغلى الكنوز التي اكتشفها الإنسان منذ الأزل. وتبين أن المقبرة تعود لأحد ملوك الأسرة الفرعونية (الأسرة 18)، ومع أن الفرعون الشاب توت عنخ آمون، لم يحكم سوى 9 سنوات 1334-1325 ق.م؛ إلا أنه يعتبر أشهر الفراعنة، لا لفتوحاته العسكرية، أو لإنجازاته، بل لأنها المقبرة الملكية الوحيدة، التي عثر عليها بكنوزها دون أن يلمسها أحد. وكان أكثر ما لفت انتباه كارتر، تلك الجملة التي كتبت على جدران غرفة التابوت، (سيضرب الموتَ بجناحيهِ السامين، كل من يجرؤ على إزعاج الفرعون)!. وكُتِب على الجدران أيضآ، (كل من يقوم بدخول هذا القبر، ويقوم بأعمال شريرة، فإن التماسيح في الماء ستكون خصمه، كما ستكون الثعابين السامة والعقارب على الأرض خصمه أيضا). وامتلأت الدنيا ضجيجا وصخبا بهذا الاكتشاف العظيم. يذكر أن جريدة التايمز اللندنية، حصلت على حقوق نشر الخبر والدعاية، كما حصل اللورد كارنرفون، على 25% من أرباح الصحيفة. أما الصحافة المصرية، فقد ظلت عاما كاملا تنتظر الإذن من "التايمز" البريطانية، للدخول إلى قبر أجدادهم!.
الغريب في الأمر، أن القاهرة غرقت في ظلام دامس تلك الليلة!. وفي مساء اليوم أيضا، هبت عاصفة رملية قوية ثارت حول القبر، ورأى العاملون صقرا يحلق فوق المقبرة الملكية!، إذ أن الصقر كان أحد الرموز المقدسة لدى الفراعنة. وتوالت الأخبار "الفجائية" لمقتل العشرات من الباحثين والمستكشفين والعمال، ممن كان لهم علاقة "بإزعاج الملك" في مرقده، في ظروف غامضة. وفي شهر نيسان من العام 1923، توفي في القاهرة اللورد كارنرفون، إثر لدغة بعوضة. وصار خبر موته، الخبر الأكثر إثارة للجدل في القاهرة ولندن. وفي أيلول من العام نفسه، مات الأخ الأصغر للورد، العقيد "أوبري هربرت"، بسبب تسمم مفاجئ في الدم. وتوفي الأمير المصري علي كامل فهمي، الذي كان يشرف على التنقيب الأثري، قتلاً بالرصاص من قِبل زوجته.
وفي نهاية 1923 قتل رجل الأعمال، “ولف جويل”، الذي شهد فتح المقبرة. ومع بداية العام 1924، لقي السير أرشيبالد دوغلاس ريد الطبيب الذي قام بعمل الأشعة السينية لمومياء توت عنخ آمون، مصرعه بسبب مرض غامض.
وبدأ الناس يصدقون بأن من يجرؤ على "إزعاج الملك في قبره"، ستلحق به وبالتأكيد، لعنة الفرعون، أو ما اصطلح تسميته ب "لعنة الفراعنة"!.. .(وللحديث بقية).