الحدث - رولا حسنين
مرّت حادثة عزف النشيد الإسرائيلي في قطر قبل ثلاثة أشهر مرور اللئام على مائدة الأخلاق العربية التي طالما تغنينا فيها ونحن نردد هتاف "بلاد العرب أوطاني"، لم تدم هذه البلاد حقاً أوطاننا، باتت مرتعاً للمستعمر الإسرائيلي بشتى الوسائل، فليس الاستعمار يعني احتلال الأرض فحسب؛ إنما احتلال الثقافة والفكر والعقل، وكيّ وصهر الوعي العربي والفلسطيني.
أمس، وصل البحرين –مكان انعقاد مؤتمر تطبيعي يهدف لتصفية القضية الفلسطينية ومقدمة لطرح صفقة القرن- صحفيون إسرائيليون بتأشيرات وجوازات سفر إسرائيلية، كحادثة هي الأولى من نوعها بشكل علني، بعد أن كانت الدول العربية تظهر رفضها لممارسة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، باتت اليوم تفتح للإسرائيليين الأبواب على مصراعيها، "فقط تفضلوا بالدخول، نحن لا نعاديكم، بل نحن ننبذ الإرهاب الذي يقتلكم"، هكذا سيكون حال الدول العربية لاحقاً.
الخارجية الإسرائيلية بالتأكيد احتفت بعزف النشيد الإسرائيلي في قطر وأشادت بعمق العلاقة بين الطرفين، واليوم الاحتلال يشيد بالبحرين لسماحها للصحفيين الاسرائيليين بدخول أراضيها بجوازات سفرهم الإسرائيلية، ضاربين بأرجلهم كل الأطروحات التي تدين التطبيع مع الاحتلال. وتواصل جامعة الدول العربية الحديث عن رفضها التطبيع ولكن من منظور فضفاض يسمح ضمنياً للدول العربية بإقامة علاقات مع دولة الاحتلال؛ حيث تشترط استقلال فلسطين على حدود الرابع من حزيران، وإعلان القدس الشرقية عاصمة فلسطين، وهو الاشتراط الذي لا يقبل به الشعب الفلسطيني الذي يؤمن بأن حق العودة لكامل فلسطين لا يسقط، وأن القدس عربية لا تقبل القسمة على دولتين.
لم يخفِ مراسل القناة 13 العبرية باراك رافيد، فرحته وهو في الطائرة مقلعاً إلى الأردن تمهيدا للذهاب إلى مؤتمر البحرين مع زميله المنتج التلفزيوني "شبيجلمان"، وقال: "منذ 13 عامًا أسافر حول العالم لتغطية الأحداث المختلفة، لكن هذه المرة أنا متحمس جدًا، ستكون المرة الأولى التي يدخل فيها الصحفيون الإسرائيليون البحرين وأول مرة سيتم فيها بث نشرة أخبار إسرائيلية من البحرين". وواصل التقاط صور له وللصحفيين الإسرائيليين معه في كل محطاتهم في البحرين، وكان من بين الصور التي نشرت صورة "للخمرة اللبنانية" في البحرين معلقاً عليها "بصحة الشرق الأوسط الجديد".
بالتالي؛ لم يعد التطبيع العربي الممارس مع الاحتلال يقتصر على مباريات رياضية، وجلسات سياسية "سريّة" انتهت باتفاقيات "سلام وهمي" مع الاحتلال، وتبادل سفراء وإقامة سفارات وقنصليات تعطي شرعية وجودية للاحتلال؛ إنما طالت المؤتمرات التي ستمرر صفقة القرن الأمريكية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، وباتت مُعلنة، تتسابق دول عربية للمشاركة فيها كمصر والأردن والمغرب وقطر.
فيما واصلت كل من لبنان والعراق رفضهما المشاركة في المؤتمر على اعتباره بمثابة رشوة لدول الشرق الأوسط كي تقبل بالخطة الأمريكية، التي لن تتوقف على حدود فلسطين، إنما ستستعمر دولة الاحتلال وأمريكا المنطقة العربية استعمارا اقتصاديا جغرافيا وثقافيا.
أما على المستوى الفلسطيني؛ فلم يتعدى الرفض لمؤتمر البحرين وصفقة القرن، تصريحات رسمية ومسيرات خجولة وسط المدن.