الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

6 رصاصات في مالطا.. اغتيال الشقاقي في ضوء دراما النشر الجديد والرسالة

زوبعة درامية

2019-07-24 07:30:10 AM
6 رصاصات في مالطا.. اغتيال الشقاقي في ضوء دراما النشر الجديد والرسالة
الشهيد فتحي الشقاقي

 

الحدث ـ محمد بدر

في صباح يوم الأحد، 22 يناير 1995، في تمام الساعة 8 صباحا، في الوقت الذي اعتاد فيه الجنود الإسرائيليون الانتظار في محطة الحافلات عند مفترق بيت ليد بعد عودتهم من عطلة السبت إلى مختلف القواعد العسكرية التي يخدمون فيها؛ فجر فدائي فلسطيني نفسه، قتل وأصاب عشرات الجنود. بعد ثلاث دقائق، فجر فدائي آخر نفسه وسط الجنود الذين حضروا لتقديم الإسعاف للجنود المصابين. 

الشهيدان أنور سكر وصلاح شاكر، من حركة الجهاد الإسلامي، هما من نفذ العملية التي أوقعت 22 قتيلا من جنود الاحتلال. وشكلت العملية صدمة كبيرة لكل المستويات في إسرائيل، وهو ما دفع رئيس وزراء الاحتلال آنذاك يتسحاق رابين للقول: "سننتصر عليكم وسنواصل ضربكم ومطاردتكم، وأية حدود لن توقفنا وسنقضي عليكم".

إن الحدود التي تحدث عنها رابين، هي تلك التي كان يتنقل بينها ومن خلالها أمين عام الجهاد الإسلامي الأسبق الشهيد فتحي الشقاقي، الذي تبنت حركته العملية وأعلنت مسؤوليتها الكاملة عنها. هذه العملية بطبيعتها وحجمها وتوقيتها، كانت كافية لأن يتخذ الإسرائيليون القرار باغتياله، وكانت تهديدات رابين بعد العملية أوضح من أي معادلة أخرى تقف وراء الاغتيال، وردّ الشقاقي على هذه التهديدات، قائلا: "إن حارس العمر الأجل ومستمرون في جهادنا ولن تثنينا هذه التهديدات عن مواصلته، وعزاؤنا دائماً أن الجهاد والثورة ستبقى مستمرة في جميع الأحوال".

في أبريل 2001، كشف موقع "جلوبس" العبري في تقرير خاص نشره بعد اغتيال الشهيد إياد الحردان، أنه بعد تنفيذ عملية بيت ليد اتخذت إسرائيل قرارا باغتيال الشقاقي، وتمت مراقبته على مدار الساعة من خلال استخدام وسائل تكنولوجية، أهمها: التنصت واستخدام طائرات بدون طيار، بالإضافة لمراقبته على الأرض من خلال عملاء الموساد الإسرائيلي.

وفقا للموقع الإسرائيلي، ومن خلال المعلومات التي حصل عليها من جهات أمنية، كان الشهيد الشقاقي يتحرك في سوريا بسيارة مرسيدس سوداء، يرافقه ثلاثة من المرافقين، وفي بعض الأحيان ترافقهم سيارة أخرى من المرافقين، وبسبب محدودية الدول التي كانت تستقبله؛ أصبح من المعروف أي الدول التي يزورها، والتي كانت من ضمنها ليبيا، حيث إن خط سيره روتيني تقريبا، دمشق ـ مالطا ـ طرابلس.

وجاء في تقرير الموقع عن تفاصيل يوم تنفيذ عملية اغتياله: "الساعة 8:10، يقدم الشقاقي جواز سفره المزور إلى ضابط شرطة الحدود في مالطا. يقرأ الضابط الاسم الوهمي: إبراهيم الشاويش، ليبي المولد. يوقع على جواز السفر ويسمح له بدخول مالطا… الساعة 8:30  يلوح بإحدى يديه لسيارة أجرة. يده الأخرى تحمل حقيبة سفر. يأمر سائق سيارة الأجرة بنقله إلى فندق دبلوماسي في بلدة سليما الساحلية، متخذا الاحتياطات التي يعتقد أنها ضرورية: جواز سفر مزور هوية مزورة، فندق صغير في بلدة صغيرة. حلق لحيته، وارتدى باروكة".

وتابع التقرير: "الساعة 9:10، وصل الشقاقي إلى الفندق المكون من سبعة طوابق، قديم الطراز بأسعار منخفضة نسبيًا.. أخبر موظف الاستقبال أنه ينوي البقاء في الغرفة حتى صباح اليوم التالي.. ملأ نموذج الاستقبال، واستلم غرفة في  الطابق السادس، تطل على البحر الأبيض المتوسط، لم يكن للفندق حارس شخصي أو حارس أمن، لكن عناصر الموساد قرروا الانتظار".

وأضاف التقرير: "أراد القتلة أن يكونوا على يقين تام من أن الرجل الذي يراقبونه منذ الصباح هو بالفعل قائد الجهاد الإسلامي. لا أحد يريد أن يقع خطأ غير ضروري..  في مدينة ليلهامر في النرويج في أغسطس عام 1973 قام عملاء الموساد بقتل نادل مغربي يدعى أحمد بوشيكي بعد أن اشتبهوا بأنه القيادي الأمني والعسكري في حركة فتح علي حسن سلامة."

وينقل الموقع عن مصادره الأمنية: "في مالطا، كان هناك مساعد شخصي للشهيد الشقاقي، هو المسؤول المباشر عن اتصالاته، فلسطيني متزوج من فتاة أجنبية، كانت وظيفته جمع رسائل الشهيد ومحاضر اجتماعاته خلال رحلاته المتكررة إلى ليبيا. تبين بعد الاغتيال، أن الهاتف الخاص في منزله في مالطا كان يخضع للمراقبة المستمرة، وتم اكتشاف أجهزة التنصت لاحقًا، والرجل نفسه اختفى بعد الاغتيال، ولم يعد يُعرف عنه أي تفاصيل."

وتابع التقرير: "الساعة 11:30 مساءً، متجر ماركس آند سبينسر، شارع ستراند، على مسافة قريبة من الفندق الذي نزل فيه الشقاقي، يذهب الشهيد مباشرة إلى جناح الأطفال ويشتري ملابس لابنيه الصغيرين، وابنته البالغة من العمر خمس سنوات… في وقت لاحق، قالت فتاتان تعملان في المتجر، إنه كان يتحدث اللغة الإنجليزية "الثقيلة" وكان من الواضح أنه عربي... الساعة 13:10 خرج من المتجر للشارع وكان عدد المارة في الشارع قليل، جزء كبير منهم من عملاء الموساد".

وعن لحظة الاغتيال، أورد الموقع: "الساعة 13:25 ظهر شاب قصير يرتدي وشاح رأس. سحب مسدس بيريتا من عيار 9 ملم مجهز بكاتم للصوت، أطلق النار على رأس الشقاقي، ثم قفز إلى دراجة نارية كانت تنتظره في المكان. وقال شاهد عيان يدعى إبراهيم ألفونسو، وهو موظف استقبال في فندق صغير، لمحققي الشرطة، إن القاتل أطلق ثلاث رصاصات قبل أن يسقط الشهيد على الأرض، ثم أطلق رصاصتين على رأسه بعد سقوطه، وتم العثور على رصاصة سادسة اخترقت إطار سيارة قريبة."

في مارس 1996، ذكرت "يو إس نيوز وورلد ريبورت" الأمريكية، أن الموساد جند فلسطينيًا خلال دراسته في بلغاريا وتم إرساله على وجه التحديد إلى دمشق. وفقا للمجلة الأمريكية، تمكن الطالب الفلسطيني من الوصول إلى مكان قريب من الشهيد الشقاقي وكان شخصية رئيسية في متابعته، واعتقل في دمشق بعد الاغتيال، ولم يعرف عنه أي معلومات بعدها ولم تنشر المجلة اسمه أو أي تفاصيل عنه.

لماذا هذا التقرير وهذه الدراما؟

هذا التقرير الإسرائيلي أو التحقيق الخاص، عمره أكثر من 18 عاما، وبنفس التفاصيل تنشر القناة العبرية 13 تقريرا قالت إنه لاقى صعوبات كبيرة قبل أن يخرج إلى"النور"، وزعمت الصحفية القائمة على التحقيق أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية رفضت نشر التقرير بعد أن كانت قد وافقت عليه، ثم وافقت على نشره بعد أن رفضته، وأغرقت الصحفية الإسرائيلية صفحتها على الفيسبوك حديثا عن الحريات وطالبت الرقابة العسكرية الإسرائيلية بالسماح للصحفيين الإسرائيليين بحرية العمل والنشر، لأن الرقابة العسكرية مصطلح يليق بكوريا الشمالية وليس بإسرائيل، كما تقول.

هذه الدراما التي صاحبت نشر التقرير، كانت زوبعة درامية مماثلة قد سبقت نشره. واستعرض برومو خاص بالتقرير مقاطع فيديو للشهيد الشقاقي بينما كان يضحك بأعلى صوته ويقول إن إسرائيل يجب أن لا تقوم، ثم يعرض صورة لجثته وهي ملقاة على الأرض، وكأن رسالة المشهدين أن الفارق بين الدعوة لتدمير إسرائيل والموت، هي رصاص الموساد فقط.

يأتي نشر التقرير المصور، في ظل موجهة تهديدات وتهديدات مضادة، الأمين العام الجديد لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة أصبح الاسم الأكثر بروزا في الإعلام الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة، كثير من التقارير الإسرائيلية بدأت تناقش بشكل واضح مصير الرجل، في ظل وصفها له بالعبقري والمتطرف والرجل الأقرب لإيران وحزب الله.

يصوّر الإعلام الإسرائيلي النخالة على أنه سيد التصعيد ورجل العمليات المفاجئة على حدود غزة، فبينما كان يناقش في القاهرة المخابرات المصرية بخصوص اتفاق تهدئة مع إسرائيل، نفذ مقاتلون من الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي عملية قنص أصيب فيها ضابط إسرائيلي ومجندة وتلاها موجة تصعيد وصفت بالأعنف منذ عدوان 2014.

بعيدا عن ما كتبته الصحفية الإسرائيلية عن الجدل الذي رافق النشر، كان التقرير الإسرائيلي ابن الرقابة العسكرية وليس غريبا عنها أو خارجا عن قواعدها الأمنية، وتحاول إسرائيل من خلال فتح ملف اغتيالاتها في الخارج بهذه الدرامية والفوقية، أن ترسل رسالة تحذير إلى قادة المقاومة بالدرجة الأولى من أجل الحصول منهم على مواقف أكثر مرونة، وأن تعيد الهيبة لقواتها الخاصة وعملياتها الخاصة، بعد عدة انتكاسات منيت بها هذه القوات في السنوات الأخيرة. وليس هذا فحسب، إن حركة الجهاد الإسلامي تأخذ حيزا كبيرا من الطرح الإعلامي والأمني الإسرائيلي، سواء في مجال البحث أو البروباغاندا، قبل أيام نشر معهد دراسات الأمن القومي مقالة لأحد كبار باحثيه، جاء فيه أن إسرائيل قد تضطر للعمل ضد حركة الجهاد الإسلامي بشكل مركز ومكثف مع مبالغة في ذكر اسم الأمين العام للحركة زياد النخالة كمصدر في تحول خطاب وسلوك الجهاد الإسلامي في الآونة الأخيرة، بمعنى يدرس الإسرائيليون الحركة على منهج النخبة ويرون أنه من الضرورة التعامل مع هذه النخبة، حتى عند حديثهم عن اغتيال الشقاقي، كانوا ينظرون أن اغتياله سبب ضربة قاتلة للجهاد أخذت منها سنين طويلة للتعافي وإعادة النهوض.

وكما أوردنا في قلب هذا التقرير، فإنه لا جديد في المعلومات التي طرحها التقرير الأخير، كل هذه التفاصيل نشرت سابقا، وبالتالي فإن وحدة التحليل يجب أن لا تركز على المعلومات الواردة فيه، بل على التوقيت والمعطيات والسياسات الموجودة اليوم، ومن هذه المنطلقات يمكن القول إن التقرير ليس أكثر من رسالة تحذيرية مشبعة بالذكاء الاستخباراتي.

لكن هنالك ملاحظة مهمة من الممكن الحديث عنها حتى وإن كانت جانبية، وهي أن مقدمي التقرير كانا أكثر حماسة وتبريرا لعملية اغتيال الشهيد الشقاقي من ضباط الاستخبارات الذين قابلوهم، بينما ما زلنا نناقش في إعلامنا ما ننشره عن العمليات الفدائية وما قد يحرجنا.