من يطالبون بالأمن على حساب الحرية، بالنتيجة سيخسرون أمنهم وحريتهم، قياسا عليه، من يطالبون بالإصلاح على حساب حقوق الإنسان، لن يحصلوا على الإصلاح، وسيخسرون حقوق الإنسان. هذا حال خطاب حقوق الإنسان الجديد، خطاب أفضل ما يقال عنه إنه بائس، لكن هناك مستفيدين، من يعرف أبجديات صراع السلطة يعرف من هم، ولا شك أن المدافعين عن حقوق الإنسان الجدد أحدهم.
لن نقول إن الإصلاح غير دستوري، لأن خطاب حقوق الإنسان الجديد لا يبالي بالدستورية ولا بالقانونية، هو يدعم مبادئ الميكافيلية، الغاية تبرر الوسيلة، ولو كانت الوسيلة استعمال كل أدوات الشر، ومنها القرار بقانون. سنخاطبهم بنفس هذا الخطاب، لكن قبل ذلك، للتذكير، فإن البديل عن حكم الدستور والقانون هو حكم الشخص، والبديل عن سيادة القانون، هو سيادة (السيد). وغاية الدستور واحدة وحيدة، حماية حقوق الإنسان وحرياته.
كيف ذلك؟، ببساطة، هناك ثلاث سلطات، منشقة عن السلطة الأساسية، وهي سلطة الشعب، صاحب السيادة، وحتى يمارس الشعب سيادته لا بد من حماية حقوق وحريات أفراده، على المستوى الفردي والجماعي، ومن هنا تأتي أهمية حماية النظام الدستوري للحقوق والحريات، وحتى يكون هناك نظام فعال لحماية الحقوق والحريات يأتي مبدأ الفصل بين السلطات، كضمانة لحماية الحقوق والحريات، وكضمانة لممارسة السيادة من قبل الشعب، عموم الشعب، وليست قلة قليلة لا تأبه إلا لمصلحتها، ولا يعنيها سوى تعزيز نفوذها، ولو على حساب حقوق الأفراد وعلى أجساد من يقف في طريقهم.
هذا يعني، لا حقوق وحريات، ولا سيادة للشعب، بدون مبدأ الفصل بين السلطات، ولا قيمة لمبدأ الفصل بين السلطات إذا لم يكن هدفه أفضل حماية للحقوق والحريات. ومبدأ استقلال القضاء منشق عن مبدأ الفصل بين السلطات ولا يقوم بغيابه، وواهم من يتخيل وجود استقلال قضاء، بدون مظلة الفصل بين السلطات.
على خلاف الحس السليم، أو الفطرة الصحيحة، ودعسا على أبجديات مبادئ، الحكم الرشيد، تتحالف السلطة التنفيذية مع المدافعين الجدد عن حقوق الإنسان، ويقررون مجلس قضاء أعلى انتقاليا، تم تشكيله بصورة انتقائية، وقد يسميها البعض انتقامية، لكن وفقا لمفاهيم حقوق الإنسان، التي من المفترض أن يكونوا على علم بها؛ تسمى اعتباطية. أي تدخل اعتباطي في المبادئ الدستورية، حقوق الإنسان، وهذه المبادئ والحقوق، من ضمن أخرى، الحق في الكرامة، والحق في الدفاع، والحق في الأمن الوظيفي، وعدم الرجعية، وحظر العقوبات الجماعية، وحظر التمييز، والمساواة أمام القانون، واستقلال القضاء، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات.
الحقوق السابقة وغيرها، من المبادئ الدستورية، مما لا يسع المقام لذكره ليست مطلقة، ترد عليها استثناءات، تتعلق بالمصلحة العامة، وحقوق الآخرين، لكن حتى يكون الاستثناء مقبولا يجب أن لا يكون اعتباطيا، وأن يؤدى بالضرورة لتحقيق المصلحة العامة، أي يتوقع حتما أن يؤدي، ولا يقوم فقط على مجرد التمني بأن يؤدي إلى تحقيق المصلحة العامة. ومن يعود إلى خطابات المدافعين الجدد عن حقوق الإنسان يجد أن خطابهم يقوم على أمل أن يؤدي وليس على الجزم بالعلاقة بين التدخل والمصلحة العامة.
الأمر لا يقف عند هذا الحد، يتم منح شخص أو مجموعة من الأشخاص، صلاحيات استثنائية، وهي أيضا اعتباطية، أي أنها لا تقوم على معايير حقوقية ولا يمكن لاحقا مراقبتها، لأن مراقبتها تقتضي التحقق من ادعاء تحقيقها للمعايير التي منحت على أساسها، وعودة على بدء، إذا كان المعيار اعتباطيا، فإن التحقق من ممارسة الصلاحية يكون أيضا اعتباطيا، وهذا بدوره ينال من الحق في مراجعة قضائية فعالية لانتهاك الحقوق والحريات، والمبادئ الدستورية.
من يراجع الخطابات السابقة، سواء تلك الصادرة عن السلطة التنفيذية، أو تلك التي تمثل الخطاب الحقوقي الجديد، يجد أنها تستند إلى مبدأ سيادة (السيد)، وهو ما يفترض محاربة المؤسسات الحقوقية له، لكن ما هو حاصل، أنها تنادي به، وتدعمه، وتدعي أنها ستراقبه، أنها ستراقب ما لا يمكن مراقبته، وبعد إهدارها لأسس أو معايير الرقابة الدستورية والحقوقية. وهذا يعني انتصار مبدأ الطموح الشخصي، على حساب مبدأ سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وحرياته، وواهم من يعتقد أن هذه حالة تؤسس لإصلاح.