تلوث 50% من بحر غزة بالمياه العادمة يحرم الغزيين من "متنفسهم الوحيد"
الحدث-غزة- نور أبو عيشة (9:50)
لم يتوقع المواطن الغزيّ سامي عكيلة، أن تتحول لحظات الفرح التي قضاها مع طفليه عبد الرؤوف (5 أعوام)، وأحمد (3 أعوام ونصف)، على شاطئ البحر المتوسط بقطاع غزة، إلى "مرضٍ" يحتجز بسببه طفله الأخير في المستشفى لمدة 3 أيام، إثر إصابته بمرض الأنتاميبا".
وقال عكيلة "لقد كانت المدة التي قد تصل إلى 10 دقائق من سباحة الطفلين في البحر بمنطقة الشيخ عجلين، غرب مدينة غزة، سبباً لإصابتهم بطفيل الأنتاميبا.
والأنتاميبا هو طفيل وحيد الخلايا يتكاثر داخل الأمعاء ويتحول إلى حويصلة بها نويات وتسبب الديسونتاريا الأميبية وهو من أخطر الطفيليات لأن علاجه يأخذ فترة طويلة.
ومن أعراض الأنتاميبا حدوث مغص وإسهال وفقدان للشهية وقيء ثم فقدان في الوزن وإجهاد، بالإضافة إلى وجود مخاط مع البراز وأحيانا دم وذلك في المراحل المتطورة من المرض.
وأضاف عكيلة أنه "من أكثر مسببات هذا المرض، هو شرب المياه الملوثة، وبعد أسبوع ونصف من السباحة في البحر، ظهرت على طفلي الاثنين أعراض المرض، وتسببت بمكوث الأصغر في المستشفى لمدة ثلاثة أيام".
وأعلنت سلطة جودة البيئة (حكومية) في قطاع غزة أن 50 % من شواطئ بحر القطاع، غير صالحة للسباحة نظراً لـ"تلوثها" بمياه الصرف الصحي.
فبعد أن كان شاطئ البحر في قطاع غزة من أكثر الأماكن "تفضيلاً" عند الغزيين لقضاء أوقات إجازتهم الصيفية وللاستجمام مع أطفالهم، بات يُشكّل "خطراً" يتربّصُ بهم، خاصةً بعد الإعلان عن تلوث شواطئه.
وبذلك، لم يعد هروب الغزيين في إجازتهم الصيفية إلى شاطئ البحر، والذي وصفته رانية عفانة (36 عاماً)، بـ"متنفسهم" الوحيد، مرغوباً به، إذ تُفاقم مشكلة تلوث مياه البحر أوجاع الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع للعام الثامن على التوالي، كما قالت لـ"الأناضول".
وفي عام 2006 فرضت إسرائيل حصارا على قطاع غزة، شددته بعد سيطرة حركة حماس على القطاع في يونيو/حزيران 2007.
وقالت عفانة إنه "اليوم بات البحر يشكل حصاراً جديداً للغزيين، خاصة في ظل تردي الوضع الاقتصادي، فالرحلة إلى البحر لم يكن لها تبعات مادية كبيرة، لكن اليوم وبعد الإعلان عن تلوث 50% من مياه الشاطئ، فإن أي رحلة عائلية ستنهكنا جهداً ومالاً".
وأوضحت عفانة أن البحث عن مناطق آمنة للسباحة، وبعيدة عن مضخات الصرف الصحي التي تصبّ بشكل مباشر في مياه البحر، أصبح عائقاً يحول دون التفكير بالقيام بمثل هذه الرحلة، مشيرة إلى انبعاث روائح كريهة من مياه البحر.
من جانبه، قال عطية البرش، مسئول المختبر البيئي بسلطة جودة البيئة، للأناضول:" نحن في سلطة جودة البيئة، وبالتعاون مع وزارة الصحة، نقوم بتطبيق المواصفات الفلسطينية لمياه الاستحمام الشاطئية".
وتابع:" الشروط الواجب توافرها في مياه الشاطئ، لكي تكون صالحة للاستحمام، هي شروط متعلقة بالجوانب البيولوجية والفيزيائية والكيميائية للمياه".
وأوضح البرش أن سلطة جودة البيئة فحصت عينات من مياه شواطئ شمال قطاع غزة وحتى جنوبه، مضيفاً:" نتائج التحليل التي ظهرت حسب المواصفة الفلسطينية، تبين أن هناك تلوثا بلغت نسبته حوالي 50%، في شواطئ القطاع".
وأشار إلى أن هذه النسبة من تلوث شواطئ بحر غزة، هي الأعلى مقارنةً مع السنة الماضية.
وحسب سلطة جودة البيئة، فإن نسبة التلوث في مياه البحر للعام الماضي وصلت إلى (10-20)%، علماً بأن سلطة جودة البيئة تسجل سنوياً نسبة تصل إلى (80-90)% مناطق آمنة للسباحة في بحر غزة.
وأرجع البرش سبب ارتفاع نسبة تلوث مياه البحر إلى تصريف المياه العادمة "مياه الصرف الصحي"، غير المعالجة إلى شاطئ البحر بشكل مباشر.
وقال إنه "يتم تصريف 110 آلاف متر مكعب، من المياه العادمة غير المعالجة في شواطئ بحر غزة، بشكل مباشر يومياً".
وأشار إلى أن مياه شواطئ قطاع غزة الملوثة، قد تسبب أمراضا عديدة، للمصطافين هناك.
وقال البرش إنه " تعتبر المياه العادمة مستودعاً للأمراض الوبائية، وقد تتسبب المياه الملوثة بهذه المياه، بأمراض الجهازين الهضمي والتنفسي، والأمراض الجلدية، وأمراض العيون، وحمى التيفود".
وأضاف أن سلطة جودة البيئة بعد تأكدها من تلوث مياه البحر، وحرصاً على أرواح المواطنين، خاطبت الجهات التشغيلية وطالبتها بضرورة وضع لافتات إرشادية للدلالة على المناطق الملوثة.
ودعا البرش المصطافين على شواطئ بحر غزة بضرورة إتباع التعليمات الإرشادية والابتعاد عن المناطق الملوثة.
وأرجع البرش تصريف مياه الصرف الصحي في بحر غزة دون معالجة أو بمعالجة جزئية، إلى توقف محطات معالجة تلك المياه الموجودة في كل من محافظات غزة وخانيونس ورفح "جزئياً" عن العمل بسبب انقطاع التيار الكهربائي، ونقص إمدادات الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء، مما يؤدي إلى ضخ كميات من المياه غير المعالجة (مياه الصرف الصحي الخام) إلى البحر.
ويعاني سكان قطاع غزة من أزمة كبيرة في الكهرباء منذ أكثر من 7 سنوات عقب قصف طائرات الاحتلال لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة صيف عام 2006.
وينقطع التيار الكهربائي يوميا ثماني ساعات عن كل منطقة في غزة، وقد تمتد ساعات القطع لأكثر من 12 ساعة .
أما فؤاد الجماصي، مدير دائرة الصحة والبيئة في وزارة الصحة الفلسطينية فقال للأناضول " نحن في وزارة الصحة، قمنا بتحديد الأماكن الآمنة للسباحة في شواطئ غزة، بناء على معطيات سعت إليها الوزارة، منها الكشف الظاهري، وفحص عينات من مياه البحر".
وأضاف أن وزارة الصحة وضعت أعلاماً "حمراء وسوداء" في أماكن قريبة من مضخات الصرف الصحي التي تصب مباشرة في البحر، للدلالة على تلوث المياه ومنع المواطنين من السباحة في تلك المناطق.
وأضاف الجماضي:" المناطق الملوثة بمياه الصرف الصحي، تعتبر مستودعا للأمراض سيما الجلدية، والمتعلقة بالجهاز الهضمي، وأمراض في العيون"، داعياً المواطنين إلى تجنب السباحة في تلك المناطق.
وأوضح أن السباحة في المسافة التي تربط جنوب مصب الصرف الصحي في بحر رفح، جنوب قطاع غزة، وحتى الحدود المصرية، ممنوعة، نظراً لتلوثها بمياه الصرف الصحي.
وقال إنه "من مسافة 300-500 متر جنوب مصب مياه الصرف الصحي، في بحر خانيونس، جنوب قطاع غزة، وحتى 800-1000متر شمال المصب، فهو مصنف ضمن المناطق غير الآمنة للسباحة.
وأوضح أن بحر مدينة دير البلح، الواقع وسط قطاع غزة، آمن بشكل كامل للسباحة، مضيفا أنه ما بين 500 متر جنوب وادي غزة، وسط القطاع، وحتى 1000 متر شماله، فهي منطقة خطرة غير صالحة للسباحة.
وقال إن "مصب مياه الصرف الصحي الموجود بالقرب من ميناء غزة، غرب المدينة، يعتبر منطقة غير آمنة للسباحة أيضاً نظرا لتلوث مياه البحر".
(المصدر: الاناضول)