بعد أن أنهى، الثلاثة الكبار، ستالين وترومان وتشرتشل، تقسيم العالم، في مؤتمر بوتسدام، يوم 2 آب 1945؛ أشعل الديكتاتور السوفيتي سيجارته الرخيصة من نوع "جريتسه جافينا فلور"، وقال وسط دهشة الحاضرين: دعونا الآن، نتقاسم القمر!. وظن المترجم، أن ستالين، يقصد تقسيم ألمانيا!، عندها أعاد ستالين القول مرة أخرى، بأنه يقصد تقسيم القمر، وليس غيره!. ولا ندري الآن، كيف تم توزيع الحصص المشاعية بين تلك الدول الثلاث، حتى جاءت ستينات القرن الماضي، لتشهد سباقا في الفضاء بين القوتين العظميين، بعد استبعاد بريطانيا، التي لم تعد تصبح عظمى.
وكانت نتيجة السباق شبه "مؤكدة" لصالح السوفييت، إذ إن كل 20 ساعة تحليق لمراكب الفضاء الأمريكية، كان يقابلها 80 ساعة للسوفييت، (أول قمر صناعي، أول رجل فضاء، أول خروج حر في الفضاء، أول امرأة رائدة فضاء، أول مركبة مزدوجة، حتى أن أول مركبة فضائية "غير مأهولة"، وصلت القمر، يوم 13 أيلول 1959، كانت سوفيتية!)، وفجأة كسب الأمريكيون السباق، بعد أن شاهد العالم على البث المباشر، يوم 20 تموز 1969، نزول أول إنسان "أمريكي"، إلى سطح القمر! ولم يُعلن كيف تم تصوير عملية النزول لأول رائد فضاء! ومن صوره!، حتى إن الفرنسيين، أطلقوا نكتة تقول، إن مركبة فضائية فرنسية، اقتربت كثيرا من القمر، ونجحت بتصوير سطحه بشكل دقيق جدا، عندها طلب الأمريكان من الفرنسيين، تصوير منطقة نزول "أبولو 11"، وجاء رد الفرنسيين: اطمئنوا... لقد تم تصوير المنطقة بشكل دقيق جدا، وما زال العلم الأمريكي يرفرف حتى الآن. وضحك العالم كله على تلك النكتة اللاذعة، أما السوفييت، فلم يبتسموا!
الغريب، أن الأوامر في حينه صدرت من الكرملين لجميع العلماء والعاملين في مجال الفضاء، بعدم إصدار أية بيانات تنفي وصول الأمريكان إلى القمر، لا بل، تم تسريح العشرات من كبار المهندسين والخبراء العاملين هناك ممن همسوا بالشك في مصداقية عملية وصول الأمريكان!. وخيمت على العالم كله، موجة فرح عامرة بالإنجاز البشري، وظهر المشهد العالمي بعد ذلك بانفراج سياسي دولي "فجائي"!، وبدأت البشائر تأتي بإنهاء الحرب الباردة، بين القوتين العظميين، وإنهاء الحروب الساخنة، وخاصة الحرب الفيتنامية- الأمريكية والشرق الأوسط، والبدء بالتعاون المشترك للقيام برحلة مشتركة إلى الفضاء (سايوز-ابولو). وبدأ التحضير على قدم وساق لأول زيارة سيقوم بها رئيس أمريكي لموسكو. وفي أيار 1972، وصل ريتشارد نيكسون، وسط حفاوة بالغة بالضيف التاريخي الكبير، واُعلن عن توقيع العشرات من الاتفاقيات العلمية والفنية والزراعية والرياضية والفضائية، ومع ذلك كان هم القادة الشيوعيين، هو التوقيع على الاتفاقيات السياسية والاقتصادية، والعسكرية، وهو ما تم لهم ذلك. وعليه سمحت اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة والصواريخ الباليستية (معاهدة سالت 1، التي بدأت مفاوضاتها بين البلدين في فنلندا بعد أقل من شهرين فقط على هبوط "الأمريكي على القمر")، بالتخفيف من الميزانية العسكرية للدولة التي كان يقع على عاتقها ميزانية حلف وارسو العسكري!. ومن الجدير ذكره، أن ميزانية الدفاع السوفيتية كانت تستهلك 70-80%، من اقتصاد الدولة الشيوعية.
ومع التبدل الفجائي في اللهجة العدائية بين البلدين؛ ظهر "كرم" أمريكي من الرئيس ريتشارد نيكسون تجاه نظيره الروسي، تمثل بإرسال 3 سيارات فارهة كهدايا لزعيم الحزب الشيوعي السوفيتي (سيارة لينكولن كونتيننتال، وسيارة كاديلاك الدورادو، وسيارة رولز رويس). كما قام الأمريكان بافتتاح مصنع بيبسي كولا!، ومصنع شاحنات ثقيلة ومصانع للكيماويات، والسماح بتصدير أجهزة التكنولوجيا المتطورة، وإنتاج أفلام دعائية عن بطولات الشعب السوفيتي والجيش الأحمر، كما سمحت "واشنطن" بتصدير كميات ضخمة من حبوب الأعلاف إلى الاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى ارتفاع أسعاره في الولايات المتحدة نفسها. ومع ذلك، كان "الحلم الاستراتيجي الكبير" للكرملين، هو رفع "الفيتو الأمريكي"، والسماح للدول الأوروبية باستيراد الغاز السيبيري من موسكو، فيما عرف بـ "صفقة القرن"، التي ستسمح لموسكو بالحصول على مئات المليارات من الدولارات لإنقاذ الاقتصاد المنهك.. "أولا"!، وكان للكرملين نظرة أخرى في تصدير هذه البضاعة الاستراتيجية، كسلاح ناعم لإدارة النفوذ السياسي في "دول الناتو الأوروبية"، وخلق لغة جديدة في الحوار السياسي الدولي، وذلك في حال نشوء أزمات سياسية دولية، وأن تلك الدول لا بُدَ وأن تكون مضطرة للتحاور مع موسكو، حتى وإن كانت عضوا في حلف الناتو.
وأصبحت صادرات النفط والغاز تمثل أكثر من 60% من إيرادات الموازنة السوفيتية، وعليه بدأ الكرملين بترتيب البيت الداخلي، وبناء ملايين البيوت، وتحسين الصناعات الخفيفة، والبدء بتلبية احتياجات المواطن السوفيتي، وتحويل الشعارات الشيوعية إلى حقائق على الأرض، حتى سمي ذلك الوقت "بالعصر الذهبي السوفيتي". ومع ازدياد اعتماد دول أوروبا على الغاز السيبيري؛ أصبح هذا السائل الأزرق أداة سياسية ضاغطة، قد تستخدمها موسكو في التعامل مع الغرب "عاجلا أم آجلا"، وهو ما قام به فلاديمير بوتين مرتين؛ الأولى في عام 2006 حين انتظرت موسكو بفارغ الصبر نهاية عقد بيع الغاز (بالسعر الرخيص جدا) إلى أوكرانيا، حيث يمر عبر أراضيها ثلثا صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا، من أجل رفع الأسعار، وتم لها ذلك. أما المرة الثانية، فكانت في مطلع عام 2009 حين قررت موسكو، لأسباب سياسية، قطع إمدادات الغاز إلى أوكرانيا، وهو ما تسبب في قطع الكهرباء عن ملايين الأوروبيين ليعانوا من وطأة البرد في منتصف الشتاء الجليدي الأوروبي لمدة 20 يوما، لذا جاء الرفض الأوروبي، على إعادة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، خجولا جدا، مقارنة بالرد الأمريكي.
ويقول محللون اقتصاديون، إن أوروبا لن تستطيع خلال وقت قريب إيجاد بدائل كافية لتعويض الإمدادات الروسية من الغاز، وهو ما يعني، استمرار "ارتهان" جزء من القرار السياسي الأوروبي لصالح موسكو، وهو بيت القصيد لسكوت ساسة الكرملين، منذ 50 عاما عن الخديعة الكبرى بوصول الأمريكان إلى القمر.