الحدث- إبراهيم أبوصفية
في كل عام ومع نهاية الفصل الدراسي وتقديم امتحانات الثانوية العامة وصولا لمرحلة إعلان النتائج؛ لا بد وأن سمعت بأن النظام التعليمي الفلسطيني "يحاصره الفشل"، وتنهال الانتقادات من شتى فئات المجتمع، محملة التربية والتعليم تقاعسها في تطوير برامجها، وكذلك يرى البعض بأن النظام التعليمي يجب أن يتناسب مع التقدم والتطور ومواكبة العالم في هذا المجال.
لذلك لا بد من الإجابة عن مكامن "الفشل" التي يتداولها الخواص والعوام، بل البحث عن أسباب هذا الفشل، وما هو المطلوب فلسطينيا لتطوير نظام التعليم الفلسطيني، وكذلك أبرز معالم هذا النظام الذي يطالبون به.
وفي ظل المتغيرات الكبيرة والسريعة في العالم وخاصة التقدم التكنولوجي والعلمي وأهمية البحث العلمي في التطوير والبناء؛ يحتاج النظام الفلسطيني لمعرفة مدى ملاحقته للتطور والتقدم العالمي، ومدى إمكاناته المادية المتاحة، وما هي المشكلات التي تعيق ذلك التطور، وما هي الخطط التطويرية للتحسين وحل المشكلات، بإعادة تقييم العملية التعليمية والتربوية من المرحلة الأولى للتعليم المدرسي، ومعرفة الظروف التي تمر بها هذه المرحلة، وأهم الصعوبات والمشكلات المعيقة للتعليم، والعوامل المؤثرة على جودة الإنتاج للمخرجات التعليمية، وهل هناك نسبة زيادة تتجه نحو التطور والتحسن تتناسب مع التطور العالمي أم يوجد تراجع وجمود عما كانت عليه في السنوات السابقة؟.
كما أن أحد أبرز ملامح إخفاق النظام التعليم، أو العوامل التي تساهم بشكل كبير في إخفاق الطلبة في مراحلهم الدراسية، أولا: نقص الصفوف المدرسية وأعداد المدارس ذات البناء الهيكلي والبيئي السليم الذي يتناسب مع أعداد الطلبة المتزايدة في كل عام. إضافة إلى أن حجم عدد المعلمين لا يتناسب مع عدد الطلبة الكلي؛ حيث بلغت نسبة المعلمين المشرفين على المدارس في الأراضي الفلسطينية ما يقارب (66136 معلماً ومعلمة) للعام الدراسي 2016- 2017، ومعدل عدد الحصص التي يجب على كل معلم حكومي أن يقوم بتدريسها أسبوعياً تتراوح ما بين (25 - 30) حصة في الأسبوع، أي بمعدل لا يقل عن (4-5) حصص يومياً، وفي حالة عدم وجود شعبة للمعلم يجب أن يعوضها بدوامه في مكتبة المدرسة أو المختبر، وبمعدل حصة واحد أسبوعية للمعلم أن يقضيها في الإعداد والتحضير للمواد بعيدا عن الاسترخاء والراحة. وكذلك المناهج التعليمية ومدى تناسبها مع المرحلة العمرية للطالب، التساؤل الهام، هل يراعى عند إعدادها النمو العقلي والنفسي والجسدي للطفل، وهل يتم وضعها بإشراف أخصائيين نفسيين واجتماعيين وتربويين، وهل حجم المناهج والكتب المدرسية يتناسب مع بنية الطالب الجسدية؟. وما هو موقف الأهالي الذين يستنفرون عند حلول الامتحانات، ويريدون من أبنائهم أن يبذلوا قصارى جهدهم، كي يخرج الطالب منها بسلام ونجاح، فرغم أن المواد فيها لا تزيد صعوبتها كثيرا عما سبق من سنوات الدراسة إلا أن الشعور العام أصبح أن الامتحانات والثانوية العامة تحتاج لوقت وجهد مضاعف وزيادة في الخوف والتوتر، ولعل لطريقة عرض الامتحانات أو قلة الدراسة من الطلبة للمواد هي من تولد المشاعر السلبية تجاه الامتحانات.
وعودة إلى ما سبق، قال الخبير التربوي، والمحاضر الجامعي، د. إياد الجبور، إنه لا يتم إطلاق حكم "الفشل" على النظام التعليمي ولا بد من إجراء دراسات وأبحاث تؤكد فشله، وهذا لا يعني أن النظام التعليم الفلسطيني يخلو من الإخفاقات والضعف، لأنه مهما اجتهدت في صياغة نظام جديد، إلا أن الملاحظات عليه واردة.
وأوضح الجبور لـ "الحدث" أن مشكلة النظام التعليم الفلسطيني، تكمن بأن القائمين عليه حاولوا إجراء تغييرات تهدف للتحرر من النظام التقليدي، إلا أن التغيير بقي شكليا. موضحا بأن نظام الثانوية العامة حصل عليه تغيير وأتاح فرصا جديدة للطالب، إلا أن النمط لم يتغير.
وأشار إلى أنه من الممكن أن يكون النظام الحالي بثغراته أفضل من أي نظام نحاول تقمصه، وحتى إدراك ذلك لا بد من إجراء دراسات جدية.
وبين، أنه عندما عملت الوزارة على النظام الجديد؛ لم تستشر أو تعقد جلسات حوار مع الدوائر كافة حتى تؤخذ ملاحظاتهم بعين الاعتبار، مشيرا إلى أن إشراك الطلبة والمعلمين والمجتمع في وضع الخطط الجديدة، يساهم في تقليص الفجوة وتتراجع أصوات الانتقاد؛ بسبب أن صياغة النظام ليست عملية احتكارية.
وأضاف، أنه لا بد من الدراسة والإطلاع على تجارب عالمية، ولكن دون نقل التجربة كاملة بإيجابياتها وسلبياتها، كون أن كل تجربة تراعي الظروف البيئية لدولتها. لافتا إلى أن الظروف الموضوعية في فلسطين تختلف عن الظروف الموضوعية لأي دولة في العالم.
وفيما يخص طبيعة النظام الذي يأمل الفلسطينيون في تحقيقه؛ قال الجبور، إن عملية وضع نظام تعليمي كامل لا بد أن تكون مبنية على التشاور مع الجميع، وتستوحى الأفكار من كافة الدوائر، وأن هذا النظام لا يستطيع شخص لوحده وضعه أو فرضه.
وأضاف، أنه لا بدّ أن يشتمل أي نظام تعليمي على الركائز التي تخص البيئة الفلسطينية وهي، أولا: الركيزة الوطنية، أي منهاج يضعف البعد الوطني يكون محل هجوم وانتقاد. ثانيا: الركيزة المتعلقة في المرجعية الفلسطينية، وهو النظام الأساسي الفلسطيني، وأحد بنود هذا النظام بأن الإسلام دين الدولة، فهنا المرجعية دينية إسلامية. ثالثا: العادات والتقاليد والقيم المجتمعية التي يجب ألا يتجاوزها أي نظام جديد، رابعا: عدم الإغفال بأن الشعب الفلسطيني يمر في مرحلة تحرر وطني، وأنه يجب أن نأخذ واقع الاحتلال بعين الاعتبار. وأخيرا المرجعية التربوية والتي تشمل المرجعيات السابقة.
وأشار إلى أنه لا بد من تشكيل فريق كفاءات تربويين مختصين ومعلمين؛ بهدف بناء نظام تعليمي متكامل، على أن يشمل دور هذا الفريق أيضا العمل الميداني وأخذ الاستشارات وتعميق الرؤية.
بدوره، قال الدكتور الإعلام في جامعة بيت لحم، سعيد عياد، إن هناك إخفاقات كثيرة في النظام التعليم الفلسطيني منذ عام 1994.
وأوضح عياد لـ "الحدث" أن المناهج ومضامينها وخصوصا في العلوم الإنسانية بتفرعاتها، حاصرت الوعي الجمعي الفلسطيني، ورغم العديد من التغيرات والتطور، إلا أنها بقيت حاجزا يحاصر الوعي الفلسطيني في جغرافية وتاريخ محدد في فلسطين، وخصوصا ما تم فرضه على المناهج بعد " أوسلو " بما يحدد فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأضاف، أن المناهج الدراسية أصبحت سطحية لا تقدم المعرفة العلمية، ولا تسهم في تثقيف وتوعية المجتمع، وأن المحتوى معد بطريقة لا تسمح بنمو التفكير الإبداعي والناقد لدى الطلبة، وإنما الاعتماد على الحفظ فقط.
وأشار إلى أن من الإخفاقات، عدم تطور أساليب التدريب أو القدرات المهنية للمعلمين، بحيث أصبحوا غير قادرين على مجاراة الأطروحات الجديدة.
وبين، أن الثانوية العامة منذ 5 سنوات لم تعد مقياسا بسبب التجارب التي أجرتها التربية على الطلبة، لذلك تقدم بعض الجامعات اختبارات قبول.
وأردف أنه رغم ما يشار إلى تطور النظام الجديد، إلا أن التغيير كان في الشكليات وليس في المضمون. لافتا إلى أن التعليم الذكي الذي يطبق في بعض المدارس، حتى الآن ضعيف نتيجة استعجال التربية في تطبيقه دون تأهيل البيئة المناسبة له.
وأكد على أنه يجب إعاد النظر في فلسفة التعليم، وما نريد منه، وهل هو أداة من أدوات التحرير وبناء المجتمع، لذلك يجب تحديد الفلسفة تحدد الجوانب المعرفية والقيمية.
في ذات السياق، أشارت الخبيرة التربوية، آمال أبو خديجة، إلى أن المشكلات التي تعاني منها البيئة المدرسية من أجل النمو والتغيير، تكمن بأن المناهج التعليمية لا تتناسب مع المرحلة العمرية للطالب، وأن التساؤل الهام هل يراعى عند إعدادها النمو العقلي والنفسي والجسدي للطفل، وهل يتم صياغتها بإشراف أخصائيين نفسيين واجتماعيين وتربويين، وهل حجم المناهج والكتب المدرسية يتناسب مع بنية الطالب الجسدية، إضافة إلى وجود فجوة كبيرة بين المعلم والطالب بالتواصل فيما بينهما، كما أن هناك انخفاضا في نسبة توفر المعلم القدوة والصالح أمام الطلبة.
وأوضحت أبو خديجة في مقالها "واقع التعليم المدرسي في فلسطين وتطلعاته المستقبلية"، أن الحاجة لتطوير التعليم بشكل عام في فلسطين ضرورة ملحة في ظل المتغيرات السريعة في أساليب نقل المعلومات وانتشارها وطرق التعلم الذاتي القائمة على مواد تكنولوجية متنوعة ، لذا تعتبر هذه الخطوة في مكانها الصحيح إن تم تخطيطها بصورة تتماشى مع المتغيرات المتنوعة في المحيط الاجتماعي خاصة بما يتعلق بتغير النمو العقلي والنفسي والسلوكي للأجيال، حيث بدا من الملاحظ أن هناك نموا متسارعا في المعرفة والتعلم الذاتي لدى الأطفال، وذلك نتيجة التعامل المبكر مع المواد التكنولوجية المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، مما يزيد من الانفتاح المعرفي بصورة أسرع مما كانت عليه الأجيال السابقة.
وأضافت، أن بناء الخطة التطويرية للتعليم تحتاج لخبراء في مختلف التخصصات وعمل دراسات متنوعة تقود لمعرفة أهم المفاهيم والأساليب الحديثة والمهمة التي يجب إكسابها للطفل، تدرس التطورات النفسية والعقلية الملاحظة لدى الأطفال وعلاقتها بالأحداث والتطورات المحيطة.
يبدأ الطلبة في فلسطين بالالتحاق في المدرسة في عمر السادسة، وينهون تعليمهم الدراسي في عمر الثامنة عشر، حيث تنقسم هذه السنين على مرحلتين: الأولى من عمر 6-10 سنوات، التي تتشكل فيها شخصية الإنسان، وتبرز معالمه ومكتسباته من خلال ما يتعلمه الطالب من مفاهيم البيئة المحيطة، والانتباه للمفاهيم والسلوكيات التي تُعلَم للطفل في هذه المرحلة، وهي مرحلة يطلق عليها " تثبيت السلوك"، أما المرحلة الثانية من (10-18) سنة وهي مرحلة بدء المراهقة، وبروز معالم الشخصية وتشكيل وفهم المفاهيم المجردة ليبدأ الاستقلال الذاتي. لذلك فإن أي خطوة في وضع ملامسات نظام تعليم جديد يجب أن لا تتجاوز خصوصيات هذه المراحل.