السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ما هي المصلحة من وراء تعديل الإطار القانوني لعمل الصندوق الفلسطيني لتعويض مصابي الحوادث بتسارع مستمر؟

التعديلات الأخيرة على قانون التأمين تمس مصالح المتضررين من حوادث الطرق

2019-06-26 08:41:56 AM
ما هي المصلحة من وراء تعديل الإطار القانوني لعمل الصندوق الفلسطيني لتعويض مصابي الحوادث بتسارع مستمر؟
مجلس الوزراء السابق برئاسة د. رامي الحمد الله (أرشيف)

الحدث تتابع ما يجري في صندوق تعويض مصابي حوادث الطرق

الحدث- محمد غفري

عام 2017 زادت حدة الخلافات القانونية بين الصندوق الفلسطيني لتعويض مصابي حوادث الطرق واتحاد شركات التأمين، على خلفية رفض الصندوق تنسيب الاتحاد لرئيس مجلس إدارته عضواً في مجلس إدارة الصندوق، بدعوى أن الأمر فيه تضارب للمصالح.

جاء رفض الصندوق تنسيب اتحاد شركات التأمين لرئيسه على خلفية شغله لوظيفة مدير عام شركة تأمين وعضو مجلس إدارتها، في الوقت الذي يقاضي فيه الصندوق ذات الشركة مطالباً إياها بدفع مبلغ حوالي 7 مليون شيقل مستحقات مالية للصندوق على الشركة، أقر بها هو ذاته أمام النيابة العامة التي وجهت للشركة لائحة اتهام بذلك.

عام 2018، توجه رئيس اتحاد شركات التأمين ومجلس إدارة الاتحاد للمحكمة العليا طاعنين في قرار مجلس إدارة الصندوق، وصدر لاحقا قرار محكمة العدل العليا لصالح اتحاد شركات التأمين، لأنه من حق الاتحاد تسمية من يشاء لتمثيله في عضوية مجلس إدارة الصندوق، أما قضية المستحقات المالية للصندوق على  بعض شركات التأمين لم تنته حتى اليوم وما زالت قضايا جزائية منظورة.

لاحظ الصندوق في متن الحكم القضائي إظهار المحكمة بأن مجلس إدارة الصندوق لا يشتمل على عضوية وزارة المالية التي كانت بالقانون تحظى برئاسة مجلس الإدارة، هذا الخلل القانوني والفراغ التشريعي دفع بمدير عام الصندوق في حينه إلى التوجه لرئيس مجلس الوزراء ووزير المالية لمعالجة الخلل بتعديل المادة المتعلقة بمجلس إدارة الصندوق في قانون التأمين.

تم تعديل القانون وصدر القرار بقانون رقم 30 لسنة 2018 إلا أن التعديل وفق الخطيب لم يرق لهيئة سوق رأس المال، ولا لبعض شركات التأمين وهي التي كانت تحتجز أموالا طائلة للصندوق وحاولت جاهدة إلغاء القرار بقانون، وقدمت الهيئة مقترحا جديدا إلى مجلس الوزراء لتعديل القانون يتيح لها الرقابة والإشراف على الصندوق، وهو ما حصل بالفعل للأسف بعد شهرين فقط.

وضاح الخطيب

وضاح الخطيب

المدير العام السابق للصندوق الفلسطيني لتعويض مصابي حوادث الطرق وضاح الخطيب، يرى بأن التعديل المقدم من هيئة سوق رأس المال جاء انحيازا لبعض شركات التأمين.

كما يرى الخطيب بأن إصرار رئيس الوزراء السابق د. رامي الحمد الله على تعديل القانون بالشكل الذي طالبت به هيئة سوق رأس المال، شابه تعسف في استعمال السلطة وتضمن مخالفة للقانون.

كل هذا تدحرج حتى وصل إلى إنهاء عقد عمل وضاح الخطيب بتاريخ 11 نيسان 2019، وبقرار من مجلس إدارة الصندوق تم تشكيل لجنة تسيير أعمال لإدارة الصندوق يشرف عليها أمين عام اتحاد شركات التأمين، وهو ما يعني أن الصندوق بات تحت إشراف شركات التأمين، التي جزء منها في حالة خصومة مع الصندوق أمام المحاكم.

من البداية.. تأسيس الصندوق

تم بموجب اتفاقية باريس الاقتصادية وضمن بروتوكول التأمين الاتفاق على إنشاء صندوق فلسطيني لتعويض ضحايا حوادث الطرق.

نص بروتوكول باريس

وبناء عليه أصدر الرئيس الراحل ياسر عرفات القرار رقم (95) لسنة 1995 بإنشاء الصندوق الفلسطيني لتعويض ضحايا حوادث الطرق.

وفي سنة 1996 صدر أول مرسوم رئاسي بتشكيل أول مجلس إدارة للصندوق لمباشرة العمل وكان مقره في غزة، يرأس مجلس إدارته وزير المالية.

صندوق تعويض مصابي حوادث الطرق

قانون التأمين

في العام 2005 أقر المجلس التشريعي قانون التأمين، وأعيد بموجبه إنشاء الصندوق تحت اسم الصندوق الفلسطيني لتعويض مصابي حوادث الطرق، وتم تحديد أعضاء مجلس الإدارة بخمسة أعضاء وفق مسميات وظيفية دون تحديد سقف زمني لفترة توليهم المنصب، بهدف الاستقرار، وحدد القانون المهام المناطة بالصندوق وآليات تمويله، وبموجبه أصبحت الخزينة العامة من خلال وزارة المالية هي الضامن في حال عدم قدرة الصندوق على الوفاء بالتزاماته تجاه مصابي حوادث طرق.

دخل قانون التأمين حيز التنفيذ عام 2006، وصدر قرار عن مجلس الوزراء رقم 150 لعام 2006، والذي أعلن إطلاق الصندوق. 

عندما تقرر إعادة تفعيل الصندوق ولشغور منصب وكيل الوزارة، صدر القرار بقانون رقم 8 لسنة 2007 بتعديل البند رقم (1) من المادة رقم (171)، ليصبح رئيس مجلس الإدارة ممثلاً عن وزارة المالية من موظفي الفئة العليا بدلا لوكيل الوزارة.

بداية الخلاف

ينص قانون التأمين أن أحد أعضاء مجلس الإدارة يكون ممثلاً عن اتحاد شركات التأمين، وفي عام 2017 طلبت شركات التأمين تغيير ممثلهم في مجلس إدارة الصندوق، وتم تنسيب رئيس الاتحاد، والذي يشغل في نفس الوقت منصب مدير عام شركة تأمين وعضوا في مجلس إدارتها.

وفي هذا السياق يقول المدير السابق للصندوق وضاح الخطيب، إن "الصندوق رفض هذا التنسيب على اعتبار أن هناك تضارب مصالح كبير بين الممثل المسمى من اتحاد شركات التأمين وبين الصندوق، حيث إن شركة التأمين التي يديرها تحتجز بقرار منه أموالا للصندوق".

وأضاف الخطيب في حوار خاص مع "الحدث"، أن "شركة التأمين هذه لم تكن ملتزمة وفقا للقوانين والتعليمات ذات الشأن بدفع كافة المستحقات، وكانت تحتجز حوالي 7 مليون شيقل من مستحقات الصندوق، وأن الصندوق طالبها بدفع الأموال، وهي ترفض دفعها بذرائع مختلفة، ولكن قانونا لا يجوز لها الامتناع تحت أي ذريعة".

وحول ما هية هذه الأموال؛ أوضح الخطيب، أن المواطن عندما يقوم بدفع قسط التأمين الإلزامي لشركة التأمين، يدفع حصة إضافية علاوة على قسط التأمين، وليست جزءا منه "حصة صندوق تعويض مصابي الحوادث"، محددة بموجب نظام صادر عن مجلس الوزراء في العام 2008 وعلى شركة التأمين أن توردها للصندوق في الشهر التالي لبيع وثيقة التأمين.

وبين، أن الصندوق أقام قضايا حقوقية للمطالبة بالمستحقات المالية على شركة التأمين التي تتمنع عن توريد مستحقاته، ولجأ الصندوق عدة مرات لهيئة سوق رأس المال الملزمة بالتدخل بحسب القانون في حال امتناع أي شركة تأمين عن سداد المستحقات في الموعد المحدد، ولكن الهيئة لم تقم بهذا الدور. لا بفرض غرامة تؤول للصندوق وفق نص القانون ولا بأية عقوبة يفرضها القانون على الشركات التي لا تلتزم بتنفيذ قانون التأمين والأنظمة والتعليمات الصادرة بموجبه.

قدم الصندوق شكوى إلى النائب العام ضد شركات تأمين بسبب احتجازهما للأموال، والنائب العام بدوره حقق في هذه الشكوى، ووجه للشركتين لوائح اتهام تنص على إساءة الائتمان والغش والإضرار بالدائنين ومخالفة أحكام قانون التأمين، وإحالها للمحكمة، وما زالت المحكمة تنظر في القضيتين الجزائيتين.

صندوق تعويض مصابي حوادث الطرقصندوق تعويض مصابي حوادث الطرق

وتابع الخطيب، أن الصندوق أبلغ اتحاد شركات التأمين بحقهم بوجود ممثل لهم، ولكن بعدم قبول عضوية الشخص المسمى منهم لتضارب المصالح، وحفاظاً على النزاهة والشفافية والحوكمة.

لكن الاتحاد وفق ما ذكر الخطيب أصر على موقفه وتوجه في شهر أيار 2018 لمحكمة العدل العليا للطعن في القرار الإداري الصادر عن مجلس إدارة الصندوق برفض عضوية أنور الشنطي، والمحكمة بدورها أصدرت قرارها في أيلول 2018 لصالح الاتحاد.

صندوق تعويض مصابي حوادث الطرق

تعديل قانون التأمين

يقول وضاح الخطيب إن متن قرار المحكمة العليا أظهر خللا قانونيا حول عضوية مجلس إدارة الصندوق، لذلك تم التوجه إلى رئاسة الوزراء وإلى وزير المالية لسرعة معالجة الخلل القانوني، حيث إن الصندوق مؤسسة عامة تخضع لرقابة الحكومة، والمادة (177) من قانون التأمين تقول إن الخزينة العامة هي الضامن للصندوق في حال عجز عن الوفاء بالتزاماته، وبالتالي لا يجوز أن يكون الضامن غير موجود في مجلس الإدارة، ولا يوجد له إشراف.

مجلس الوزراء اتخذ قراراً بتعديل قانون التأمين لسد الفراغ  في مجلس الإدارة، ونسب إلى الرئيس لتعديل القانون، وإصدار القرار بقانون رقم (30) لسنة 2018، الذي أعاد تشكيل مجلس إدارة الصندوق بحيث يكون وكيل وزارة المالية رئيسا لمجلس الإدارة، وعزز القرار بقانون الدور الحكومي بممثل ثاني من كبار موظفي وزارة المالية، وللتقليل من تضارب المصالح حصر تمثيل اتحاد شركات التأمين بأمينه العام.

صندوق تعويض مصابي حوادث الطرق

يقول وضاح الخطيب إن هذا القرار بقانون لم يرق لجهتين رئيسيتين وهما هيئة سوق رأس المال، وبعض شركات التأمين. التي سعت في حينه لإلغائه. وخاطبت هيئة سوق رأس المال وبعض شركات التأمين رئيس الوزراء السابق رامي الحمد الله، طالبة منه إعادة تعديل ذات المواد بقانون التأمين مرة ثانية.

وفق الوثيقة التي اطلعت عليها "الحدث"؛ طلبت هيئة سوق رأس المال أن تصبح هي المشرف والمراقب على أعمال الصندوق، وتحديد مدة عمل مدير عام الصندوق، واعتبار أموال الصندوق أموالا عامة، وإضافة عضو من وزارة الاقتصاد بدلاً عن موظف الفئة العليا من وزارة المالية، وأن يتم إضافة خبير تأمين معين من قبل الهيئة.

صندوق تعويض مصابي حوادث الطرق

وأكد الخطيب أن "في هذا المقترح مغالطات ومخالفات قانونية، تتعارض مع القانون الأساسي ومع قانون هيئة سوق رأس المال وعدة قوانين أخرى منها قانون التأمين وقانون العمل، وبعيدة عن مبادئ الشفافية والنزاهة". واستطرد، أنه من غير المعقول أن تصبح مؤسسات مستقلة لها نفس الأهلية القانونية لإدارة أعمالها واحدة منها تشرف وتراقب على الأخرى، وأصبح من حق الهيئة أن تفرض العقوبات على الصندوق استنادا لنصوص قانون التأمين وتشريعاته الثانوية، وتم هذا التعديل وصدر قرار بقانون جديد دون دراسة متعمقة وبرفض رئيس مجلس الوزراء السابق الآراء القانونية والمهنية وإصراره على تلبية رغبة جهات لها مصالح بإضعاف الصندوق وإنهاء عمل مديره، وأدى ذلك لأضرار لحقت وستلحق بالصندوق وعمله وبالإطار القانوني الناظم وأضرت بشفافية عمل الهيئة وخلق القرار بقانون واقعا أليما على عدة أصعدة.

الأمانة العامة لمجلس الوزراء وفق وثيقة اطلعت عليها "الحدث"، أبلغت رئيس الوزراء أن التعديل المقترح من هيئة سوق رأس المال يتعلق بتعديل صدر قبل شهرين، وأن كثرة التعديلات في فترة زمنية متقاربة تؤدي إلى عدم استقرار مراكز العمل القانونية وزعزعة عمل الصندوق، وخاصة مع انتفاء حالة الضرورة التي تشترطها المادة (43) من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003، لتعديل القانون، والتعارض مع أصول الصياغة التشريعية.

صندوق تعويض مصابي حوادث الطرق

وجاء رد رئيس الوزراء السابق على الأمين العام، بطلب عرض مقترح القانون وبشكل عاجل وفي الحد الأدنى بأن يتم تعديل المادة المتعلقة بعضوية مجلس الإدارة، تماشيا مع مقترح هيئة سوق رأس المال.

وفي ذات السياق، أرسل ديوان الرقابة المالية والإدارية كتابا لرئيس الوزراء السابق يدعم توجه رئيس هيئة سوق رأس المال، ويؤيد كل ما ورد في مطالبتهم بالتعديل وتضمن كتاب رئيس الديوان بحسب الخطيب عددا من المغالطات.

صندوق تعويض مصابي حوادث الطرق

وهنا يرى الخطيب وهو المدير العام السابق لصندوق تعويض مصابي حوادث الطرق، أن ما حدث بالخصوص يشوبه خلل وعيب كبير يستوجب التحقيق، ولا يجوز المرور على هذه الأحداث لأنها تكرس نهجا يضر بالعمل العام ويضر باستقرار وسلامة عمل المؤسسات العامة.

تعذر التواصل مع رئيس الوزراء السابق

يقول وضاح الخطيب إنه حاول التواصل مع رئيس الوزراء السابق رامي الحمد الله ولكن دون جدوى، حيث تجنب الأخير ذلك.

وأكد الخطيب، أنه وبعد تقديم الهيئة لمقترحها تعديل القانون بما يخص الإطار القانوني الناظم لعمل الصندوق ودون التشاور ولا التنسيق مع الصندوق صاحب الشأن؛ خاطب رئيس الوزراء السابق بشكل رسمي منبها بأن المقترح به أخطاء ومخالفات قانونية.

وأضاف، أن الأمانة العامة في مجلس الوزراء السابق طلبت منه توضيح الأخطاء، فقام بالرد على مخاطبة الأمانة العامة بكتاب للأمين العام، تضمن شرحا مفصلا  لعدد من المخالفات القانونية والمغالطات في المقترح المقدم من هيئة سوق رأس المال، وأرسلت الأمانة العامة التوضيح لرئيس الوزراء في حينه.

صندوق تعويض مصابي حوادث الطرق

يقول الخطيب إنه بالرغم من ذلك قام الأمين العام في مجلس الوزراء السابق بعرض كامل مقترح هيئة سوق رأس المال (عدا بند اعتبار أموال الصندوق أموالا عامة) على مجلس الوزراء بتاريخ 27 تشرين الثاني 2018، الذي أقر المقترح وتم تنسيبه إلى الرئيس لإصدار القرار بقانون.

وأضاف أنه نتيجة إصرار رئيس الوزراء على موقفه؛ قام بمخاطبة سيادة الرئيس لوضعه في صورة المخالفات، ونتيجة هذا تأخر التوقيع على القرار.

صندوق تعويض مصابي حوادث الطرق

ويرى الخطيب أن مراسلته للرئيس بشكل مباشر، أثارت حفيظة رئيس الوزراء السابق، ورئيس هيئة سوق رأس المال، وواصلوا المتابعة بشكل حثيث رغم تأشيرة سيادة الرئيس لرئيس الوزراء بالخصوص، حيث صدر قرار بقانون بالتعديل الجديد بتاريخ 20 كانون أول 2018.

صندوق تعويض مصابي حوادث الطرق

أسباب الاعتراض على التعديل

وحول أسباب اعتراض وضاح الخطيب على التعديلات التي تم اقتراحها من قبل هيئة سوق رأس المال وتم الأخذ بها لاحقاً وصدرت بقرار بقانون رقم (41) لسنة 2018؛ يقول إن التعديل المقترح يخرج المدير العام من مجلس الإدارة، وهو العضو الفني المختص مهنيا في مجلس الإدارة المكون من خمسة أعضاء، وأن تحديد مدة عمل المدير العام بثلاث سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة؛ يضعف الاستقرار في الصندوق، ويخالف قانون العمل الذي ينص على أنه إذا مضى عليك في المؤسسة أكثر من 24 شهراً يصبح عقد العمل غير محدد المدة. وكذلك يخالف عقد عمل مدير عام الصندوق المبرم معه استنادا لقرار مجلس إدارة سابق وفقا للأصول المهنية السليمة.

وأضاف، أن المقترح طالب بوجود ممثل عن وزارة الاقتصاد، بالرغم من عدم وجود أي علاقة أو تقاطع بين وزارة الاقتصاد والصندوق.

والبنود غاية الأهمية حسب الخطيب؛ بأن قانون هيئة سوق رأس المال، لم يعط صلاحية للهيئة للإشراف والرقابة على صندوق تعويض مصابي حوادث الطرق، ولم يعط مجلس إدارة الهيئة صلاحية إصدار تعليمات متعلقة في عمل الصندوق، وبموجب التعديل تساوى تعريف استقلالية الصندوق والهيئة، لذلك كيف لهيئة مستقلة أن تشرف وتراقب على أعمال هيئة مستقلة أخرى أعطاها القانون الأهلية الكاملة لإدارة أعمالها!.

وكان المشرع وفق قد حظر على العاملين في هيئة سوق رأس المال العمل بأية صفة مع أية جهات خاضعة لرقابتها، وبموجب القرار بقانون الجديد أصبح مدير عام الرقابة على التأمين (موظف هيئة) عضوا في مجلس إدارة الصندوق الذي هو أصبح تحت إشراف الهيئة، وهذا العضو تم انتخابه لاحقاً نائباً للرئيس، وله إشراف وسيطرة استثمارية ومالية وإدارية على الصندوق بما يخالف صراحة نصوص قانون الهيئة.

وبموجب التعديل أيضا أصبح من صلاحية الهيئة إيقاع عقوبات على الصندوق بما ينافي المنطق ويضعف الصندوق.

ولكن.. لماذا تم الإصرار على التعديل المقترح؟

يرى الخطيب أنه تم شخصنة القضية من قبل هيئة سوق رأس المال وبعض شركات التأمين؛ لأن الصندوق تسبب لهم بالأذى حسب رأيهم، وأن كل هذا تم من أجل السيطرة على الصندوق من قبل بعض شركات التأمين.

وأشار إلى أن من يتحمل المسؤولية عن التعديل هو رئيس الوزراء السابق؛ لأن الهيئة طلبت التعديل، ولكن هو من قرر التعديل وأصر على عرض المقترح على مجلس الوزراء والتنسيب لسيادة الرئيس، والمتابعة الحثيثة مع مؤسسة الرئاسة لإصداره والعمل بموجبه.

وحول رده على سبب إصرار د. رامي الحمد الله على التعديل، رغم المخالفات القانونية والأضرار التي تتحدث عنها؟ أجاب "لا أعرف ما هي مصلحته، ولكن ما تم يشوبه عيب الفساد من ناحية من قدم الاقتراح، ومن أصر جاهدا على إنجازه".

الكرة تتدحرج حتى إقالة وضاح الخطيب

التعديل الجديد أضاف لعضوية مجلس إدارة الصندوق خبير تأمين تعينه هيئة سوق رأس المال، وقامت الهيئة بتسمية شخص بصفة خبير تأمين وقد توجه الخطيب لمحكمة العدل العليا للطعن بالقرار، حيث لا يجوز تعيين شخص ليس بخبير في التأمين، لأن الأصل أن يأتي هذا الشخص للمساعدة في أعمال الصندوق، وأن تنطبق عليه صفة خبير التأمين، وهذا الطعن ما زال منظورا أمام محكمة العدل العليا.

وقال الخطيب "أنا اعترضت بداية على قرار الهيئة، ولما أصرت الهيئة على قرارها المخالف لنص القانون، حيث هناك تعليمات تحدد من هو خبير التأمين، ولا تنطبق لا من قريب ولا من بعيد على الخبير المعين". لذا توجهت وأنا على رأس عملي لمحكمة العدل العليا طاعنا بالقرار، وهو ما أثار حفيظة مجلس إدارة الصندوق.

ويرى وضاح الخطيب أن كل ما جرى من مطالبة بتعديل للقانون تم من إجل إزاحته من المنصب، لأن هناك قوى متنفذة في بعض شركات التأمين وفي هيئة سوق رأس المال اعتبرت وجوده مزعجاً لها، لأنه يُظهر قصور أداء البعض، ويلاحق بإصرار الشركات المحتجزة لأموال الصندوق.

وأفاد الخطيب بأن مجلس إدارة الصندوق الجديد كان شغله الشاغل تفسير وتطبيق المادة رقم (4) من القرار بقانون رقم (41) لسنة 2018، حيث توجه مجلس الإدارة باستشارات إلى الأمانة العامة في مجلس الوزراء وغيرها لتفسير المادة بالرغم أن الأمانة العامة جهة غير مخولة بالتفسير، ولكن نصبت نفسها مخولة للتفسير، وكذلك للأسف الجهات الأخرى التي طلب المجلس منها التفسير وهي غير مخوله قانونا بذلك ولكنها تجاوزت عن وعي وإدراك ما نص عليه القانون من أن صلاحية تفسير التشريعات محددة حصرا بالمحكمة الدستورية فقط.

وحصلت "الحدث" على وثيقة تثبت توجيه وكيل وزارة المالية رئيس مجلس إدارة صندوق تعويض مصابي الحوادث فريد غنام رسالة إلى صلاح عليان الأمين السابق لمجلس الوزراء يطلب فيها تفسير المادة.

صندوق تعويض مصابي حوادث الطرق

وورد في الوثيقة أن مدير الصندوق وضاح الخطيب تم التعاقد معه منذ حوالي 7 سنوات، إلا أن الحقيقة أنه عين عام 2014 أي قبل 5 سنوات، وفيها محاولة لإظهار تجاوزه المدة القانونية، وفق التعديل الجديد للقانون.

ويرى الخطيب أن "عيبا وخللا"  شاب هذا التوجه لأنه موجه إلى جهة غير مخولة بالتفسير وهي بالمقابل نصبت نفسها مفسرا للتشريع، وأعطت رأيها القانوني بإنهاء عقد عمل المدير العام.

نتيجة لذلك استند مجلس إدارة الصندوق على تفسير الأمانة العامة وديوان الفتوى والتشريع ووجه إلى وضاح الخطيب كتاب إنهاء عقد عمل بتاريخ 11 نيسان 2019.

صندوق تعويض مصابي حوادث الطرق

صدر القرار بالرغم من أن القانون الأساسي (المادة 103) وقانون المحكمة الدستورية ( المادة 24) قد حصرا حق تفسير القوانين والتشريعات بالمحكمة الدستورية فقط. وحسب الخطيب "للأسف رفض مجلس إدارة الصندوق مقترح التوجه للمحكمة الدستورية للتفسير تهربا من الاستحقاق القانوني". مشيرا إلى أن القرار بقانون الذي أصبح نافذا من 20/12/2018 تضمن مادة "يصدر مجلس الوزراء نظاما يحدد مهام مجلس الإدارة وآليات عمله وتنظيم اجتماعاته". وهو لم يصدر لتاريخه ولم تصدر الأنظمة المالية والإدارية أيضا، واعتبر المجلس أن الاستحقاق الوحيد هو إنهاء عقد عمل المدير العام، فكما يبدوا جليا كان هو الهدف الرئيس للتعديل.

صندوق تعويض مصابي حوادث الطرقصندوق تعويض مصابي حوادث الطرق

لماذا تم العمل على إقالة وضاح الخطيب؟

بالإجابة على هذا التساؤل، يقول الخطيب إنه عندما تسلم العمل عام 2014 كانت المبالغ المحتجزة من بعض شركات التأمين لصالح الصندوق حوالي 56 مليون شيقل، وتقوم الشركات بتشغيلها واستثمارها وتحقيق عوائد وأرباح بغير وجه حق.

واستدرك الخطيب أنه عمل منذ اليوم الأول على استرداد هذه الأموال، وهو ما أثار حفيظة بعض شركات التأمين، وحفيظة رئاسة مجلس إدارة هيئة سوق رأس المال، والنتيجة كانت أن الذمة المالية على شركات التأمين الآن انخفضت إلى حوالي 19 مليون شيقل، محصورة في شركتي تأمين أساسا ومتابعة لدى القضاء.

وتابع الخطيب أن الصندوق كان يعاني من عجز مالي كبير بعشرات ملايين الشواقل قبل عام 2014، وحسب البيانات المالية كما في 30 حزيران 2018 أظهرت إنهاء العجز، وتحقيق وفر تنامى حتى نهاية العام 2018.

وأردف، أن الصندوق خلال هذه الفترة (2014-2019) أنجز شراء مقر جديد، وارتفعت قيمة المدفوعات والتعويضات للمصابين بالحوادث. وتم تسكير العجز المالي وتحقيق وفر يعزز حماية الخزينة العامة.

وأضاف أنه اصبح للصندوق شبكة علاقات واسعة محلية وعربية، وساهم في التوعية والتعريف بحقوق المؤمن عليهم، وبالتعريف بدور الصندوق، وفي منع المتكسبين منه، واستثمر موجودات الصندوق المالية في البنوك وحقق منها عوائد أرباح صرفت على الصندوق طوال خمس سنوات، دون المساس بأصل رأس المال المخصص للتعويضات، مما عزز وضع الصندوق وحمى الخزينة العامة، ما لم يرق للبعض.

وأكد أن كل ما قام به الصندوق خلال هذه الخمس سنوات هو وقف التجاوزات والخلل في الأداء. هذا النجاح وفق ما يرى الخطيب، جعل المتكسبين من الصندوق إن كانت بعض شركات تأمين وغيرهم؛ خصوماً للصندوق، وتقف هيئة سوق رأس المال طوال الوقت إلى جانبهم، ولم تقدم المطلوب منها وفق القانون للحفاظ على مستحقات الصندوق واستقلاليته وسلامة عمله.

الصندوق تحت إدارة شركات التأمين

يدعي الخطيب أن ما سعت إليه بعض شركات التأمين بمساعدة من هيئة سوق رأس المال منذ البداية، تم الوصول إليه في تعديل القانون الأخير؛ بإنهاء عقد المدير العام والسيطرة والإشراف على الصندوق من اتحاد شركات التأمين والهيئة.

ووفق وثيقة حصلت عليها "الحدث"، قام مجلس إدارة الصندوق بتشكيل لجنة لتسيير أعمال الصندوق تتألف من عضوية ثلاثة أشخاص، بإشراف أمين عام اتحاد شركات التأمين.

صندوق تعويض مصابي حوادث الطرق

وأكد الخطيب أن الصندوق الآن يدار بشكل مباشر من اتحاد شركات التأمين.

وحول مصلحة بعض شركات التأمين في إدارة الصندوق؛ يجيب الخطيب أنه يحقق لها السيطرة من ناحية مادية؛ حيث يدفع كل مواطن بموجب القانون حصة معينة بموجب نظام صادر عن مجلس الوزراء للصندوق من خلال شركات التأمين، وهو رقم محدد يدفع حسب حجم محرك المركبة.

ووفق القانون، إذا تخلفت أي شركة من شركات التأمين عن سداد المستحقات للصندوق في الموعد المحدد، على الهيئة فرض غرامة تأخير على شركة التأمين المتخلفة عن الدفع لصالح الصندوق. كما يحق لها اتخاذ إجراءات عقابية أخرى استنادا لنصوص القانون عند امتناع شركة تأمين عن تنفيذ مواد القانون أو الأنظمة والتعليمات والقرارات والأوامر الصادرة عن الهيئة بالخصوص.

ولكن بعض شركات التأمين لم تلتزم، والهيئة لم تتخذ إجراءات بحق تلك الشركات استنادا لمهامها المحددة في القانون والواجبة التطبيق، وفق ما ذكر الخطيب، وبالتالي فإن السيطرة المالية لبعض شركات التأمين على الصندوق تعتبر أمراً أساسياً لها، يساعد على التنصل من الدفع.

الأمر الثاني وفق الخطيب، أنه في بعض القضايا تحاول بعض شركات التأمين التملص من المسؤولية المطلوبة منها بموجب القانون عن حادث معين وإحالتها للصندوق، وهو ما كان يجري قبل عام 2014، حيث كان الصندوق متساهلاً جداً، أما بعد ذلك فالصندوق أخذ موقفا متشددا وبات يدافع بالقانون ومن خلال المحاكم حتى آخر رمق، بحال أن المسؤولية عن الحادث لا تقع عليه. إلا أن بعض شركات التأمين تريد أن تعيد الوضع  إلى ما كان عليه قبل عام 2014 بحيث تحيل الكثير من الملفات رضائياً وبالمحكمة على الصندوق لدفع التعويضات.

في المحصلة قال الخطيب، إن تولي اتحاد شركات التأمين إدارة صندوق تعويض مصابي حوادث الطرق يتيح لهم حرية الوصول إلى وثائق الصندوق والإفادات المتعلقة بالحوادث، وهو ما يضر بمصالح الصندوق ويتعارض مع سرية المعلومات ويعرض الصندوق لمخاطر إدارية ومالية ويعرض الخزينة العامة لمخاطر مالية ويجسد تضارب المصالح. وفي كثير من الحالات يتوجه المتضرر للمحكمة ضد شركة التأمين والصندوق بذات الوقت تاركا للقاضي إقرار حقه لدى أي من الجهتين، كما في كثير من القضايا تطلب شركة التأمين من القاضي إدخال الصندوق كمدعى عليه، وبالتالي فإن إشراف الاتحاد و/أو ممثله على الصندوق ووثائقه يجسد تضارب مصالح وخطرا مباشرا على الصندوق.

وختم قائلا، إن ما حدث ويحدث بحق الصندوق الفلسطيني لتعويض مصابي حوادث الطرق هو مجزرة  بذرائع غير قانونية أدت لسطوة جهات خالفت دوما رؤية الصندوق وأهدافه الرئيسة التي تأسس من أجلها. متسائلا، هل يعقل أن يتم تعديل نفس الفصل من قانون التأمين مرتين خلال شهرين بهدف تلبية مصالح البعض ضاربين بعرض الحائط الاستقرار التشريعي والمصلحة العامة.