ظل الأسير وليد دقة المحكوم بالسجن المؤبد ينادي على والدته 45 دقيقة من خلف الزجاج العازل في غرفة الزيارة دون أي تفاعل منها، قبل أن ينهي السجان هذا اللقاء ويعود به إلى زنزانته في سجن هداريم الإسرائيلي.
"أبو ميلاد" كما يحب أن ينادي عليه رفاقه في الأسر، من أقدم الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وقد مضى على اعتقاله 34 عاماً.
عام 2013 كانت المرة الأخيرة التي زارته والدته فريدة دقة "أم حسني" في السجن، وقد أثقلها التعب والمرض وفقدان الذاكرة، والتنقل بين معتقلات الاحتلال بانتظار الإفراج عنه.
وبالرغم من إصابتها هذه الأيام بالزهايمر، إلا أن شوق وليد للقائها بعد غياب دام لست سنوات، ونقله تعسفياً إلى سجن هداريم القريب من بلدته باقة الغربية في الداخل المحتل، دفعه لخوض مغامرة صعبة وطلب زيارتها.
أمس الثلاثاء، توجهت "أم حسني" على كرسيها المتحرك وبمساعدة ابنها لزيارة وليد في السجن، وكغيرها من عائلات الأسرى وقع عليها ظلم الانتظار في الحر الشديد، وإجراءات الاحتلال الأمنية المعقدة خلال الزيارات.
وتقول سناء سلامة زوجة الأسير وليد دقة، إن لقاء وليد بوالدته بعد ست سنوات من الغياب كان لقاء صعبا للغاية.
وتؤكد سلامة، أن وليد ظل متماسكاً أمام السجانين، بعد أن شاهد عجز والدته، وعدم معرفتها به، وقد تجاوزت من العمر ثمانين عاماً.
"لم يكن لديها أي استجابة ولم تعرف وليد، وفقط نظرت إليه في فضاء عام، وطلبنا منها مراراً أن تقول له أي كلمة دون جدوى.. الأمر كان صعباً ومأساويا" وفق ما ذكرت سلامة لـ"الحدث".
وتتابع "وليد حاول التحدث إليها عبر سماعة هاتف الزيارة، وأشار إليها مراراً من خلف الزجاج ولكن دون جدوى".
زوجة وليد دقة سناء سلامة ووالدته
وتؤكد سلامة، أن إدارة السجن رفضت السماح لوليد بأخذ صورة تذكارية مع والدته، بالرغم من السماح لباقي الأسرى بأخذ الصور مع عائلاتهم.
لم يقتصر الأمر على ذلك بل منعه الاحتلال من لمسها ومعانقتها.
وترى سلامة، أن هذه الإجراءات سياسة انتقام ينفذها الاحتلال بحق الأسير وليد دقة، الذي لم يستقر في سجن واحد سوى بضعة أشهر منذ ثلاث سنوات.
مضت فترة الزيارة التي حددها الاحتلال بـ 45 دقيقة، وقبل أن تغادر والدته السجن، قال لها وليد بأن تنتظره حتى يخرج من السجن.
وليد الذي تماسك أمام السجان، لابد أنه عاد إلى سجنه مساء الأمس لتحميض فيلم الزيارة، وهي عملية يقوم بها الأسرى لاسترجاع أدق تفاصيل الزيارة خلال الخلوة مع أنفسهم.
"أمير الثقافة والإبداع" ، هكذا يطلق عليه زملاؤه في الأسر، فهو مثقف نادر ليس في الأسر وحده بل خارجه، على حد قول من خالطوه داخل الزنازنة وتحرروا، أو زاروه في سجنه.
ووليد يحكي حكاية الأسر بكل أفعاله، وبخصوصيات الأسر الذي لم يفت في عضده، لأنه ظل متمسكاً بإرادة البقاء في الزمنين، الزمن المتزامن مع حياتنا نحن خارج الزنازين و"الزمن الموازي" التسمية التي أطلقها وليد دقة على حركة الزمن داخل الأسر.
الأسر لم يمنع وليد دقة من إكمال دراسته الجامعية، حتى حصوله على لقب الماجستير في العلوم السياسية، وهو يجسد معاناة خاصة لأسرى الداخل، ما قبل أوسلو. ولدقة أشكال كتابية عدة تتنقل بين الأدب والفكر كان آخرها إطلاقه لكتابه الموجه لليافعين "حكاية سير الزيت".
يشار إلى أن وليد دقة هو من مواليد باقة الغربية في فلسطين التاريخية، دخل سجون الاحتلال بعد إدانته بأنه عضو في خلية فلسطينية اختطفت وقتلت جندياً إسرائيلياً في عام 1984.
من أمسية إطلاق رواية سر الزيت في رام الله