الحدث المحلي- رولا حسنين
بصوتها المبحوح وعيونها المتورمة جلست أم يوسف أبو حميد من رام الله أو كما يسميها الشعب الفلسطيني "سنديانة فلسطين" تسرد لنا ما تعرضت له في الثاني والعشرين من تموز الجاري، خلال جلسة النطق بالحكم على نجلها الأسير إسلام أبو حميد.
"كادوا يقتلونني، كلهم رجال، أحدهم أمسك بي ولكني استطعت الإفلات منه" مشهد قاسٍ لا يغيب عن ذاكرة أم يوسف، الحاجة السبعينية التي أمضت عمرها تقارع سجون الاحتلال خلف أبنائها الذين لم يتوانى الاحتلال باعتقالهم لسنوات طويلة.
وتضيف لمراسلة "الحدث": "لم أستطع في البداية الدخول الى قاعة المحكمة، حيث كان أكثر من 100 مستوطن داخلها وخارجها، وبدأوا بالصراخعليّ وشتمي، لم تستمر محكمة ابني إسلام أكثر من 5 دقائق، نطقت القاضية بحكم المؤبد عليه وغرامة مالية قدرها 258 ألف شيكل، وأخرجوه مباشرة، وأنا أخرجوني بعد تجمع المستوطنين ومحاولتهم الاعتداء عليّ" مؤكدة أن سلطات الاحتلال لم تسمح لها بالتحدث الى نجلها إسلام، بينما كانت تسمح للمستوطنين بالقاء الشتائم عليها طيلة وقت الجلسة وبعدها.
وأشارت أم يوسف الى أنه عند خروجها من قاعة المحكمة، بدأ المستوطنون بإلقاء الشتائم النابية عليها، الكثير من الكلمات لم تفهمها لأنها بالعبرية، بينما حاول أحد المستوطنين ضربها "أمسك بملابسي ولكني استطعت الدفاع عن نفسي وضربته بحذائي".
ساعتان أمضتهما أم يوسف تحت الاعتداءات والشتائم، تحاول الخروج من بين أيدي المستوطنين وشتائمهم وكاميراتهم، وما أن أخرجتها قوات الاحتلال على بوابة سجن عوفر، حتى تعرضت لوعكة صحية نُقلت على إثرها لمجمع فلسطين الطبي.
وحول حالتها الصحية، قالت أم يوسف لمراسلة "الحدث": لم يكن سبب انهياري هو الحكم على نجلي اسلام بالمؤبد، فالمحامي كان يتوقع ذلك، وأبنائي الخمسة "يوسف وناصر ونصر وشريف ومحمد" يواجهون ذات الأحكام، ولكن اعتداءات المستوطنين عليّ واستفزازهم لي كان لها وقع عليّ.
وبنظرة تأخذها الى ذلك اليوم، تبتسم أم يوسف والدة 6 أسرى وشهيد، عندما تستحضر ابتسامة نجلها إسلام داخل قاعة المحكمة "ابتسامته قهرت المستوطنين، لم يعجبهم الحكم المؤبد على إسلام، يريدون حكماً أكبر من ذلك، وكأن الاحتلال باقٍ الى هذه السنوات كلها".
30 عاماً والسجون تشهد على زيارتها
منذ 30 عاماً، تتنقل أم يوسف بين سجون الاحتلال لزيارة أبنائها الأسرى، وهي أم لـ 10 شبان وفتاتين، اعتقلهم الاحتلال جميعهم على فترات عدة، ويواصل اعتقال 6، خمسة منهم يقضون حكماً بالسجن المؤبد " ناصر، نصر، محمد، شريف، وإسلام"، وسادسهم "جهاد" تحت مقصلة الاعتقال الإداري منذ نحو 3 سنوات. أما نجلها عبد المنعم أبو حميد، فقد استشهد برصاص الاحتلال عام 1994، بعد مطاردته، فيما هدم الاحتلال منزلها 3 مرات. أسماؤهم حملت معاني التضحية وكان فعلها كمعانيها.
ورغم تردي أوضاعها الصحية، إلا أن أم يوسف أبو حميد أصرّت في اليوم التالي للذهاب لزيارة أربعة من أبنائها الأسرى في سجن عسقلان، وهي التي لا يسمح لها الاحتلال بزيارتهم شهرياً إنما يصدر تصريحاً مرتين فقط في العام، بحجة أنها مرفوضة أمنياً.
45 تقسم على أبنائها الأسرى خلال الزيارة!
ذهبت أم يوسف الى "عسقلان" تسارع الخطى، شوقها لفلذات أكبادها أقوى من تعبها الصحيّ، كيف تبدد فرصة زيارتهم وهي محرومة منهم منذ سنوات. وحول ذلك تقول: ذهبت لرؤية أبنائي في "عسقلان"، في طريق الذهاب يكون شغفي مرتفعاً إذ أني سأراهم، أتصبر أمامهم ولن أسمح لعدونا أن يرى ضعفي أو يشعر به، أما في طريق العودة فيكون ألمها وحسرتها عليهم وعلى انقضاء أعمارهم في سجون الاحتلال، حلمها أن يتحرر، وأملها في الله فقط".
وعلى اعتبار أن زيارة الأسرى تتم فقط في 45 دقيقة، فإن هذه الدقائق يقتسمها أربعة أبناء لها في "عسقلان"، واثنين في "ريمون"، ما يعني أن أم يوسف بالكاد تستطيع التحدث الى أبنائها والاطمئنان عليهم.
أم يوسف، سنديانة فلسطين الشامخة، والدة 12 ابناً وبنتاً وجدّة لـ 31 حفيداً، بعضهم يحمل اسم أبنائها، وجميعهم يحملون ملامحهم.