السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حركة فتح... تاريخ مشرق، وحاضر متعثر، ومستقبل مجهول

مجدٌ تحت الرماد!

2015-01-12 09:41:07 PM
حركة فتح... تاريخ مشرق، وحاضر متعثر، ومستقبل مجهول
صورة ارشيفية
 
رام الله - محمود الفطافطة
 
بين من يقول أن حركة فتح تجدد ذاتها دوماً وتتغلب على ما تواجه من تحديات، وبين من يراها تسير نحو فقدان مجدها التاريخي ونفوذها السياسي، تتشابك الأسئلة تعقيداً، وتأخذ الإجابات صيغة الجدل والاختلاف حيناً، والغموض المنطلق نحو مسارات مفتوحة حينا آخر. ولكل من الطرفين حجته على ذلك، فالقائل بتجددها وتوالد قوتها يستند في (زعمه) إلى "تعميرها" لأكثر من نصف قرن، استطاعت خلاله تجذير خريطتها الفكرية والسياسية والنضالية في جغرافية العالم بأسره، وتحقيق كثيراً من الإنجازات التي أهمها في رأي هؤلاء إبقاء القضية الفلسطينية حية في ذاكرة أبنائها وشعوب الكون حتى لا يُهدر الحق أو يخبو الانتماء.
 
في المقابل، نجد رأياً معاكساً، بل ومناقضاً لذلك، فأصحابه يؤكدون بأنه على الرغم من أن هذه الحركة (فتح) قدمت تضحيات وإنجازات كبيرة، إلا أنها لم تحافظ على هذا التراكم التاريخي العظيم نتيجة لإقدام قادتها على إبرام تسوية سياسية مع الاحتلال الإسرائيلي منحته بموجبها شرعية استيلائه على الأرض والسكان، إلى جانب ما تمر به هذه الحركة من أزمة بنيوية خطيرة في هياكلها التنظيمية لا سيما القيادية منها.
 
الأزمة والمصير
يقول الباحث جميل هلال إن حركة فتح تعاني من أزمة بنيوية يعود سببها الرئيس إلى التناقض الحاد بين فكرها واستراتيجيتها وبين واقعها والتقلبات التي شهدتها لا سيما في ظل توجهها نحو التسوية السياسية، مشيراً إلى أن مستقبل الحركة سيتوقف على طبيعة التيارات في داخلها والتي يجب عليها أن تحسم هذا الأمر. ويضيف: "إن عدم التواصل والاتصال بين الجيل المؤسس للحركة والجيل الشاب زاد من حدة الأزمة في الحركة، إضافة إلى إن تصعيد الاحتلال ممارساته القمعية بحق أبناء الحركة خاصة قبل اتفاقية أوسلو".
 
الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري يقول: "إن مصير "فتح" يتوقف على نتائج المؤتمر السابع، فإمّا أن تواصل سقوطها أو تبدأ بالنهوض مجدداً". ويضيف: "هذا المؤتمر يمكن أن يكون مفترق طرق، بحيث تنهض "فتح" مجدداً أو تستمر في هبوطها الذي بدأ منذ توقيع "اتفاق أوسلو"، مروراً بفشل برنامج إقامة الدولة عن طريق المفاوضات، ثمّ بفوز "حماس" في الانتخابات البلديّة والتشريعيّة، وانتهاء بالانقلاب/الحسم العسكري الذي أدى إلى سيطرة "حماس" بصورة انفراديّة على السلطة في القطاع".
ويشير المصري إلى أن مستقبل "فتح"، كما هو شائع حالياً، لا يتوقف على مصير الصراع بين الأجنحة المختلفة، وخصوصاً جناحي الرئيس ودحلان، وإنما يتوقف مستقبلها على رغبتها وقدرتها على تجديد وتغيير وإصلاح نفسها من فوق لتحت، خصوصاً قدرتها على إعادة الاعتبار للبرنامج والحقوق الوطنيّة الجامعة للشعب الفلسطيني، ولأشكال النضال والعمل السياسي القادر على تطبيق الحقوق، وغيرها من السياسات. من دون مغادرة هذا المسار بشكل جذري واستراتيجي وليس كرد فعل ومن قبيل التكتيك، وفتح أفق سياسي يفتح طريق المستقبل أمام الشعب الفلسطيني في داخل الوطن المحتل وخارجه، ستسير "فتح" بصورة متسارعة ومعها الأُطر والمؤسسات التي تقودها والفصائل المتحالفة معها أو تسير في فلكها إلى الهاوية.
ويؤكد أن "فتح" تحاول أن تراجع نفسها وتلّوح منذ فترة بخيارات أخرى بدلاً من خيار المفاوضات الثنائيّة، ولكن هذه المراجعة وهذا التلويح لم يصلا إلى مغادرة الرهان على هذا الخيار، وإنما يهدفان إلى الضغط من أجل إحياء ما يُسمى زوراً وبهتاناً "عمليّة السلام".
اختبار القادم!!
يقول د. حسن السلوادي عميد البحث العلمي في جامعة القدس المفتوحة أن حركة فتح تشكل في مسيرة النضال الفلسطيني محوراً رئيساً لا ينكره إلا جاحد، فقد قدم أبناؤها قوافل الشهداء وآلاف الجرحى لتثبيت قضيتنا الفلسطينية وترسيخ هوية أبناء شعبنا، وتكريس نضاله لنيل حريته واستقلاله وانعتاقه من أبشع احتلال وآخره على كوكبنا الأرضي . ويضيف: "رغم وجود بعض الهزات التي تعرضت لها الحركة، وبعض التجاوزات عن نهجها الذي اختطته منذ انطلاقتها فإنها ستظل بالنسبة لشعبنا الفلسطيني خياره المستقبلي في نضاله وكفاحه المشروع لنيل مطالبه الوطنية"، مضيفاً: "إنا على ثقةٍ تامة أن أبناء الحركة الذين يشكلون ضميرها الحي سيعيدون إليها جوهرها ومكانتها كي تظل في الموقع الذي قدرها الله لها: موقع القيادة والريادة بما تدخره من قدرات وطاقات شابة تمتلك الإرادة والتصميم والاستعداد للتضحية بكل ما هو غالٍ ونفيس في سبيل الوطن".
أما الناشط السياسي د. طريف عاشور فيقول: "في الوقت الذي تُحاول فيه حركة فتح إيجاد إستراتيجية لها وهي تمضي نحو مؤتمرها السابع فإنها تسير بين خطين، أحدهما ممثلاً بحرسٍ قديم جرّب كل شيء والتجأ أخيراً للأمم المتحدة ومجلس الأمن كي يحاول أن يعيد حقوق شعبه، وثانيهما جيلٌ شاب لا زال يمجد انطلاقات الحركة العسكرية الأولى وعينه الأخرى على المقاومة الإسلامية الحديثة التي أبدعت في التصدي للاحتلال وتمريغ أنفه بالتراب".
ويضيف: "تبقى فتح حارسة الحلم الفلسطيني الخالص، التي ما باعت نفسها يوما لدول الجوار الطامحة رغبة ورهبة، ترفع القرار الوطني المستقل أمام الجميع، "يحرد" كوادرها دوماً، ولكن عند النداء، تجدهم في المقدمة، يختلفون مع حركتهم ويكتبون فيها الهجاء، ولكن، أبداً، لا يختلفون عليها. إنها عمود الخيمة الأساسية الصلبة للمنظمة، تلك التي يعرف الجميع أنها باتت مهلهلة، لكنها، شئنا أم أبينا، بيتنا الوطني التاريخي الجامع، التي يجب على الجميع إصلاحها".
ويذكر د. عاشور أن فتح التي قدمت خلال الـ 50 عاما خيرة قادتها وكوادرها، لا تزال تنظر للقدس ولعودة اللاجئين، تناور هنا وهناك، تتقدم وتتراجع، كي لا تخط بيدها وثيقة تنازل، آملة أن يأتي جيل فلسطيني واعٍ، يعيد النظر في كل شيء !.
المؤامرة والتحديات!
بدوره يقول رياض السلفيتي أحد قيادي حركة فتح: أن الحركة تمر بمرحلة صعبة بسبب ما تتعرض له من مؤامرات داخلية وخارجي، وأن هذه المرحلة تُعتبر من أصعب مراحلها منذ قدوم قادتها إلى الداخل الفلسطيني وذلك نتيجة التباين في المواقف الداخلية ومحاولة السيطرة التنظيمية عبر أشخاص وليس وفق نظام يحكم الحركة. ويوضح أن هذه الضغوط والاهتزازات تجلت بعد رحيل القائد الشهيد ياسر عرفات من خلال أطماع الكثيرين عبر السيطرة على الحركة وما إلى ذلك من تداعيات فقدان غزه من أيدي أبناء فتح وهذا ما زاد الأمر تعقيدا. وأعرب السلفيتي عن أمله في أن يكون هذا العام مختلفاً خاصة عقب الانتخابات التي ستجرى هذا العام للمؤتمر السابع للحركة وأن تكون الحركة قادرة على فرز قياده متجددة لبث الدم الشبابي لها.
 
من جانبه يشير الكاتب والناشط المجتمعي عبد الكريم أبو عرقوب إلى أنه رغم العقبات والتحديات الكثيرة التي تواجه حركة فتح إلا أنها، في المرحلة القادمة، قادرة على تجاوز ذلك لما تتمتع به من مرونة في التعاطي مع مختلف المتغيرات. ويضيف: "على الصعيد الداخلي لا بد من إعادة ترتيب صفوف الحركة وهياكلها التنظيمية وأدواتها للحفاظ على قدراتها الذاتية وقيادة العمل الوطني بما يحقق الأهداف الرئيسة للشعب الفلسطيني والحد من تأثير العوامل الخارجية التي قد تضعفها، كما عليها الإبقاء على فاصل بين الحركة كتنظيم مستقل والسلطة ومؤسساتها التي تتولى الحركة قيادتها، والإبقاء على حالة الصدام مع الاحتلال على الأرض من جهة وعلى المستوى السياسي والدبلوماسي من جهة أخرى وفق رؤية واضحة لأساليب النضال في كل مرحلة من المراحل".
وبخصوص التحدي الثقافي المستقبلي فيرى أبو عرقوب أنه يتمثل في حماية الديمقراطية والتعددية السياسية القائمة على الشراكة والتكامل وليس على التناحر والتفاضل، والإبقاء على صندوق الاقتراح الفيصل في اختيار القيادة المستقبلية للشعب الفلسطيني، ورسم ملامح المراحل السياسية القادمة. ويذكر أن على قيادة الحركة مواصلة نهجها برفض التدخل في شؤون الدول الأخرى، ورفض تدخل أي جهة خارجية بالشأن الداخلي الفلسطيني، وعدم الانجرار إلى معارك جانبية تحيد البوصلة الفلسطينية عن أهدافها الوطنية.
صراع المسارات
وفي السياق ذاته يقول الكاتب خالد معالي: "إن حركة فتح في ذكراها الـ 50 تقف على مفترق طرق، فإما أن تُصر على نهجها السابق في الابتعاد عن خيار المقاومة والتضحيات، وإما أن تختار الطريق المكلف، ولكنه المريح تاريخيا وفلسطينيا، وهو الرجوع إلى خط المقاومة ضمن برنامج وطني موحد مقاوم، حيث ثبت أنه من الصعب المقاومة الفعالة في الضفة الغربية بغير حركة فتح".
 ويرى معالي أن الحركة تواجه جملة معيقات، منها: حجم الضغوط الكبيرة عليها، وحجم المصالح التي تُفتقد في حال اللجوء إلى خيار المقاومة المسلحة، إلى جانب عدم نضوج كافٍ لاختيار الخيار الأصعب والمكلف وهو المقاومة،عدا عن معيقات أخرى محلية وإقليمية ودولية.
الصحافي والناشط السياسي نواف العامر يقول: "رغم إطلاق حركة فتح الرصاصة الأولى إلا أن رصاصتها هذه كانت الأخيرة عندما أطلقت سيل التبريرات لشرعنة دخولها معترك التسوية ومستنقعات التفاوض التي أودت بتاريخ الحركة الكبير ورصيدها الهائل في الهواء، وشرعت بالتراجع الشعبي لصالح حركات المقاومة بينما لم تنتبه الحركة لغرقها في أتون الوظائف والرتب المدنية والأمنية، ولم تدرك أنها تكتب شهادة وفاتها".
ويشير إلى أن فتح يمكن أن ترمم ذاتها وتعيد سابق تاريخها إذا التزمت بالمشروع الوطني والمقاومة، والمشاركة السياسية والعملية مع بقية القوى، إلى جانب تطعيم أطرها بقيادات شابة لكي تستفيد من ماضيها وتدرك واقعها وتستشرف مستقبلها، معتقداً أن الحركة لن تبقى تنظيماً واحداً موحداً، فهناك "الغيورون المخلصون للحركة والعاملون على حماية واقعها وديمومة مستقبلها".
هل يعود المجد؟!
من جهته يذكر الناشط في المقاومة الشعبية حسن بريجية أن حركة فتح تتميز بإنتهاجها استراتيجية وطنية مبنية على النظرية الثورية المستوحاة من تجارب الآخرين، وأدبيات حركية، تبلور جميعها نهج وطني ثوري يحوي الكل الفلسطيني. ويشير إلى أن المعيقات التي تحيط بها لا تُعيق مستقبلها بل تؤخر إتمام المشروع الوطني، مبيناً أن فتح باقية ولا خوف على مستقبلها، حتى أن بعض الحركات الأخرى باتت تتأثر بفتح الستينيات والسبعينيات، فدائما نسمع قيادات حماس، على سبيل المثال، يرددون: "نحن حركة تحرر أو نحن رأس الحربة وغيرها".
وإجمالاً لكل ما سبق يوصي البعض بضرورة وضع إستراتيجية شاملة، وواعية للحركة، تكون قادرة على التعامل المناسب والجاد مع كافة التطورات التنظيمية والمجتمعية من جهة، والمستجدات الخارجية من الجهة الثانية، والعمل على إصلاح الحركة سياسيا وتنظيميا، وأن تكون عملية الإصلاح هذه منطلقة من البنى باعتبار أن الأزمة بنيوية، إضافة إلى ضرورة أن تقوم الحركة بمراجعة نقدية جادة، وأن تجري ما يلزم من تحولات نوعية في رؤاها وبناها وأنماط عملها، لتوائم نفسها مع متطلبات واقعها ومناصريها، علاوة على العمل الجاد لخلق وتثوير السلوكيات الديمقراطية في الحركة، والتخلص من شوائب العشائرية،المحسوبية، التفرد بالقرار ..الخ، لأن ذلك يعيق من تطور الحركة ونيل تطلعاتها إلى جانب إضعاف دورها .