السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

جنسٌ خلاسي

2015-01-13 06:35:19 AM
جنسٌ خلاسي
صورة ارشيفية

رولا سرحان

أول من استعمل مفهوم "الجنس الخلاسي" كان فريدريك نيتشه الذي تنبأ بنهاية "الأمم المغلقة"، معتبراً أن التغيير السريع للمكان والموطن وحياة الترحال التي يعيشها الفرد ستفضي حتماً ومن خلال عمليات التهجين المتواصلة إلى ميلاد جنس خلاسي من البشر.
 
وإن كان مقصود نيتشة هو مولد إنسان أوروبي هجين غير قومي، فإنه يكون بذلك قد توقع قبل عقود وقبل ميلاد مفهوم العولمة بميلاد ونشأة "الإنسان الكوني". والإنسان الكوني هو ذلك الإنسان الواعي لفرديته ولذاتيته بقدر ما يكون قادراَ على إدراك وفهم "الآخر" بذاتيته وفرديته وإن كان مختلفاً عنه ثقافياً وحضارياً، وهو إنسان يفهم "الآخر" على أساس من إنسانيته دون وجود للحواجز الفكرية المسبقة.

لكن وعلى الرغم من مرور أكثرمن مئة عام على أفكار نيتشه، وحداثة فكرة "الإنسان الكوني"، إلا أنه إلى الآن لا توجد بوادر حقيقية لتطبيق فكرة إنصهار الأمم، ولا توجد بوادر على تفكك القوميات لصالح "القومية الكونية"، وكل ما نراه هو مزيد من انغلاق الإنسان ضد الإنسان، وتجذر الأفكار الأصولية، وانتشار مزيد من التطرف ليس الإسلامي فحسب بل والمسيحي، وقبلهما مزيدٌ من التطرف اليهودي.

والسبب في هذا التطرف هو المنبع الفكري للديانات الثلاث، فالمشترك بين الإسلام والمسيحية يقوم على أساس كونية الانتشار، فالفكر الإسلامي يقوم على أساس أن الإسلام يجب أن يكون "دين الكون"، وكذا الفكر المسيحي فمنذ العصر الوسيط كانت الكنيسة ذات غاية كونية تبشيرية. ويقابل هذا الفكر، الفكر اليهودي المنغلق على قوميته وعلى ذاته باعتباره قومية دينية منفردة تعرّف بذاتها.

من هنا ولدت فكرة الإقصاء، وتوقفت حركة المعرفة بالآخر، وهي مرحلة شبيهة بمرحلة مرت بها الحضارة اليونانية، حين كانت المدينة الإغريقية شديدة الريبة في كل ما له علاقة بتطور المعرفة، لكن ديناميكية الإنسان الإغريقي المتحفزة للمعرفة لم تقيدها تلك الريبة، لأنه وبحسب نيتشه بمجرد أن يضع الإنسان قدمه على طريق التكوين الذهني الصحيح للمعرفة يرى نفسه مندفعاً إلى المضي حتى الحد الأقصى في الرغبة في المعرفة.

لذلك، فإن نقطة البدء في وقف الأصولية والتطرف، وفي خلق "الإنسان الكوني" وفي تكوين "الجنس الخلاسي"، هي المعرفة.