وعلامةُ رَفْعِهِ الفِكرَة
الحدث.
قطاع غزة بلا كهرباء رغم وجود السولار الصناعي والمنكوبون في قطاعنا الحبيب يصارعون البرد القارص وحدهم رغم أن قاعات اجتماعات الفصائل دافئة وعليها ما لذ وطاب. لكن الشعور الأقسى في غزة هو الشعور باليتم وانسداد الأفق.
غزة وأهلها الرائعين لا يحتاجوا شفقة أو عطفاً أو مِنَّةً من أحد. غزة تتوق للحرية من سلاسل القهر وامتهان البكائيات وتناحر الأخوة ومزاوداتهم على حساب لحمها ودمها.
لمن لم يعرف قطاع غزة عن قرب، غزة مكان ينبض بالحياة والتناقضات. غزة موطن الطاقة التي لا تنضب والإبداع الذي لا يقبل حدوداً أو حواجز مهما عظمت. في غزة مشاعر نقية؛ لأن غزة تحب وتكره وتغضب وتثور بكل صراحة ودونما مواربة. وبقدر قسوة الظروف في غزة، تجد اصراراً على الحياة يلين الحجر وتمسكاً بالكرامة تصغر أمامه كل الشعارات الرنانة والخطابات الشعبوية لأنه وببساطة إصرار لا يتصل بالمزايدات السياسية على شاشات التلفاز ومنابر الإعلام. في غزة هامات كبيرة قهرت قهرها وتستمر في الحياة.
منذ الخطيئة الفلسطينية الكبرى في حزيران ٢٠٠٧، أصر المستفيدون من الخطيئة على خلق مصطلح "شعب غزة" حتى بات من الطبيعي أن تسمع تساؤلاً فلسطينياً صادقاً عن ماهية غياب التضامن مع غزة وكأنها دولة شقيقة وليست من دمنا ولحمنا. ومنذ الأحداث السوداء تلك قبل قرابة الثماني أعوام، امتهن بعض أبطال الخطيئة ومن تساوق معهم وسوق لهم فعلتهم، تقديم غزة على أنها مشروع صدقة. هؤلاء اختزلوا الفلسطيني الحرَ في غزة في صورة إنسان مكسور مقهور يستجدي الشفقة بينما هو في الحقيقة حرٌّ أبيٌّ يسعى لعيش كريم في وطن حر لشعب من الأحرار.
تاريخ غزة وحاضرها يحفل بأمثلة تؤكد على حيويتها وتمسكها بالحياة. منها طل علينا عندليب فلسطين الراقي محمد عساف ليذكرنا بأن القهر في غزة ليس عنواناً للحياة فألهم الملايين من الفلسطينيين وغيرهم حول العالم. ومن غزة أيضاً، طلت فرقة جميلة من الأطفال قبل أيام لتعزف على أوتار قلوبنا وتنسج من نغمات القانون حباً وأملاً وفرحة وألماً. ومن غزة، تواصل العالم مع مدونين ورسامين وناشطين قدموا أمثلة رائعة في الوعي والاصرار والإنسانية. وألهم عقولنا الكتاب والسينمائيين الذين صعدوا إلى قمم الإبداع من واقع غزة وألمها. وقبل كل هؤلاء وبعدهم، أشعلت نار الثورة فينا أيقونات للوطنية الفلسطينية والثورة نهضت بالفنيق الفلسطيني من رماد غزة.
المطلوب لوقف الوضع المرفوض في غزة هو تحمل المسؤولية ووقف بازار الشتائم والترهيب والتخوين والتخلي عن منطق المكاسب مقابل المكسب الأهم: فلسطين - فلا فلسطين دون غزة ولا غزة حرة كريمة دون فلسطين. حتى الحصار الجائر الاجرامي يكون سهل المواجهة إذا ما توقف هذا المنطق الأعوج الذي يختزل اتفاق المصالحة بقشورها ويرهن تحرير غزة من واقعها بمزاجه وقوة سلاحه.
ارحموا غزة!
قبل ثماني أعوام كان هناك قرار سياسي بسلخ غزة عن قلب فلسطين. إنهاء هذه الخطيئة يتطلب تحمل المسؤولية والبحث عن المغفرة من مجتمع شرب كأس المر ودفع ثمن ذلك القرار من دمه وأحلام أطفاله وبقي صامداً ومتمسكاً بكبريائه. قضية غزة ليست معبراً ولا أنبوبة غاز ولا راتباً هو نتاج لحالة الانسلاخ، بل وجوب نهاية قاطعة لاستغلال جراحها وألمها وكبريائها وابتزاز أهلها بأمنهم وحياتهم ودفء أبنائهم.
آن الآوان لتغليب الوطن على الفصيل وخدمة الكل الوطني بدل القبيلة السياسية. كل الخطابات والمزايدات ومحاولات الابتزاز صغيرة أمام الوطن والوطن كريم بكرامة الإنسان فكفوا عن امتهانه والاتجار بآماله.