لعل الأرقام التي دفعها العرب لترامب في السنوات الماضية، لم أقم منذ دراستي المدرسية والجامعية الأولى والثانية مرورا بالثالثة، ببلوغ حسبتها حتى من الناحية النظرية.
حتى أثناء قيامي بالتحرير في مجال الصحافة الاقتصادية لم أسمع عن حجم مبالغ تقدم من اقتصاديات نامية إلى دول بعينها بدل تجارة أحادية تدفع لصالح الولايات المتحدة.
المؤتمر الصحفي الذي عقد في الرياض مع حاشية آل سلمان في العام 2017 والذي أعلن فيه عن صفقات بـ 460 مليار مع الولايات المتحدة، ثم المؤتمر الصحفي لابن حمد قبل أيام والذي كشف فيه عن مليارات سنوية مهولة تضخ في الخزينة الأمريكية.
الاستعراض الذي قام به ترامب أمام الأمير القطري؛ كشف عن حجم الذل الذي عليه العرب، يدفعون أموالهم بهوان، يخططون إلى إضعاف بعضهم، ثم يستجدون البقاء على عروشهم من ولي النعمة بمقابل.
من لعنات سايكس بيكو على الأمة وانهيار الخلافة العثمانية، قسم الوطن العربي والإسلامي إلى كيانات ضعيفة، ثم وضعت عناصر التناحر بينها، ثم حكّمت الضعفاء في رقاب مقدراتها، والأخطر أنها أبقت الاستعمار في حواشيها ينطق اللغة العربية.
تابعوا على سبيل المثال أثر بريطانيا في الإمارات، والولايات المتحدة في الخليج العربي، والكيان والولايات المتحدة في مصر، وأوروبا في المغرب العربي، وأفريقيا وقسمتها بين أوروبا والولايات المتحدة، وروسيا في سوريا، ولبنان بحسب النفوذ والطائفة، وكأنك ترى وطنا عربيا يعيش حالة الاحتلال المباشر.
ما كشفته التسريبات أثناء موجات الربيع العربي، من سفارات دول الاستعمار ودورها في الاقتصاد والسياسة والتخطيط؛ فضح مسمى الدولة الوطنية أمام السفارات الحاكمة وهذا ينطبق على بعض الأحزاب الوطنية، الأمن ومؤسسات الاقتصاد، وبات المتابع يرى بوضوح تبعية المؤسسات (الوطنية) للسفارات الحاكمة.
القارئ في التاريخ يصل إلى قناعة أن الواقع العربي اليوم أقبح من زمن هجمة المغول على بلاد العرب، وأكثر صدمة مما فعله ملوك الطوائف في الأندلس، وأوضح في تبعيته مما كان في عهد شاور.
هذه المقدمة المعلومة تشخص السبب المباشر الذي يقف وراء الانقلاب السريع على ثورات الربيع العربي، وتفسر الكيفية التي أفشلت الحكومات التي أفرزتها الثورة.
الاستعمار والأدوات الفاعلة معه في الوطن العربي، تعتبر الواقع الذي وصلنا إليه مثاليا، لمصالحها الأمنية والاقتصادية.
لذلك تبذل هذه الدول كل الجهد لإبقاء الحالة على ما هي عليه، حتى لو أحرقت الشرق ومن عليه، كما نشاهد اليوم في اليمن، العراق، سوريا وليبيا، وما سنشاهده في دول أخرى ستكون على الطريق.
التشخيص الخاطئ للواقع، أو إغماض العين عن حقيقته؛ كانت نتائجه وخيمة على أصحاب رؤية التغيير في الوطن العربي.
أولا: التخلص من الاستعمار عبر إنهاء حكم السفارات للوطن العربي، من خلال مقاومة حقيقية تماثل حالة النضال الوطني في فلسطين مبناها المقاومة الشعبية المتواصلة.
ثانيا: الثورة على أركان الأمن قبل النظام كون التبعية أعمق في الجيوش لوضع الاستعمار أمنه بين يديهم بصيغ مختلفة.
ثالثا: يجب تحليل وإنهاء النخب في الوطن العربي والانتقال لصناعة قيادة وطنية من باطن الناس لا من أشراف صنعتهم أنظمة الحكم وسفارات الاستعمار في الوطن العربي.
رابعا: يجب البحث عن صيغة التكامل العربي الإسلامي بتجاوز خارطة التقسيم التي أبقت ثروات الأمة بيد الاستعمار والدول الهامشية.
خامسا: يجب صياغة تحالفات تؤمن بالعدائية للمشروع الغربي وفق لغة المكاسب القطعية لا الظنية.
سادسا: يجب تعزيز الخطاب الجامع وفق شعارات الكرامة، الأمة، الدين والتحرير لترميم دافعية الناس للمواجهة.
الحلول الوسطية التي بحث عنها الناس، ستورثهم بقاء أصنام الولايات المتحدة، وثقافة العبيد القائمة، والتي نراها على عروش الأنظمة وفي ذلك لا أستثني أحدا.
سادتي أسقطوا أرباب أصنامكم، يسقط ذلكم، سادتي في بلاد يسيطر عليها المستعمر وجب على أهلها فتح المآتم قبل الحديث عن العيش، في شرقنا المحروق وجب البحث عن الكرامة.