الحدث- إبراهيم أبو صفية
بعد ظهور وانتشار بعض مظاهر التطبيع بشكل متسارع في أواسط المجتمع الفلسطيني، سواء في بناء علاقات شخصية أو اقتصادية أو سياسية واجتماعية أو لقاءات أمنية؛ أصبح لا بد من المواجهة الفعلية والعملية في التحدي القائم في تذويب الوعي الجمعي في طبيعة العلاقة مع الاحتلال.
إن عملية التطبيع وما تختزله من أهداف في تطويع المجتمع الفلسطيني الأصلاني والقبول بالمستوطنين العابرين، بل وتسهيل حياتهم على حساب المبادئ وحياة الشعب الفلسطيني؛ تحول القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية أو تفرقة عنصرية بعيدا عن جذورها وأساسياتها الثابتة بأنها قضية تحرر وطني من الوافدين لأجل القتل والمصادرة.
لذلك دفعت حالة الهرولة نحو العلاقات مع الاحتلال، وما تفرزه من معطيات ووقائع تساهم في فقدان الأرض والإنسان؛ إلى تبلور فكرة مبادرة تهدف لمحاكمة المطبعين ومحاربة الشخوص المروجين لهذه العلاقة. فأطلق الصحفي والمختص في الشأن الإسرائيلي علاء الريماوي إضافة إلى العديد من الشخصيات الوطنية مبادرة لمحاكمة المطبعين وتقديمهم إلى المحاكم الفلسطينية.
وقال الريماوي لـ"الحدث" إن انتشار حالات التطبيع وكثافة اللقاءات التي تعقدها شخصيات اقتصادية واجتماعية وسياسية مع الإسرائيليين، وكذلك ظهور ما يعرف بالتطبيع الأسري القائم على استقبال مستوطنين وعائلاتهم في الأفراح في بعض القرى الفلسطينية، وبعض الشركات التي تتبع إما لمنظومة أمنية أو سياسية، واندثار ما يعرف بالحصانة المجتمعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كالتفاعل على صفحة المنسق أو ضباط المخابرات الآخرين؛ أصبحت الخشية من اتساع رقعة التطبيع وأن تتحول إلى ظاهرة لا يمكن محاربتها مستقبلا، وخصوصا أن هذه القضية تمس ثقافة المجتمع ووعيه في التعاطي مع الاحتلال، لذلك يجب اتخاذ خطوات عملية ضد المطبعين ووضع خطة لمحاكمتهم.
وأوضح أن مبادرة محاكمة المطبعين تهدف إلى رفع قضايا أمام المحاكم الفلسطينية، ورفع الغطاء الاجتماعي والنقابي عن المطبعين، وكذلك تسليط الضوء الإعلامي على المطبعين لفضح توجهاتهم. مؤكدا على أن المبادرة تستهدف كل الأشخاص والمؤسسات غير الرسمية التي تفتح علاقات مع الاحتلال تحت أي صيغة وعنوان.
وأوضح، أن الشخصيات التي أدارت وتدير علاقات مع الاحتلال في حال تم إعلانها التوقف عن سلوكها، سيتم التوقف عن رفع قضايا بحقها أمام المحاكم الفلسطينية. مؤكدا، على أن محاربة المطبعين ومحاكمتهم ستكون تحت قبة القضاء الفلسطيني، رغم قصره في التعاطي بشأن هذه القضايا.
وأشار الريماوي، إلى أن هناك قوانين ثورية صادرة عن منظمة التحرير الفلسطينية لمحاكمة المطبعين، تمنع على الفلسطينيين الالتقاء بالإسرائيليين، وأن هذه القوانين يجب الاستعانة بها.
ولفت إلى أن 60 شخصية قيادية فلسطينية انضمت إلى المبادرة، وكذلك تم التواصل مع نقابة الصحفيين ونقابة المحاميين وقيادات مجتمعية وكتل طلابية، من أجل بلورة رأي عام داعم وتشكيل حصانة للقائمين على المبادرة.
وحول معايير المبادرة لمحاكمة المطبعين وتداخلها مع لقاءات يعقدها رجال السلطة؛ قال الريماوي إن الذين يقومون بلقاءات تتبع للجان السلطة؛ محاكمتهم ليس من اختصاص المبادرة، وهؤلاء يجب على منظمة التحرير محاكمتهم خصوصا بعد إعلانها مقاطعتها للإسرائليين. منوها إلى أن المبادرة ترفض كل هذه اللقاءات، ولكن تقديمهم للقضاء يكون من قبل مؤسسات منظمة التحرير، مشيرا إلى أن المبادرة الشعبية ستلاحق من هم تحت وصف مجتمعي "تجار، رجال أعمال، شركات رجال العشائر وغيرهم".
وطالب السلطة الفلسطينية بتشكيل لجنة واحدة فقط للتواصل مع الإسرائيليين وليس فتح المجال للجميع أن يقوموا بعقد لقاءات واجتماعات، كون أن هذا الموضوع حساس ومقلق ومرفوض من قبل شخصيات المبادرة الشعبية.
وبين أن اللجنة التأسيسية للمبادرة ستجتمع مع حركة المقاطعة العالمية BDS وحركات المناهضة، من أجل استصدار قائمة سوداء. مؤكدا أنه حتى هذه اللحظة هناك 10 شخصيات و7 شركات يتم جمع البيانات والمعلومات عنهم لكي يتم تقديمهم للقضاء.
وأردف أن المبادرة في مراحلها الأولى، وهي انطلقت عقب الاتفاق على أن القضاء الفلسطيني قضاء وطني، "لذلك نهيب بالمحكمة العليا أن تقبل مثل هذه القضايا".
ولفت إلى أن نقابة المحاميين والحقوقيين، قد أعلنت موقفا داعما ومميزا وأكدت على أن المحامين لن يترافعوا عن الذي سيتم تقديمهم من المطبعين إلى المحاكم الفلسطينية.
بدوره قال المحامي الفلسطيني غاندي أمين، إن الشعب الفلسطيني ما زال تحت الاحتلال، ولم ينجز مشروعه التحرري، وكذلك لا زالت "إسرائيل" متحكمة في حياة الفلسطينيين وممارسة احتلالها، ولا زالت تعرف وفق النظام الدولي على أنها دولة احتلال، لذلك التطبيع معها يعتبر جريمة، وهذا أيضا وف القانون الدولي، "أي أنك تتعامل مع الاحتلال ضد مصالح شعبك".
وأضاف لـ "الحدث"، أن القانون الفلسطيني وقانون منظمة التحرير الثوري يعاقب بالإعدام كل متعاون مع الاحتلال، وكذلك قانون العقوبات الأردني العامل بالأراضي الفلسطينية، ما زال يعتبر التعامل مع الأعداء جريمة.
وأشار إلى أنه حتى اليوم، لم يتم محاكمة أي شخص بسبب التطبيع مع الاحتلال، لافتا إلى أنه فقط تم تقديم بلاغ ضد أشرف العجرمي الذي قال "إن الشعب الفلسطيني خد أمن الاحتلال"، وهذا بحد ذاته جريمة، لذلك ما زلنا ننتظر جواب النائب العام.
وفي ذات السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي ياسين عز الدين، إن ردع حفنة صغيرة من العملاء سيخيف العشرات والمئات من غيرهم؛ فإسقاط مشروع روابط القرى في بداية الثمانينات لم يكلف سوى رصاصة واحدة قتلت نائب رئيسها ثم هرب باقي العملاء وانهارت الروابط.
وأوضح عزالدين، أنه إذا كانت إمكانيات هذه المبادرة هي محاكمة حفنة صغيرة من العملاء فهذه لوحدها ستردع أعدادًا أكبر بكثير، وأن يكون هناك عمل لو بسيط أفضل من السكوت وإبقاء مسيرة التطبيع الخطيرة مستمرة.
وأضاف، أن الذين يطالبون بأن تشمل المحاكمة الجميع ويشيرون بأصابعهم إلى رؤوس السلطة، هؤلاء لا يدركون بأن أي مناداة بذلك ستفشل المبادرة، ولكي يكون هناك شيء عملي، هو بالبدء ببعض العملاء وذلك لا يعني إعفاء الآخرين، وما دامت إمكانيات القائمين على المبادرة محدودة فلن تستطيع محاكمة الجميع مرة واحدة وبالتأكيد لن يستطيعوا محاكمة رؤوس السلطة، فلا منطق من تحميلهم فوق طاقتهم.
وأكد على أن هذه المبادرة لا تعفي فصائل المقاومة من دورها في ردع المطبعين، وليس أقل من التشهير بأسمائهم في الإعلام.