السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هامش ... عن أحلام اليقظة وما رأيتُ ...

2014-06-24 00:00:00
هامش ... عن أحلام اليقظة وما رأيتُ ...
صورة ارشيفية

 

إذا قالت حذامِ

بقلم: ورود الموسوي - لندن

كلُّ شيء بدا هادئاً ومنساباً بينما المساءُ يحط رحله بعد أن أضناه التعب .. الشموعُ مزدانةً بلونها الأحمر.. وخيطُ دموعها يتجمع حولها مشكّلاً تماثيلَ ومجسّمات تاركةً القدر يختارُ أشكالها .. فهنا ترى بنتاً تقفُ على حافةٍ ما .. بينما دموع الشمع مازالت تشكّل بُـركةً حولها .. عند الشمعات الثلاثة المتراصّة كان جبلاً يقف عند رأسه طائرٌ لم يكتمل بعد .. وكلما هبّ نسيمٌ ناعسٌ ارتجف لهيبها وتراقص مع  فتيلتها المضاءة بالحب ..

 كلُّ شيء بدا لي لوحةً من جنة عاد المفقودة .. أو جنة الأرض الممتدة على سواحل لم أزرها من قبل .. ورغم أن المكان شاعريٌّ لدرجة أني نسيتُ الكتاب مفتوحاً بقربي ولم أكمله , شدّ انتباهي ضوء التلفاز والأخبار التي جاءتني منه  :

-افتتاح أكبر حديقة زهور في الشرق الأوسط في مدينة غزة بتوافد عربي وعالمي كبير (تظهر الكاميرا فرحة الناس والاطفال والعالم بهذا الانجاز العظيم) ظهر على الشاشة الناطقُ الرسمي باسم أمانة العاصمة ليتحدث عن الإنجاز الكبير هذا.

- مُنح العراق جائزة نوبل للسلام عن فئة البلدان الأكثر أمناً في العالم واستقراراً في الوقت الذي جاء تتويج بغداد جوهرة العالم للعلوم والمعرفة والثقافة (الكاميرا تنقل احتفالاتٍ لافتةٍ وتنظيمٍ مدهشٍ والعوائل تتجول في الأماكن العامة بفرح .. ودجلة يشهد أكبر تظاهرةٍ لزوارق العشاق احتفالاً بأمنِ وطنهم).

- في مصر يشهد البلد ارتفاعاً عالمياً بمنسوب السياحة مما أنعش اقتصاد البلد حتى فاضت العمالةُ عن الحاجة واختفت كل انواع الفوارق الطبقية ( الكاميرا تتجول بين أحياء القاهرة الهادئة والشعب يغني والناس يضحكون )

-تم اختيار دمشق عاصمةً للعطر والياسمين في العالم ( كانت الكاميرا تنتقل بين الشوارع المسيجة بأبيض الياسمين وهي تدخل البيوت التي فتحت أبوابها مرحبةً بالقادمين والاطفال يتقافزون بين الورد ويعصرون العطور).

ياه كم منعشٌ وجميلٌ أن تسمع كل هذا الجمال عن البقعة التي تنتمي لها ..! ما أجمل الوطن العربي وهو يحصد كل هذه الإنجازات الإنسانية والجمالية ويتفوّق على كبريات العواصم والدول !

كانت الشموع قد شارفت على الإنطفاء مخلفة حولها هياكلَ من معانٍ وقصائد لا يمكن أن تكتبها إلا يدُ مبدع فنان .. وقبل أن تنطفيء آخر شمعةٍ أطلّ القمر المرافق رحلتي باسماً بوجهه معلناً عن اكتماله (قمراً) .. كان الخدرُ قد بدأ يدبُّ بأطرافي وأنا ما زلتُ أسترجعُ الصور الجميلة التي شاهدتها عبر شاشة التلفاز .. أمسكتُ هاتفي لأتصل بصديقتي كي أخبرها عن آخر انجازاتنا العربية ..ونحلل بعض تفاصيل ما جاء  ..

لكنّ صوت رنين الهاتف أيقظني ..  لأستيقظ من حلمي الجميل ذاك .. على صوت أحدهم مذكّراً إيايَ إعتصامنا غداً في حديقة الهايد بارك ضد (داعش) وضد كل من يقف وراء هذه العصابات المسلحة التي جاءت لتفرّق العراقيين لكنّ رد العراقيين عليهم كان بوحدتهم كافةً بنبذهم لأي متحدث باسم الطائفية والوقوف مع وحدة العراق الواحد مساندين جيشه الباسل بالدفاع عن العراق ومَن فيه.

أغلقتُ هاتفي وتمنيتُ لو عاد لي الحلم مرة أخرى .. لكنّه الصباح بدءُ ما سيأتي من أخبار مفجعة .. رنّ الهاتفُ معلناً صوت صديقتي المصرية وهي تتحدث معي عن حقوق الانسان والمرأة وما تتعرض له من تحرشات جنسية واغتصاب وكيف يتحول البشر الى وحوش ما أن يطلق سراح وحشيتهم ..! وتفضلي لحضور ندوة حول هذا الموضوع ..

هاتفٌ آخرَ .. حول أطفال سوريا وما وصلوا اليه في تركيا ولبنان والاردن .. خبرٌ باغتصاب وقتل طفل سوري لم يتجاوز التاسعة! أي وحشيةٍ هذه التي باتت تطالعنا بها الاخبار..؟ ماهذه البشاعة التي وصل اليها العالم العربي الذي كان قبل قليلٍ مصدِّرٌ للسلام العالمي !!

المتن*

بعد كل ما وصلنا اليه من انتكاس انساني واخلاقي أظننا بحاجة أن نقف طويلاً أما أنفسنا ونخجل منها كثيراً ... فيا أيها السادة ... حين نعي أننا شعبٌ مريضٌ ومليءٌ بالحقد والكراهية والوحشية التي لا نتوانى عن اطلاقها كلما سنحت الفرصة .. ربما سنجد علاجاً .. حين نعترفُ أننا شعوبٌ مصابة بداء الموت وتتمنى الفناء  لجيرانها فقط لأنهم يختلفون عنها بالافكار او المذهب او الديانة .. ! ربما سنبدأ بمراجعة أنفسنا بقبول الآخر المختلف ... حين نعترفُ أننا شعوبٌ مهزومة دواخلنا وأننا نشعر بعقدة النقص اتجاه الاخر .. لذلك نتطاول عليه بلساننا وأيدينا ولا نفهم معنى الحوار السلمي بل لا نريد أن نتعلمه ..! ربما سنتعلم كيف نكتم غضبنا ونبدله الى حوارٍ ثريّ

 

حين نعترفُ بفشلنا الأبدي بأن نكون شعوباً محترمة لها قراراتها وسيادتها وعدم التدخل بسيادة وأمن البلدان الأخرى .. والايمان باختلافنا البشري الطبيعي واختلاف الشعب الواحد وتعدده الثقافي والعرقي دون اللجوء لمحاولة تغيير الآخر المختلف عنا .. وليّ ذراعه بحجج واهية واجباره على اعتناق ما نؤمن به ..! لحظتها سنعيشُ بسلام وأمنٍ ومحبة .. لحظتها سنكون شعباً يستحق الحياة والاحترام .. وسيكون ما رأيته واقعاً معاشاً لا حلماً أكتبه على ورق ...!