الحدث ـ محمد بدر
تقول عالمة الاجتماع كريستين بيرنولي إن الفلسطيني متحضر لدرجة أنه لا يحكم عليك من خلال دينك أو لغتك أو لون بشرتك أو جنسك، لكنه قادر على أن يميز في أي المعسكرين تقف، في معسكر يبرر الاحتلال ويساهم في بقائه، أم في معسكر يتعاطف مع المطالب والحقوق الفلسطينية المشروعة. استنتاجات العالمة الغربية كانت حصيلة سنة من مشاركتها للفلسطينيين حياتهم في أحد مخيمات قطاع غزة.
من هذا المدخل والمعيار يمكن الحكم على العرب الذي يصطفون في ورشة البحرين الاقتصادية أو ما أطلق عليها الأمريكيون بالمرحلة الأولى من "صفقة القرن"، الذين يشاركوننا لون البشرة واللغة ونسمى جميعا "عرب"، ولكن في هذا المقام بالذات، تدرأ الأفعال الكلمات، ويقف العربي محملا بشعارات إنسانية لتمرير مشروع خطير يستهدف القضاء على الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية من بينها حق العودة وإقامة الدولة وتقرير المصير، فلا فرق هناك بين مردخاي وأشرف وجاريد، كلهم جاؤوا لنفس الهدف أو جيء بهم.
على بعد كيلومترات قليلة من الورشة، هناك حرب اقتصادية تقودها الولايات المتحدة على إيران من أجل الحصول على مواقف سياسية هزيلة تتعلق بقضايا تمس السيادة الإيرانية كمنظومات الدفاع والهجوم المرتبطة بالمؤسسة العسكرية السيادية. في قلب الورشة لا يختلف التفسير كثيرا، فخطاب الازدهار الاقتصادي والمنح والعطاءات محمل بمصطلحات التهديد مسبوق بإجراءات معادية بدأت بوقف المساعدات واقتطاع أموال المقاصة وتقليص ميزانية الأونروا، ومن الخطأ حتى أن نسميه "السلام الاقتصادي" لأنه مدجج بالعنف وتشريعه. ويمكن الاستنتاج، أن هذه الإدارة الأمريكية تدير حروبا اقتصادية بدءا من الصين إلى فلسطين وفي مناطق مختلفة من العالم لبناء نظام عالمي وشرق أوسط جديدين.
في الشرق الأوسط الجديد، يجلس مراسل القناة العاشرة العبرية في أحد أفخم الفنادق البحرينية ويكتب ساخرا: إن للنبيذ اللبناني مذاقا مختلفا. على بعد عدة أمتار من المراسل الإسرائيلي، يقف رجل أعمال إماراتي يدعى محمد العبار ويقول إنه يمثل مصالح الفلسطينيين في هذه الورشة. يستمع الكابتن "أيوب" ضابط المخابرات الإسرائيلي الشهير لكلام العبار بكل إصغاء. هذه المرة، يجلس الكابتن "أيوب" على مقعد عربي باسمه العبري، يوآف مردخاي، رجل أعمال مشارك في ورشة اقتصادية. لا يلتقي "الكابتن أيوب" في البحرين عملاء في الخفاء وتحت جنح السرية، بل زعماء أو وكلاء زعماء بالعلن.
العبار قال إن الشعب الفلسطيني شعبنا وأنا أمثله اليوم، وينطلق مستطردا في حديثه عن رؤية جديدة لشرق أوسط جديد مزدهر نابض بالحياة، مؤكدا على أن رأس المال يستطيع أن يحول الضفة الغربية وقطاع غزة لمكان مزدهر ويعد باقتصاد يبني الأمل في الشعب الفلسطيني. قد يُخيل للمستمع أن فلسطين كانت دائما في محور اهتمام رجل الأعمال الإماراتي، وأنها قضية مركزية بالنسبة له مع اختلاف الرؤى حول طريقة حلها. لكن، وبالنظر لسجل مقابلاته وخطاباته، نجد أنه قبل أشهر فقط، أجرى مقابلة صحفية مع قناة سي إن بي سي عن الشرق الأوسط، ذكر فيها كافة القضايا الشائكة التي يتمنى أن تحل في هذا الشرق إلا فلسطين، لم يتعرض لها حتى بالذكر.
قد يكون غاب عن ذهن العبار أنه في العرف السياسي، حتى يكون ممثلا لمصالح طرف ما؛ يجب أن يكون مكلفا من قبله، أما هو وقد كلف نفسه بنفسه وادعى التمثيل، فإنه بذلك تجاوز الأعراف والأخلاق السياسية واغتصب حق شعب بالتعبير عن ذاته. وقد يكون غاب عن عينيه كذلك، مشهد آلاف الفلسطينيين الذين خرجوا رفضا للورشة الاقتصادية ومخرجاتها.