الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

راديو المنسق معكم على السمع.. لماذا لا تخاطب الحكومة الفلسطينية "فيسبوك" لإغلاق صفحات الاحتلال؟

2019-06-30 12:28:37 PM
راديو المنسق معكم على السمع.. لماذا لا تخاطب الحكومة الفلسطينية
الاعلام الرقمي الإسرائيلي يغزو المجتمع الفلسطيني

الحدث- رولا حسنين

يتعمد الاحتلال خلق حالة انفتاح على المجتمع الفلسطيني بشتى الطرق، وشهدت السنوات القليلة الماضية انتشار صفحات على مواقع التواصل الإجتماعي تحمل عدة أسماء، أبرزها صفحة "المنسق" وهو منسق حكومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية يؤاف مردخاي، و"أفخاي أدرعي" الناطق باسم جيش الاحتلال، والتي تلقى متابعة مستمرة ومرتفعة من قبل الجمهور الفلسطيني على اعتباره المتلقي كونها تتحدث عن قضايا تجول في خاطر الفلسطيني وباللغة العربية. حتى برز في الأسابيع الماضية "راديو المنسق" للعمل ضمن المنظومة ذاتها ولكن بطريقة سمعية، وهذا ما يؤكد أن وحدة "نيو ميديا" التي أنشأها مردخاي عام 2016 متواصلة العمل بشكل متسارع.

ومن أهم ما تطرحه هذه الصفحات، حالة الطرق والمعابر، وادعاء الاحتفاء بمناسبات دينية  تخص الفلسطينيين كشهر رمضان والأعياد للمسلمين والمسيحين، فيما يمكن رؤيته على أنه "حالة تعايش"، وكذلك توجيه العقل الفلسطيني للاعتقاد بأهمية التزام ما يسميه الاحتلال "الهدوء" وعدم التفكير بتنفيذ عمل فدائي يفرض عقبه الاحتلال سياسة عقاب جماعي تشمل اغلاق الطرق وحصار مناطق فلسطينية، وهدم منازل وحملات اعتقال وسحب "تصاريح العمل".

وعلى اعتبار أن الإعلام ميدان هام في توجيه الرأي العام خاصة في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، والذي يمكن توظيفه لخدمة طرح بروباغندا ما، تصل الى أكبر جمهور ممكن، لم يقف الاعلام الفلسطيني متفرجاً أمام حالة التغول الإسرائيلي على طرح رواية الضحية وأصحاب الحق وشيطنة الفلسطينيين عبر الإعلام، إنما حاول ما استطاع على تفنيد هذه الرواية، ولكن الفرق الشاسع في الامكانيات تحدّ من قوة الطرح الفلسطيني كصراع اعلامي مع الاحتلال، عدا عن قصور الاعلام الفلسطيني على تفنيد الرواية الإسرائيلية حتى بات وكأنه أسير هذه الرواية، قائم على تفنيدها فقط، غير قابل لطرح رواية قوية رغم قوة حقه.

ومن منظور آخر، نرى أن جيش كامل من الإعلاميين والصحفيين يعملون في خدمة روايتهم الإسرائيلية عبر انتشار هذه المواقع الإعلامية الرقمية بشكل متسارع، ما يعني أن الاحتلال لا يحاربنا بالاستعمار السياسي والاستيطاني القائم على مصادرة الأرض، وتنفيذ أشبه ما يكون أقرب الى حالة تطهير عرقي، ونفي عن الأرض فحسب، إنما يحاربنا بالثقافة والاستعمار البصري والسمعي.  ولم يعد دخول الاحتلال الى منازلنا مقتصر على الاقتحامات، إنما عبر هذه الأدوات الاستعمارية أيضاً.

والذي يثير المخاوف، هو تجاوب فلسطينيون بأعداد كبيرة مع هذه الصفحات، وضع الاعجاب لها والتعليق المكثف على المنشورات، وطلب المساعدة من "المنسق" في حالة طرحه قضية "اصدار تصاريح العمل"، على اعتبار أن القضايا الاقتصادية والحصول على طريقة لكسب لقمة العيش من أبرز القضايا التي تشغل بال  الفلسطينيي، وكذلك "إزالة الرفض الأمني" الذي لا يتمّ إلا بإجراء مقابلات شخصية مع المخابرات الإسرائيلية وُثق في كثير منها حالات اسقاط للجيل الصغير. اذاً بات من الممكن أن يشكل هذا الموضوع مدخلًا لبناء "حوار" يستثمر لمصلحة الاحتلال لاحقًا.

وبالتأكيد لا يهدف الاحتلال من وراء هذا الانفتاح الاعلامي الواسع مع الفلسطينيين الى التواصل معهم لأجل التواصل، إنما أيضاً في محاولة واضحة لإيصال رسالة مفادها أن الفلسطيني قادر على متابعة قضاياه السياسية والأمنية والعسكرية مع الاحتلال بشكل مباشر دون الحاجة لوجود السلطة الفلسطينية كسلطة قائمة على إدارة الواقع الفلسطيني وأمور الفلسطينيين عبر ما يسمى "بالارتباط العسكري والمدني، وهيئة الشؤون المدنية"، ما يعني أن الاحتلال قد يؤسس غبر هذه الوسائل الى عودة الحكم العسكري الإسرائيلي الذي سبق وجود السلطة الفلسطينية.  

ولا نغض الطرف عن استخدام صفحات الاحتلال الرقمية، لمحتوى اعلامي فلسطيني طرح قضية ما، حيث يبدأ بالهجوم على الفلسطينيين من خلال استغلال نقاط الضعف فيها، ما يشير الى حالة متابعة كبيرة جداً يقوم بها الجيش الإعلامي الإسرائيلي الرقمي، للإعلام الفلسطيني والقضايا المطروحة فيه، للوقوف على حالة الرد عليها باللغة العربية والفرنسية والروسية والإنجليزية عبر الفيديو والأفلام الوثقائقية القصيرة والنص المكتوب والصور. ولا يمكن اخفاء قضية أن المؤسسة الإعلامية في دولة الاحتلال كلها خاضعة للمؤسسة الأمنية العسكرية، تتماشى معها وتعمل لخدمتها.

وتكمن خطورة هذا الأمر في تغلغل أدوات الاحتلال في كافة مناحي الحياة الاعلامية التي تخاطب الفلسطينيين في بتنوع اختلافاتهم الفكرية والثقافية والعمرية، ما يعني أن الاحتلال يتعمد الوصول الى كل فئات الجمهور الفلسطيني، الأمر الذي من شأنه أن يساهم في تغيير قناعات ومبادئ لدى الفلسطينيين  خاصة وأن هذه الصفحات الموجهة تتناول القضايا الانسانية للفلسطينيين.

وفي زمن الاعلام الرقمي يصعب لجم هذه الحالة خاصة في ظل وجود اطار منظم لعمل الانترنت والمنصات الرقمية في فلسطين، وكذلك في ظل تواطؤ منصات التواصل الاجتماعي مع الاحتلال.

ولفت انتباهنا أنه لم يسبق للحكومة الفلسطينية أن خاطبت الفيسبوك، وطالبته باغلاق صفحات الاحتلال بتهمة التحريض ضد الفلسطينيين، رغم احتوائها على مواد تحريضية عديدة، بينما الحكومة الاسرائيلية دائمة التخاطب مع الفيسبوك، وحدث أن أُغلقت الكثير من الصفحات والحسابات الفلسطينية التي تتناول القضية الفلسطينية والمقاومة.

ويعزى التفاعل الفلسطيني على هذه الصفحات، بعدم وجود ثقافة أمنية كبيرة لديهم، وانعدام الرؤية الوطنية لدى بعضهم خاصة في هذه المرحلةالسياسية، ما يجعلهم يتعاملون بشل عادي وطبيعي مع صفحات الاحتلال مقابل تحصيل مكاسب شخصية.