كيف ضاعف الأمريكيون من خراب نتنياهو؟ وكيف زرعوا فيه بذرة قاتلة اسمها الغرور والتعالي على كل زعماء الكون؟
للإجابة عن هذا السؤال هنالك حكاية لم تغب عن الذاكرة، نظرا لأنها ما تزال طازجة....
ذات يوم دُعي السيد نتنياهو لإلقاء خطاب أمام الكونجرس الأمريكي، لم تكن الدعوة بفعل كون الرجل عبقريا، أو أنه في خطابه أمام الكونجرس، سيثري الثقافة السياسية للأعضاء وللشعب الأميركي، بل جاءت بفعل حدة الاستقطاب الداخلي بين الجمهوريين والديموقراطيين، في وقت كانت فيه حساسية أوباما تجاه نتنياهو قد بلغت ذروتها، وبالفعل فُرش البساط الأحمر تحت أقدام رئيس الوزراء الإسرائيلي، وقوبل بعاصفة من التصفيق داخل القاعة الشهيرة، وقيل إن خطابه قوطع بالتصفيق وقوفا في مباراة تزلف بين ممثلي الشعب الأمريكي وصناع سياسة أكبر قوة كونية، وبفعل هذا الاستعراض الصاخب، والبعض قال إنه غير مسبوق، نمت في داخل نتنياهو فكرة أنه الرجل الأقوى في الولايات المتحدة، وذلك يعني بالقياس أنه الأقوى على صعيد العالم، وظهرت ثمار هذه الفكرة من خلال الغرور المتمادي لنتنياهو داخل إسرائيل، وعلى الصعيد الأمريكي، حين وصف الإدارة جرّاء موقف معين بأنها خرجت عن القيم الأمريكية.
وحين يتعالى نتنياهو على أمريكا، فهو حكما يبدو متواضعا بل ومتنازلا حين يتعالى على دولة أقل شأناً من أمريكا، ألا وهي فرنسا، لقد تعامل نتنياهو مع الدولة الأوروبية المفجوعة بخسارة عدد كبير من أبنائها، كما لو أنه يتعامل مع فرع لليلكود، حاول شق عصا الطاعة عن زعامته، أو كما لو أنه يزور مستوطنة كريات أربع في جولة انتخابية.
لقد تحدى نتنياهو رغبة الفرنسيين بتجنب مشاركته في المسيرة التاريخية، وهبط كقنبلة على باريس، وأبى إلا أن ينفجر هناك ناشرا رائحة البارود، ليس في فرنسا وحدها وإنما في العالم كله، وبقدر كبير من التحدي واللامبالاة، وجه صفعة قاسية إلى وجه فرنسا، حين دعى من قلب باريس اليهود الفرنسيين إلى هجر بلدهم والذهاب للعيش في إسرائيل، دون أن يقول وإلى جواره بينيت "أهلا بكم فمستوطنات القدس والضفة بانتظاركم".
لقد تصرف نتنياهو في باريس بطريقة حملت اللياقة الفرنسية المألوفة على الخروج عن طورها، حين قال رئيس الوزراء الفرنسي إن مغادرة يهود فرنسا المائة ألف سيغير شكل فرنسا.
هكذا فعل التدليل الأمريكي فعله في تخريب زعيم يفترض أنه يقود البارجة الأمريكية الأهم في الشرق الأوسط.
لا أحد يطلب من أمريكا أن تعاقب نتنياهو أو أن تقتص منه جراء تطاوله عليها وعلى غيرها من أصدقائها وحلفائها، فهذا أمر من المستحيل تخيله، لكن أن يُكافئ نتنياهو على كل واقعة يُلحق بها الأذى للآخرين فهذا ما لا يقبله أي منطق.
لقد قدم نتنياهو وبينيت استعراضا ثقيلا داخل باريس وعلى مرئ ومسمع كل الفرنسيين والمتعاطفين معهم في جميع أرجاء العالم.
قد يكسب الاثنان بعض أصوات إضافية في الانتخابات المقبلة إلا أنهما لم ينتبها إلى أن إسرائيل خسرت الكثير والكثير جدا بفعل الغرور وعقدة التعالي.