الحدث- رولا حسنين
لا شك أن الكل الفلسطيني بات على دراية بأن الاحتلال يعمل ضمن ماكينة إعلام موجهة، ناطقة باللغة العربية، يستهدف فيها الفلسطينيين بشكل خاص، والشعوب العربية عموماً، والكثير من الأشخاص "بقصد أو دون قصد، بتبرير أو دون تبرير" يضعون الإعجاب على هذه الصفحات التي تحمل أسماء وأهداف واضحة، وتخدم الاحتلال أولاً وأخيراً.
ولكن اللافت في الأمر؛ الكم الهائل لتعليقات الفلسطينيين التي تتبع المنشورات المدرجة على هذه الصفحات، وفي غالبيتها تكون إما في طور الاستفسارات أو التعليق بالإيجابية! أو تقديم معلومات للاحتلال بصورة مجانية دون وعيٍ مسبق أن مثل هذه المعلومات يقرأها الاحتلال ويقوم بجمعها لتشكيل نمط معيّن من القواعد الأمنية، بالتالي يصبح قادراً على التعامل مع الفلسطينيين وفق منهجية تفكيرهم، وهذا يختلف من منطقة جغرافية إلى أخرى.
وضمن خطوات الاستعمار؛ فإنه من المهم أن يقرأ عقل الشعب المستعمَر لفهمه واستيعابه بقدر ما، واستخدام أدوات الاستعمار المناسبة له، لمواصلة تشتيته وإضعافه، وتنتشر هذه الصفحات الإسرائيلية الموجهة للشعب الفلسطيني والعربي –مع الإشارة إلى أنها ليست الأدوات الإعلامية الأولى التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي باللغة العربية- ولكنها ربما الأولى في هذا الكم من الوصول إلى الكل الفلسطيني، حيث يعتمد الاحتلال على تمويل منشوارته على مواقع التواصل الاجتماعي حتى تصل إلى أعداد ضخمة من مستخدمي هذه المواقع، ولكن الخطر الحقيقي يكمن في تعامل الفلسطينيين مع المنشورات من خلال الرد عليها والتعليقات التي لا تخدم سوى الاحتلال، ومن هنا يبدأ الاحتلال بقراءة الفلسطينيين عقلياً ونفسياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً وفكرياً وأيديولوجياً، لذلك تختلف أدواته الاستعمارية من منطقة إلى أخرى في فلسطين.
في صراع العقول وحرب الأدمغة؛ لا بد أن يفهم الفلسطيني جيداً كيف يتعامل الاحتلال معه وكيف يقرأ العقول من خلال هذه المواقع، لأن أدواته الاستعمارية اليوم قائمة على مدى تقبل الفلسطيني لها كحالة طبيعية يمكن التعايش معها، وماهية الدوافع التي تُبقيه مسيطراً، فيقوم خبراء التكنولوجيا في دولة الاحتلال، بتصنيف التعليقات وفق المنطقة الجغرافية، ووفق الفئة العمرية، وكذلك وفق النوع البشري، في سبيل تحديد الطرق التي يستطيع من خلالها الاحتلال مواصلة إخضاع الفلسطيني لسيطرته، لذلك تختلف الاستراتيجية الترهيبية المتبعة مع كل فئة في التصنيف.
فيقرأ الاحتلال حاجة الشباب الفلسطيني الملحّة لتوفير فرص عمل، فيعلن عن حملات "إزالة المنع الأمني" سواء للحصول على تصاريح أو تمكينهم من السفر، مشترطاً مثول الشخص أمام المخابرات الإسرائيلية، وكأن الاحتلال بات في نظر الفلسطيني أداة نجاة يمكن التعامل معها والوثوق بها، وما يلبث أن يستسهل العقل البشري أي تعامل مع منظمة ما حتى يستسهل التعامل معها في كافة مناحي الحياة، وهنا نصل لمرحلة قبول الفلسطينيين للتعامل مع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وبشكل مباشر.
عدا عن استمرار هذه المنظومة في استطلاع آراء الشعب الفلسطيني بصورة غير مباشرة عن طبيعة المرحلة التي تعيشها المنطقة، وكيف من الممكن أن يتصرف وفق الظروف، والعمل على توجيه الرأي العام نحو رفض العمليات الفدائية على اعتبارها أحد أسباب فرض سياسات العقوبات الجماعية على المنطقة السكنية للمنفذ، ما يدفع البعض لرفضها تساوقاً مع المصالح الشخصية. ناهيك عن التهاني التي تسوقها المنظومة الإعلامية الإسرائيلية الموجهة للفلسطينيين من خلال المناسبات الدينية مع استحضار آيات قرآنية على اعتبار أنهم متسامحون ولديهم درجة قصوى من الاحتواء للآخرين وأن الصراع معهم ليس دينياً أيضاً، عدا عن الطرح السياسي لكثير من القضايا في محاولة لخلق الثقة، خاصة في القضايا التي تتعلق بشخوص الأحزاب السياسية الفلسطينية وذلك لضرب القاعدة الجماهيرية للقيادة الفلسطينية بصورة أكبر مما هي عليه اليوم.
ولاحظتُ في طور إعدادي لهذا التقرير، ومن خلال مراسلتي للكثير من المتابعين لهذه الصفحات، أن بعضهم يتابعونها بغرض فهم الاحتلال أو متابعة حالات الطرق والمعابر التي دائماً ما يحصل عليها تغيير وفق ما يريده الاحتلال، متناسين أن وجود حالة الحواجز هذه بذاتها ظاهرة غير طبيعية، والكثير منهم تفاجأوا بأنهم قد وضعوا إعجاباً مسبقاً لصفحة "المنسق" وهو اسم يطلق على ما يسمى منسق حكومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وكانت غالبية الردود أن ذلك بالخطأ وسارعوا في الحذف، ما يعني أن ضرورية امتلاكنا لمنظومة إعلامية موجهة شعبياً للتركيز على خطورة استهداف الاحتلال لنا تكنولوجياً، أمر مهم جداً، حيث سنلحظ فرقاً شاسعاً في تعامل الشعب الفلسطيني مع مثل هذه الصفحات. ما يعني أنه يقع على عاتقنا أن ننهض بواقعنا الفكري والثقافي والوطني والسياسي والإعلامي الشعبوي لنكوّن صمام أمان أمام كل محاولات الاحتلال في استدراجنا لقبول حالة الاحتلال لنا، وعدم مقاومته.