رام الله - محمود الفطافطة
تُعتبر عملية توسيع قاعدة المشاركة المجتمعية تعزيزاً لمبادئ المواطنة والانتماء والانحياز للمصلحة العامة، وتعميقاً لمكانة وريادة الشباب في المجتمع ومؤسساته. وفي ظل تحقق ذلك فإن النمو الاقتصادي والتنمية الشاملة والمستدامة ستسري في عصب المنظومة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، وصولاً إلى مجتمع موارده مُستغلة، وأهدافه مضمونة، ومكانته مُصانة ومُهابة.
وبالحديث عن المشاركة السياسية فإنها ذات شأن عام، لا يمكن للفرد أن يكون مؤثراً، أو مشاركاً، أو فاعلاً فيها ما لم يُعترف بدوره في الحياة العامة، وبحقه في ممارسة هذا الدور دون قيود ذات طابع تمييزي. فالمشاركة الفاعلة للشباب تشمل الاعتراف بمكامن القوة لديهم، واهتماماتهم وقدراتهم، والعمل على تطويرها من خلال توفير فرص حقيقية لهم حتى يشاركوا في اتخاذ القرارات التي تمسهم على صعيد الأفراد والمجتمعات والمؤسسات.
في هذا التقرير سنتطرق إلى واقع هذه الفئة المجتمعية الكبيرة من حيث الحجم والإمكانيات، إلى جانب تسليط الضوء على قدراتها ومدى تحقيق مطالبها والمعيقات التي تقف أمام تقدم أبنائها، إلى جانب استعراض جملة من التوصيات التي من شأنها أن تساعد هذه الشريحة في امتلاك زمام أمرها، والمشاركة في صناعة القرار؛ لا أن تظل مهمشة الواقع، ومتبعثرة القوى، وضعيفة الإمكانيات ومحرومة الحقوق، ومسلوبة الإرادة والتأثير.
المشاركة تاج المساواة!
في دراستهما حول دور الشباب في عملية التغيير المجتمعي يبين الباحثين زياد عثمان وغازي بني عودة إن تبوء الشباب المسؤولية في الهيئات السياسية الرسمية أو الأهلية لم يعد يُعتبر أحد المطالب الأساسية لديمقراطية النظام السياسي فحسب، بل يتعدى ذلك في أن مشاركتهم السياسية هي تعبير حقيقي وفعلي عن مصالحهم. ويضيفا: "بدون مشاركة الشباب مشاركة فعالة، فإنه لا يمكن الحديث عن مساواة في الحقوق والواجبات بين فئات المجتمع المختلفة، وبما يضمن المشاركة الفاعلة في العملية التنموية".
ويستعرض الباحثان أبرز سمات المشاركة السياسية الفلسطينية، متمثلة في: "آولها: أن هذه المشاركة شكلت معلماً رئيسياً من معالم المشروع الوطني منذ بداياته الأولى سيما بعد هزيمة 1967، وقد وقف على رأس هذه المشاركة الشباب. أما السمة الثانية فتمحورت حول غياب التبلور وعدم وجود عناوين شبابية واضحة وصريحة، إلا بعد تشكل منظمات وأطر شبابية فلسطينية تحمل هموم وآمال قطاع الشباب، وبتراجع هذه المنظمات لاحقاً شكلت الجامعات إحدى الحاضنات الرئيسية للحركة الشبابية الفلسطينية".
وفي مسحٍ ميداني أُجري لصالح الدراسة بينت النتائج أن ثلث الشباب الفلسطيني يعي معنى المشاركة السياسية، وليس لهم تجارب سابقة في هذه المشاركة والسبب في ذلك عدم اقتناعهم بالمنظمات القائمة وتفضيلهم لمنظمات شباب أهلية مستقلة. وقد رأى الشباب أن المنظمات الأهلية تتصدر اهتمامات الشباب لأنها الأكثر خدمة لهم. وبينت النتائج أن اهتمام الأحزاب السياسية بقضايا الشباب يأتي في مستوى متوسط، وأن وزارة الشباب والرياضة لم تكن بأحسن من الأحزاب فأتت دون المتوسط. ووفق المبحوثين فقد أتت الأحزاب السياسية كصاحبة المسؤولية الأولى عن ضعف مشاركة الشباب السياسية تليها مسؤولية الشباب أنفسهم والمجتمع لاحقاً.
كذلك الحال، فقد اعتقدت غالبية الشباب المستطلعة آراؤهم ضرورة توليهم لمناصب قيادية في الأحزاب ومؤسسات الإعلام والمؤسسات الأهلية والحكومية والأمنية. كما أعرب نصف الشباب المبحوثين عن رغبتهم في المشاركة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ورأى النصف تقريباً أن هناك فائدة إيجابية من هذه المشاركة. وقد عزا الشباب عزوفهم عن المشاركة في الحياة العامة إلى غياب ما يناسبهم من أحزاب سياسية وما تطرحه عليهم من برامج.
واقع يناقض المطلوب!
إلى ذلك، يقول المتخصص في قضايا الشباب د. عمر رحال: "رغم أن الشباب يشكلون نسبة كبيرة من الناحية العددية، إلا أنهم من الناحية الفعلية ليسوا كذلك، فهم يمثلون أقلية بالمفهوم السياسي، مما يعني سيطرة فئة على مجريات الأمور". ويوضح: "إن النظام السياسي هو الذي يجعل من المساواة حقيقة واقعية، سواء أكانت المساواة على أساس الجنس أو اللون أو الدين أو اللغة، وهو الذي يجب عليه أن يحقق مطالب الشباب ويشركهم في الفعل السياسي والتنموي عامة".
ويشير د. رحال إلى أن من شأن استثناء الشباب من المشاركة السياسية الفاعلة وتهميشهم أن يؤدي إلى نتائج خطيرة قد تُفضي بهم إلى تنامي الشعور بالإحباط والوهن وتقويض التماسك الاجتماعي الذي يمكن أن يؤدي بدوره إلى تفاقم بعض المشكلات الاجتماعية كالفقر والجريمة والعنف والتطرف.
بدوره يرى د. مجدي المالكي أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيرزيت أن ترجيح القيم الثقافية التي تعزز سلطة العقل والإبداع وتمكن الشباب من ممارسة حرية الاختيار والتعبير وتحمل المسؤولية، ستبقى ناقصة ما لم تتعزز بتوفير فرص المشاركة السياسية بالرأي والممارسة من خلال فتح سبل الحوار بين الآباء والأبناء الطلبة والأساتذة والمسؤولين مع الأجيال الجديدة. ويضيف" بمقدار ما تعترف الثقافة والقيم التربوية السائدة بخصوصية المرحلة الشبابية وتتفهم أوضاع الشباب ومشكلاتهم وأحلامهم، بمقدار ما يتم ترسيخ قيم ثقافية تغييرية توازن بشكلٍ إيجابي بين ما يريده المجتمع من الشباب، وما يريده الشباب لأنفسهم".
ويرى د. المالكي أن للثقافة والهوية الثقافية دورٌ في طبيعة عدم المشاركة الشبابية في فلسطين، ويتجلى ذلك من خلال عدم المساواة، وعدم وضوح سقف الحريات، أو احترام الرأي والرأي الآخر، والتعصب والعشائرية وضعف التوعية والتنشئة الديمقراطية. إضافة إلى انتشار التقليد الأعمى للغرب، وسلبية بعض العادات والتقاليد.
وفي السياق ذاته يبين الباحث والأكاديمي فادي علاونة وجود عزوف كبير جداً من قبل الشباب وخصوصا الإناث في الانضمام للأحزاب بسبب قناعتهم بالدور السلبي التي تلعبه في تغيير الواقع السياسي أو حتى الخدماتي متى كانت هي التي تسيطر على هذه القطاعات، بالإضافة إلى قناعاتهم بأن هذه الأحزاب لا تقدم الخدمة إلا للأفراد المنتسبين لها، بمعنى أنها تفضل الصالح الخاص للحزب على مصالح الوطن ككل، وهو ما يبرر لهم الاكتفاء بمظهر المتفرج إيجاباً بدلاً من لعب الدور السلبي في زيادة الفجوة الممتدة بين الهدف الخاص للحزب وبين الهدف المحوري الذي يجب أن يكون حول مصلحة المجتمع والدولة ككل.
نهوض أم مناهضة؟!
ويذكر أن هناك هيمنة لبعض الجهات وامتداد اذرعها داخل بعض الأحزاب السياسية الأمر الذي يجعل من فرصة التطور لدى بعض الشباب ضعيفة جداً، أو حتى معدومة في ظل حرص الكثير من هؤلاء الأشخاص على تحويل هذه الأحزاب إلى جمعية تدار من قبل الأشخاص المرضي عنهم أصلاً. وعلى الرغم من ذلك يرى علاونة أن الأحزاب السياسية تبقى هي الوسيلة الأكثر ضمانا للمشاركة السياسية في ظل الديمقراطية، وذلك كونها تشكل قاعدة كبيرة في المجتمع، ولها ثقل على أرض الواقع، وبالتالي تشكل ضمانه لأحلام بعض الشباب للوصول لمراكز معينة نتيجة الخدمة في ظل صفوف هذه الأحزاب.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح حسن أيوب يقول أن الحراك الشبابي الفلسطيني يراوح من جهة بين الفرصة البنيوية المتاحة أمامه والمتمثلة بالفراغ السياسي والتنظيمي الذي تركته البنى القائمة جراء عدم قدرتها على الوصول لجمهور عريض من الشباب الفلسطيني، ومن جهة أخرى يترك الانطباع المتزايد بأن هناك عدداً من العناوين للحراك، أي اعتباره حراكات، وهو عنصر يحول دون قدرة العمل الشبابي على تسجيل حضوره السياسي والتنظيمي المتمايز والمختلف عن واقع الشرذمة الفصائلي.
شيوخ شبابية!!
ما يذهب إليه أيوب يؤكده استطلاع لمؤسسة "أوراد" للبحوث، حيث جاء فيه أن نسبة كبيرة من الشباب الفلسطيني لا تزال غائبة أو مغيبة عن نشاط الحراك الشبابي على الرغم من القناعة السائدة في أوساط الشباب الفلسطيني بقدرته القيادية وإمكاناته لإحداث التغيير.
وبخصوص رأي الشباب فإنهم يجمعون على أهمية دورهم في المجتمع دون أن يسقطوا ذكر محاولات تهميشهم أو التراخي في تحقيق مطالبهم وأهدافهم. الصحافي إبراهيم عنقاوي يقول: "إن مشاركة الشباب في الحياة السياسية غائبة، فـ" نحن شعب فتي ولكن من يحكمنا ويتحكم بنا ويقودنا هم الشيوخ، لذلك لا توجد مشاركة شبابية في الحياة السياسية وإن وجدت فهي ضعيفة وشكلية".
ويشير عنقاوي إلى أن هذا الانطباع يشمل السلطة والأحزاب الأخرى باستثناء الأحزاب الإسلامية التي تمثل فيها نسبة التمثيل الشبابي أعلى من غيرها من الأحزاب، "فلو نظرنا لمتوسط العمر للأمناء العامين للأحزاب الإسلامية مع متوسط العمر مع نظرائهم في فتح والأحزاب اليسارية، سنجد أنهم في "الإسلامية" أصغر عمراً من الأحزاب الأخرى، وحتى قياداتهم التي نراها في الإعلام غالباً ما تكون من فئة الشباب، ولكن حتى هذا لا يشمل فئة الشباب الصغيرة وإنما فئة الشباب التي تقترب من الشيخوخة والتي تقترب من سنة الـ50 عاماً".
أما المحامية رهام ظاهر فتقول: "إن المشاركة السياسية للشباب الفلسطيني محدودة وضعيفة، ونسبتها أقل بكثير من المعايير الدولية، منوهة إلى أن القانون لم يمنحهم مزايا محددة، كما ولا تتوافر انتخابات فعليه تتيح لهم المشاركة والتأثير في واقعهم وواقع مجتمعهم وقضيته". وتشير ظاهر إلى أن القانون الفلسطيني لم ينص على حق الشباب بالمشاركة السياسية كما أنه لم يمنحهم "كوتا" تضمن لهم المشاركة السياسية والاجتماعية عموماً.
الكسرة قبل المشاركة!!
المحامية هديل حلايقة تقول :" إن المشاركة الشبابية تمر الآن في أسوأ أحوالها بسبب فقدان الشباب الثقة في الأحزاب السياسية التي تحول دون امتلاك هذه الفئة زمام قرارهم والمشاركة في القرارات الهامة". وتؤكد أن الكثير من الأحزاب تستغل الشباب في فترة الانتخابات مثلما تفعله بعض الشخصيات المستقلة، دون أن توظف قدراتهم في الصالح العام. وتشير حلايقة إلى أن اهتمام الشباب بالمشاركة السياسية تأتي لاحقاً للوضع الاقتصادي وتحسين سبل المعيشة، مطالبة بدور أكثر فاعلية واتساعاً للشباب لما لديهم من إمكانات وقدرات هائلة لو استغلت جيداً لقدمت الكثير لخدمة المجتمع وتنميته
الطالب عامر إهليل يذكر أن فلسطين تختلف عن الشعوب الأخرى كون الشباب يُهمّش بشكل كبير ولا شراكةَ له في المجال السياسي مُطلقاً إذ أن المشاركة تقتصر على ذوي الأعمار الكبيرة خاصة ممن تفوق أعمارهم الـ 50.
بين " الشرك" والشبكة!!
وفي نفس الإطار أجملنا أبرز العقبات والمشاكل التي تقف حائلاً أمام مشاركة الشباب الفلسطيني في الحياة السياسية، وذلك من خلال آراء بعضهم، والمتمثلة أهمها في:
· الأسرة : تدخل الأسرة في شؤون الشباب، وصعوبة التفاهم بين الأجيال، والتمييز بين البنين والبنات، وعدم مشاركة الشباب في اتخاذ القرارات داخل الأسرة، وأخيراً ضعف دور الأسرة في تنشئة الشباب. كل ذلك يساهم في فتور أو ضمور الشباب للتوجه نحو السياسة العامة أو المشاركة في أنشطتها.
· المشاركة في المجال العام: ويأتي في هذا الإطار عدم توفر المراكز الشبابية، وقلة وعي الشباب بأهمية المشاركة في الحياة العامة، واهتمام الشباب بمشكلاتهم الحياتية الذي يقلل من مشاركتهم في المجال العام، والقوانين التي تعيق مشاركة الشباب، وقلة الحرية المتاحة أمام الشباب للمشاركة، إلى جانب ضعف المنظمات غير الحكومية وعدم الاهتمام برأي الشباب فيما يتصل بالقضايا العامة.
· مشكلات أخلاقيةـ اجتماعية: ناجمة عن التناقض القيمي بين جيل الشباب وجيل الآباء، كذلك ناجمة عن التطرف الديني وعن عدم استغلال أوقات الفراغ، وقلة أشكال الترويح وصولاً إلى مشكلات الانحراف والجنوح وتعاطي الكحول والمخدرات. إلى جانب كل ذلك ينبع لدى الشباب الفلسطيني إحباط عام ناجم من أنهم لا يسيطرون على حياتهم. كما وإنهم بالتزامهم بالتقاليد مع الحصول قسراً على رضى شخصيات "السلطة" لا يستطيعون اتخاذ القرارات المؤثرة في حياتهم خاصة في مجالات التعليم والاقتصاد والسياسة والصحة والأمور الاجتماعية بأنفسهم. توقهم للحصول على الرضى هذا يعود إلى خوفهم من عدم إيجاد حل للوضع الراهن.
· يضاف إلى ذلك كله الشعور باليأس من إمكانية تغيير الواقع، تأثير بعض العوامل الاجتماعية (كانخفاض التعليم أو الدخل)، عدم القناعة في موضوع المشاركة أصلاً، عدم توفر وقت فراغ لدى الشباب بسبب الوضع الاقتصادي مثلاً، انخفاض مكانة المرأة وعدم الاعتراف بدورها، ضعف منظمات المجتمع المدني، تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، اللامبالاة.
استناداً لكل ما سبق؛ نجمل التوصيات التي أكد عليها المتحدثون، والتي أبرزها: ضرورة معرفة مشكلات الشباب والاستماع لآرائهم وإعطائهم الفرص للتعبير عن أنفسهم ومشاعرهم، و نشر وتعزيز الثقافة الديمقراطية للشباب لتمكينهم من الإلمام بالمعارف الأساسية اللازمة لتحررهم من جميع صور القمع والاضطهاد، وإجراء تغيرات جوهرية على مجمل التشريعات والقوانين التي تحد من تطور مشاركة الشباب، والتصديق على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بهم. ويُضاف إلى ذلك كله، ضرورة مساعدة الحكومات والمنظمات غير الحكومية الشباب على التفاعل والانخراط في حقولها وإعطاؤهم أدواراً قيادية تمكنهم من إدارة شؤون الدولة والحكم عند تولي السلطة أو المشاركة فيها. وهذا لا يتم إلا من خلال تشكيل لجان خاصة بالشباب، وتنظيم برامج متخصصة من أجل جذبهم إليها وتشجيعهم على التفاعل معها.