الحدث - إسراء أبو عيشة
قتل وتدمير وتهجير، أصاب الآلاف من الفلسطينيين الذين تحولوا إلى لاجئين عام 1948م، في أماكن ليست بأرضهم، ليصبحوا غرباء يقطنون الخيم ويأكلون من ما يتم توفيره لهم من المساعدات الغذائية من بعض الدول، لتأتي الرواية الاحتلال الإسرائيلي بشكل مستمر وبكل بساطة لتدعي بأن خروج هؤلاء الفلسطينيين كان بكامل إرادتهم، وهم من تركوا هذه البلاد.
وقال مدير مركز المسار للدراسات، نهاد أبو غوش، إنه تم الكشف عن وثائق مرعبة عن المجازر والجرائم التي حدثت في النكبة. مشيرا إلى أن هذه الوثائق تعتبر بمثابة أرشيف دولة إسرائيل والحركة الصهيونية والمنظمات العسكرية "الهاجاناة"، وقيادات الحركة الصهيونية قبل قيام الدولة وخلال حرب 1948م، وما تخللها من عمليات قتل وعمليات تطهير عرقي.
وأضاف أبو غوش لـ"الحدث"، أن هذا الأرشيف يوثق العمليات العسكرية التي جرت في ذلك الوقت ويكشف أيضا عن مجموعة مروعة من المجازر المنظمة التي أشرفت عليها وأمرت بتنفيذها قيادة الحركة الصهيونية التي أصبحت فيما بعد قيادة الدولة.
وأوضح أبو غوش، أن هذه الوثائق كشف عنها النقاب قبل أكثر من ثلاثين عاما، من قبل بعض المؤرخين الذين لم يتمكنوا من إبراز وثائق تؤكد ذلك، وبعضهم تراجع عن أقواله، لكن في الآونة الأخيرة، قامت الباحثة الإسرائيلية هاجر شيزيف، بعمل دراسات كشفت من خلالها وجود وثائق تدين الاحتلال الإسرائيلي، كما وظهر لها خلال عملها أن هناك جهات رسمية إسرائيلية تقوم بنزع وإخفاء بعض المستندات والوثائق والأوراق التي تدين قيادة الحركة الصهيونية أو ما يؤشر إلى ضلوع أفراد أو أشخاص أو مؤسسات قامت بتنفيذ جرائم بحق الفلسطينيين، من خلال "عمليات قتل جماعي للمدنيين، إعدام جماعي، اغتصاب لفتيات صغيرات ثم قتلهن، حراق قرى، ترويع السكان وإجبارهم على الهجرة وغيرها".
وأشار أبو غوش، أن الوثائق التي تم الكشف عنها تنسف الرواية الإسرائيلية التي تدعي بأن السكان الفلسطينيين هاجروا طواعية واستجابوا لأوامر قيادتهم بالخروج. مضيفا: التقرير الذي نشرته صحيفة هآرتس العبرية، يبين أن 70% من عمليات الهجرة التي جرت كانت بسبب عمليات القمع والقتل من قبل الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، وينقسم الـ30% المتبقية لأسباب أخرى من ضمنها الحرب النفسية والشائعات التي جرت في تلك الفترة.
وبين أبو غوش، أن هناك أهدافا ملموسة أبرزها ما جرى في قرية الصفصاف في منطقة شمال فلسطين شمال الجليل، والتي وثقتها الباحثة، وتذكر فيها أن وزارة جيش الاحتلال تقوم بالعادة بإخفاء بعض الوثائق في ثلاثة مجالات وهي: الأسرار النووية، علاقات إسرائيل الخارجية، الاتصالات السرية وموضوع النكبة وما حدث خلال تلك الفترة. وأضاف، أن العادة جرت في أي دولة حول العالم أن يتم الكشف عن الوثائق السرية بعد مرور 30 عاما تقريبا، أي بعد مفارقة الأشخاص الذين لهم علاقة بالموضوع الحياة السياسية، لكن المختلف في القضية الفلسطينية أنه وبعد مرور 71 عاما على النكبة وما تبعها من أحداث، تواصل دولة الاحتلال إخفاء هذه الوثائق عن العالم وهذا ما يفسر أن نمط جرائم الحرب المستمر ما زال نفسه، من عمليات تطهير عرقي وتهجير وجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل حتى اليوم مثل الاستيطان والقتل المقصود لعشرات المدنيين في غزة والاغتيالات والإعدامات الميدانية لأن جميعها جرائم حرب مقصودة وتؤكد أن ما جرى خلال النكبة واستمر للعقود التالية ما زال موجودا حتى الآن، وأن الرواية الصهيونية جميعها التي تأسست على أن هذه البلاد لليهود فقط وحق المصير هو لليهود وليس للفلسطينيين حق به، وجاءت هذه الوثائق لتدحض الرواية الإسرائيلية من أساسها وتؤكد وتعزز الرواية الفلسطينية.
وأكد أبو غوش، أن هذه الوثائق تعزز الرواية الفلسطينية إذا تم التعامل معها بشكل حكيم وبشكل فعال، وجرى بناء ائتلافات وطنية ودولية من منظمات حقوق الإنسان من أكاديميين وبرلمانيين لاستخدام هذه الوثائق لفضح وكشف الرواية الصهيونية، من خلال التعاون والتضافر مع الجهود السياسية والدبلوماسية والقانونية، ومن خلال أيضا استخدام الأدوات التي يمكن أن تقدم إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل العليا في لاهاي ومنظمات حقوق الإنسان وسياسة المقاطعة، وكذلك محاولة بناء تحالفات مع الدول الأوروبية، لكشف زيف الرواية الصهيونية، لأن هذه الوثائق توفر للشعب الفلسطيني سلاحا معنويا وسلاحا أدبيا وأخلاقيا يعزز من مشروعية مطالبه.