الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

لماذا فرنسا؟! * بقلم: طارق الشرطي

2015-01-12 11:35:39 PM
لماذا فرنسا؟!
* بقلم: طارق الشرطي
صورة ارشيفية

الحدث. 

الرواية التي أرادها الفاعلون بمهاجمة جريدة " شارلي أبيدو" أنها انتقاماً من الإساءة للإسلام وللرسول علية الصلاة والسلام، وفعلا هكذا بدت الصورة، وربما هي كذلك وهذا الواقع، لكن لماذا استهدفت فرنسا دون غيرها من الدول؟ أو صحيفة أخرى قامت بنفس الفعل؟ فكم من الدول سبقتها بتلك الأفعال المسيئة للأديان عامة وللإسلام خاصة؟ فهولندا مثلا أصبحت تشتهر بتلك الإساءة كإنتاج الأفلام ذات السياق أكثر من شهرتها بإنتاج الأجبان، كذلك لا زال الفار سلمان رشدي حراً طليقاً رغم انه أساء أكثر من غيره، والعديد من الدول التي نسجت وما زالت تنسج الروايات وتنتج الأفلام عن الرسول (ص)، فلماذا فرنسا كانت الهدف من الانتقام إن صح ذلك؟.

مما لا شك فيه بأن فرنسا تشهد سخطاً واستياءً واضحاً من الجالية الإسلامية من تعاطيها والقضايا التي تتعلق بالدين الإسلامي، وتبريرها المتكرر بحرية التعبير و" ديمقراطيتها" الغير مقبولة لهذا الجانب، فكم من القضايا أحدثت القلاقل والاضطرابات هناك، من قضية الحجاب والنقاب إلى قضية الرسوم الكاريكاترية وقضية المطاعم الحلال وقضايا ملاحقة الشباب المسلمين واتهامهم بالتطرف وغيره من القضايا، وما عرف ب" ثورة الضواحي"،  ثم قضايا التدخل الفرنسي في الشؤون الداخلية العربية وانعكاسه عليها والذي يطول شرحه، ولست هنا في معرض النقاش حول تأييد ما حدث ضد الجريدة أو إدانته بقدر الحديث عن تلك الأسباب التي جعلت من السهولة بمكان الجزم للبعض برمي اللوم مباشرة على الفرنسيين، والتبرير للفاعل من "الانتقام للدين"، وفي ذلك وجهة نظر، فكم كان رأى البعض عاطفياً وغيرةٌ على دينه بأن استهداف الجريدة كان لا بد منه لثنيها عن التجريح المستمر للرسول (ص)، فيما كان من أطراف أخرى عديدة ومنها إسلامية إدانة واضحة له ووصفة بالعمل الإرهابي.

مباشرة في اليوم الذي تلا الهجوم، جاء حادث أخر وقتلى ورهائن، والمتهم نفسه" الانتقام للإسلام والمسلمين"، مما يعزز الفرضية الأولى بأن التمييز الذي تقوم به فرنسا ضد الجالية الإسلامية هو السبب المباشر، وطبعاً هذه الأحداث وتوابعها تطيب لأطراف أخرى تريد هذه النتائج، وربما من أحد أهدافها، خصوصاً في هذه الفترة الزمنية تحديداً، كإسرائيل وحلفائها، ومن هنا نتساءل، لماذا تتعرض فرنسا لردود الأفعال هذه؟ هل ذلك مرتبط بسياستها الداخلية سابقة الذكر؟ أم تزايد لنفوذ الإسلاميين كداعش وغيرها هناك إن وجدت؟ أم انه جاء من سياسة خارجية هدفها ثني المسار الفرنسي عن طريقة الذي بدا عليه مؤخراً والمتعلق بسياسة فرنسا الخارجية تجاه القضية الفلسطينية، بعد أن شهد البرلمان الفرنسي تصويتاً مؤيداً للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ثم وقوف فرنسا إلى جانب القرار المؤيد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في مجلس الأمن - بغض النظر عن نتيجة القرار-، فحتما هذه المواقف لا تروق لإسرائيل ولن يبقيها مكتوفة الأيدي، فهي "دولة" منذ قيامها تستثمر كل حدث بما يتناسب ومصالحها.

لست من أولئك الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة، كذلك الحال لما حدث في فرنسا، لكن في الوقت نفسه لا يمكن إغفالها كأحد الاحتمالات، كذلك لست من الذين يؤيدون الحكم العاطفي بالفرح بان الذي حدث هو انتقام من الإساءة للمسلمين، فكم من الأبرياء ضحايا لهذه الأفعال وما ينعكس سلباً على الجالية الإسلامية نفسها في فرنسا، على الرغم أن شارلي أبيدو ليس فعلها بالبسيط،  إلا إن ما حدث هو أمراً في غاية الخطورة وعلى كل الأطراف الوقوف عليه والتفكير جلياً بالأسباب والدوافع والدروس والعبر.

فتماماً كما على المسلمين الحفاظ على دينهم، دين المحبة والتسامح والموعظة الحسنه، وترشيد العقل بين المنافع والمضار، على الحكومة الفرنسية القيام بمراجعة شامله لسياستها الداخلية في تعاملها مع القضايا التي تتعلق بالأديان، ويجب عليها معرفة أن القضايا المتعلقة بالديانات هي خطوط حمراء، ولا بد لها أن تعرف بأن تبريرها لحرية التعبير لها حدود في قضايا الدين، بالإضافة إلى البعد الثقافي، فإن لم تراعي تلك الحدود سينعكس ذلك سلباً عليها وعلى أمنها، ولا بد لها من معرفة أن الجاليات الإسلامية لها حقوقها وطقوسها المذهبية يجب احترامها، تمام كما عليها(الجالية الإسلامية) واجباتها التي تريدها الدولة، سواء فرنسا أو غيرها من الدول، وأخيرا، لا بد من معرفة أن ما حدث في جريدة أبيدو عملاً لا بد من دراسته بعمق وتحليله بكل أبعاده فقد يكون ورائه ما ورائه، بعيداً عن الحكم العام المتسرع، فكم من الأحداث كشفها التاريخ لم تكن تطابق حقيقتها التي أعلن عنها لحظة وقوعها.

* باحث في العلاقات الدولية