ففي غزة، حيث السياسة المأزومة، والكهرباء المفقودة، والرواتب المقطوعة، والبيوت المهدومة، والطقس المعصوف، نُصبت شاشات العرض الضخمة في أرض "السرايا" وسط المدينة، وحضر المئات من المشجعين متناسين هذه الهموم مجتمعة.
بدوي (45 عاما)..واحد من بين هؤلاء المشجعين، جاء برفقة ثلاثة من رفاقه، لمشاهدة المباراة، والتصفيق لمنتخب بلاده "بغض النظر عن النتيجة النهائية" بحسب قوله.
وكانت مؤسسة أمواج الإعلامية الرياضية (غير حكومية)، عرضت هذه الشاشات لمتابعة تفاصيل المباراة، إذ يعاني سكان قطاع غزة من حصار إسرائيلي منذ عام 2007، من أزمة حادة في انقطاع التيار الكهربائي، بلغت ذروتها خلال الأسبوعين الماضيين، إذ لا تتجاوز ساعات الوصل 4 ساعات يوميا.
واستهل المنتخب الياباني (الفائز باللقب الآسيوي أربع مرات) رحلة الدفاع عن لقبه في افتتاح مباريات المجموعة الرابعة بالدور الأول من هذه البطولة، بفوز كبير 4 / صفر على نظيره الفلسطيني، بعد أن كان قد حصد أول ثلاث نقاط له في النسخة الحالية.
بدوي، وجد في دقائق المباراة "استراحة تناسى خلالها الأزمات المتراكمة في قطاع غزة، والتي تسببت بحالة من الكآبة، والتعب النفسي"، كما تحدث لوكالة الأناضول قائلاً:"جئنا لنصفق للفدائي (لقب المنتخب الفلسطيني)، وتشجعيه وهو يلعب لأول مرة في تاريخه في كأس أمم آسيا، إضافة إلى أننا نريد أن ننسى هموم الواقع الراهن".
وهي الاستراحة ذاتها التي وجدها الشاب، معاذ قويدر (18 عاماًَ)، الذي قال لوكالة الأناضول: "مشاهدتنا للمباراة أخذتنا بعيداً عن الهم اليومي، وتفاصيل الحياة المُرّة".
وعلى الرغم من خسارة منتخبه، وصف قويدير مشاركة بلاده في هذه البطولة بأنها "إنجاز تاريخي يخفف ألم الهزيمة"، فضلاً عن أن المنتخب "استطاع أن يجمع الفرقاء السياسيين، ويُوحد الآراء التي اختلفت على كثير من القضايا".
واستطرد "ولو لقليل من الوقت، سننسى الحديث عن الرواتب، وحكومة الوفاق والمعابر، كلنا سنكون يدا واحدة تصفق لمنتخبنا الوطني وتتمنى له التوفيق".
ويشكل المنتخب الفلسطيني، وافداً جديداً على النسخة السادسة عشر من بطولة كأس الأمم الآسيوية لكرة القدم، التي انطلقت في أستراليا الجمعة الماضي، (تستمر من 9 يناير/كانون الثاني وحتى 31 يناير/كانون الثاني المقبل) مشاركة 16 منتخبا آسيويا.
ولأول مرة يشارك المنتخب الفلسطيني في تاريخ البطولة، منذ انطلاقها عام 1956 بعد نجاحه في التأهل لنهائيات بطولة كأس أمم أسيا، عقب فوزه في بطولة كأس التحدي الآسيوي في مايو/آيار 2014.
وكان منتخب فلسطين نجح، في 30 مايو/آيار 2014 ، في هزيمة نظيره الفلبيني بنتيجة 1-0 في المباراة النهائية لكأس التحدي الأسيوية، وتُوج بأول ألقابه الرسمية الدولية الكروية.
ونالت فلسطين، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي جائزة أفضل منتخب وطني في قارة آسيا في الحفل السنوي للاتحاد الآسيوي لكرة القدم.
وفي تعليقه على المباراة، لفت معلق قناة "بي إن سبورت"، رؤوف خليف، إلى معاناة قطاع غزة، وأزمة انقطاع التيار الكهربائي، وما يعاينه السكان من حصار وتداعيات الحرب.
وأشار خليف إلى أنّ المنتخب الفلسطيني "يلعب في ظل إمكانيات متواضعة، لا يمكن مقارنتها بما تمتلكه الفرق الأخرى المستقرة فنيا واقتصادياً"، وفق قوله.
المواطن الخمسيني، سمير حميد، تمنى أن يكرر المنتخب الفلسطيني "إنجازات كأس التحدي الآسيوي، كي يتسنى للفلسطينيين أن ينعموا بلحظات الفرح"، قائلاً: "تستحق فلسطين أن تشعر بالسعادة، وتنسى الهموم التي تحاصرها من كل جانب، خاصة في قطاع غزة، حيث الحصار الإسرائيلي، والمناكفات السياسية، وتأخر الإعمار، كل شيء يبدو مقلقا، ويبعث على الأسف".
بدورها تنوي طالبة كلية الهندسة في الجامعة الإسلامية بغزة، مروة عياد متابعة مباراة المنتخب الفلسطيني، وقالت لوكالة الأناضول، إن "تشجيع المنتخب الفلسطيني واجب، ومطلوب حتى من أولئك الذين لا يشجعون كرة القدم، فالعلم الذي حورب طيلة العقود الماضية، من قبل إسرائيل يستحق أن يخفق عاليا في فضاءات الدول".
وبالرغم من الإعلان عن حكومة التوافق الفلسطينية في الثاني من يونيو/حزيران الماضي، وإنهاء قرابة 7 سنوات من الانقسام بين حركتي فتح وحماس، إلا أن الخلافات السياسية بين الحركتين لم تنته.
ويعيش قطاع غزة (أكثر من 1.8 مليون فلسطيني)، واقعاً إنسانياً واقتصادياً صعباً، إذ ترتفع معدلات الفقر والبطالة لتتجاوز وفق أرقام فلسطينية الـ"50%"، ولم يبدأ بعد إعمار ما خلفته الحرب الإسرائيلية الأخيرة .
وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صفحات كروية خاصة بتشجيع المنتخب الفلسطيني، وأعلنت الإذاعات المحلية عن نيتها بث مباريات المنتخب، في وقت أفردت فيه الصحف اليومية مساحات كبيرة لتغطية الحدث الكروي.
وقال عبد السلام هنية، عضو المجلس الفلسطيني الأعلى للشباب والرياضة، لوكالة الأناضول، إن "فلسطين ورغم كل الظروف الصعبة والمعقدة، حاضرة في المشهد الرياضي الدولي"، معتبراً أن هذه المشاركة "رسالة سياسية ورياضية، إذ تنطلق المباريات من أستراليا التي رفضت التصويت على مشروع يقضي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية".
وقال: "اللاعبون الفلسطينيون يرسلون من أستراليا رسالة إلى كل العالم بأنهم يستحقون الحياة، والعيش بكرامة، وأن من حقهم أن ينعموا بدولة، وها هم يمثلون علمها ويحملون اسمها بكل جدارة"، متمنياً أن "ينسى المنتخب الفلسطيني خسارته الأولى، ويمضى قدماً في تقديم مستويات رياضية متميزة، تشكل كما يصف نافذة فرح لكثير من الفلسطينيين، وأن تنسيهم واقعهم الصعب وظروفهم المعيشية الخانقة".
وفي الضفة الغربية، عجت قاعة أكاديمية "جوزيف بلاتر" الرياضية، بمدينة البيرة قرب رام الله (وسط)، بمئات المشجعين لمتابعة المباراة عبر شاشات عرض كبيرة، وسط تصفيق، وتلويح بالأعلام الفلسطينية.
ورغم خسارة المنتخب الفلسطيني، إلا أن أجواء الفرح عمت القاعة، حيث قالت المواطنة، آيه كوبير، على هامش مشاهدتها المباراة، لوكالة الأناضول: " ليس المهم النتيجة، فالمشاركة بحد ذاتها فوز وانجاز".
وأضافت "مشاركتنا تحمل رسالة للعالم للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي ما يزال تحت الاحتلال الإسرائيلي".
بدوره قال سليمان الشعيبي (موظف حكومي)، "هذا فخر واعتزاز للشعب الفلسطيني أن نصل مرحلة تنافس مع منتحب عريق كمنتخب اليابان الذي حقق بطولات كبيرة".
وتابع " المباراة كانت عبء وامتحان صعب للمنتخب الفدائي، ولكن معروف عن شعبنا الصبر والتحمل والمثابرة".
من جانبها، قالت المواطنة، سامية الوزير :لقد أبلى المنتخب الفلسطيني بلاء حسنا، لا نعتب عليهم بالخسارة، لعبوا جيدا أمام منتخب قوي".
وأضافت " مشاركتنا فوز، ورسالة سياسية أننا شعب حي، نبحث عن الاستقلال".