دعونا في بداية هذا المقال نؤكد على أن ردة فعل الشارع الفلسطيني من أبناء تنظيماته المختلفة كانت مشرفة، وقبل أن يهب أبناء تنظيم حركة حماس الذي ينتمي له السيد حسن يوسف للدفاع عن صورته التي مسها الإعلام الصهيوني للمرة الثانية بشكل مباشر أو غير مباشر؛ تبنى أبناء الحركات الفلسطينية الأخرى شعار "كلنا أولادك"، ما يعني أن الحالة الجمعية الفلسطينية ترفض تشويه المقاوم بأي شكل من الأشكال، وتتمسك عنه وتبحث عنه بينها، مهما اختلفت الأيدلوجيا والفكر والانتماء.
عندما شاهدت الإعلان الخاص بحلقة نجل حسن يوسف، صهيب حسن يوسف، على القناة العبرية، لم يخطر لي ولو للحظة واحدة أن يكون الهدف من المقابلة إظهار صهيب حسن يوسف مرتبطاً مع الاحتلال أو مخابراته، أقصد ما الفائدة من ذلك؟ وإن كان ظني في غير محله، فإن فكرة الظهور على إعلام العدو للحديث عن الوضع الفلسطيني الداخلي بأي شكل من الأشكال هي مسألة غير مقبولة بتاتاً على الصعيد الوطني والأخلاقي، أي أنه لا يوجد ما يبرر التواجد على منابر العدو أو استضافة الأعداء على منابرنا الإعلامية، مهما كان السبب.
بدأ تقرير بن حمو كسائر تقاريره، كاميرا التصوير تتجول في مكان الحدث، تقتطف مقاطع مسرح الحدث حتى لحظة ظهور الحدث، وكان أول ما تقدم به صهيب حسن يوسف هو المعلومة، وهنا من المهم الإشارة إلى أن المعلومة بغض النظر إن كانت صحيحة أم لا (تركيا ليست مركز قيادة الشرق الأوسط التابع لإيران)، فمبدأ تقديم المعلومة قد حصل، بغض النظر عن ارتباط صهيب بالمخابرات الصهيونية أم لا، وبغض النظر عن نواياه. أما ما جاء في باقي المقابلة فهو يندرج تحت تصنيفات أخرى سأتحدث عنها في تتمة المقال.
بعيداً عن الموقف الأخلاقي من الظهور على شاشات العدو والانفتاح عليه في المعلومة، وبعيداً عن محاولات تشويه القيادات الفلسطينية المختلفة، وحتى لا نفقد الموضوعية في التحليل؛ هذا المقال سيتناول بعدين أساسيين، البعد الأول يتحدث عن وجود فكرة "إيهود بن حمو" في الإعلام الصهيوني، والبعد الثاني هو الثغرة التي يتسلل منها بن حمو.
هل فحوى الرسالة التي بثت في الفيديو القصير للإعلان عن الحلقة مجرد محاولة لتشويه السيد حسن يوسف؟ ما الغاية من تشويه الرجل مرتين؟ وهو لم يهادن ولم يستسلم وأمضى 22 عاماً في السجون، وكان قد تعرض مسبقاً لتشويه مماثل بقضية نجله الأكبر؟ التشويق والدراما وغيرها، والانتقال بين مقاطع الإعلان المصورة جميعها؛ تحاول إرسال رسالة واضحة تخفي تحتها عناوين فرعية متعددة، وهي "شيطنة التنظيم الفلسطيني"، وسواءً اتفقنا مع حركة حماس أيدلوجياً أم اختلفنا، فإن الفكرة هي شيطنة خطاب المقاومة.
إيهود بن حمو صحفي صهيوني يغطي شؤون الضفة الغربية وقطاع غزة والمستوطنات، يقطن في "تل أبيب"، وحاصل على درجتي العلوم السياسية ودراسات الشرق الأوسط. عمل على تقارير صحفية عديدة بين الفلسطينيين وفي ساحاتهم ومجتمعاتهم، وبالرغم من أنه من المفترض أن يكون جمهور هذا الصحفي هم الصهاينة بالدرجة الأولى؛ إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي كشفت أن جمهوره من المستعمَرين الفلسطينيين وأن لهم حصة كبيرة في المشاهدة.
يحاول إيهود بن حمو أن يصيغ وعياً جديداً في عقول الفلسطينيين، خصوصاً الجيل الجديد من الفلسطينيين الذي لم يعش أو يشاهد الانتفاضة الفلسطينية الثانية "انتفاضة الأقصى" والجيل الذي عاصر هذه الانتفاضة في فترة شبابه. ويعمل بن حمو جاهداً على أن يخلق حالة من الوعي الممزوج بالهزيمة بين صفوف الفلسطينيين، من خلال شيطنة المقاوم الفلسطيني أو من خلال إظهاره على أنه ضعيف الانتماء، وهو أمر واضح في تقارير بن حمو العديدة التي نشرت سابقاً.
يفشل بن حمو في كل مرة يحاول فيها جرّ الوعي الفلسطيني لمربعه، ليجده في مربع آخر، وهذا يعود لسببين: بن حمو لا يفهم تماماً الهوية الجمعية الفلسطينية، لن يدركها ولن يستطيع؛ فمنطق تشكيل هذه الهوية غير مستقر، الشعب ما زال تحت الاستعمار ولن تشكل التناقضات الاجتماعية والطبقية والحزبية السلطوية حالة ثابتة لتشكيل هوية جمعية واضحة أو ضمير جمعي واضح. والسبب الآخر هو أن الجمهور الفلسطيني لا يرى رسائل بن حمو من منظوره كصحفي، بل يراها بمنظوره الفلسطيني الخاص، لذا يصعب على بن حمو أن يتلاعب بعقولهم، هو يرسل لهم ما يريد ويتلقونه، لكن الفهم مختلف.
في مقابلة بن حمو مع زكريا الزبيدي التي نشرت منذ مدة، والذي كان مطارداً لنشاطه مع "كتائب شهداء الأقصى" الذراع العسكري لحركة فتح، وصدر بحقه عفو مع مجموعة من المطاردين عقب العام 2007، وأعيد اعتقاله مؤخراً؛ سأل بن حمو الأسير الزبيدي عدة أسئلة، واحدة من منها كانت: ما الأهم، اللابتوب أم السلاح؟ الأسير الزبيدي يدرك تماماً ما هي غاية بن حمو، إلى أين يريد الوصول، لكن الصدمة الحقيقية على وجه بن حمو كانت حينما أكد له زكريا أن "لا سلام بيننا، وأنا لن أقبل إلا بالعودة إلى بلادي التي هجرت منها".
تواجد بن حمو بين المسلحين في المخيمات الفلسطينية ولحظات اشتباكهم مع قوات الأمن التابعة للسلطة، وتواجد أيضا مع الأسرى الذين خرجوا من سجون الاحتلال وكانت قضاياهم تنفيذ عمليات استشهادية باءت بالفشل وهم أطفال، والعديد العديد من المواضيع التي حاول أن يتناولها من أجل صياغة وعي جديد مصهور لدى الجيل الفلسطيني الجديد، إلا أنه يفشل في كل مرة.
نأتي الآن للبعد الثاني في المقال، وهو الثغرة الاجتماعية التي يتسلل منها الإعلام الصهيوني محاولاً نفث سمه بين الفلسطينيين. الثغرة تكمن في غياب الحركة الوطنية الفلسطينية، ليلتقف كل ما يحصل المجتمع نفسه، وتتاح الفرصة لسموم بن حمو بالدخول بيننا.
هل يحتاج المجتمع أدوات الصهيوني لمحاسبة الفاسدين؟ هل يحتاج المجتمع أدوات الصهيوني لفهم واقعه المعاش؟ هل يحتاج المجتمع شهادة عدوه لفهم واقع المطاردين؟ كيف يلتقف المجتمع هذه الأدوات ليتيح لها المجال للتلاعب به؟، إن غياب التنظيمات الفلسطيني وقوى وطنية تحمينا في هذا الوقت، لا يعني أن نجعل من وعينا فضاءً سهلاً مغرياً للصهر.
فشل إيهود بن حمو، وسيفشل، لكنه لن يتوقف عن المحاولة إلا إذا ما توقفنا نحن وأدركنا أن مساحة التعبير من خلال بن حمو هي مساحة لتقديم المعلومة لمؤسسات العدو، حتى وإن كانت بنوايا طيبة، حتى وإن كانت رسائل تحدي، بن حمو هو ابن المؤسسة العسكرية الصهيونية، وإن لبس ثوب الحمل وتنقل بيننا.