قبل عدة أيام، أعلن اتحاد المقاولين الفلسطينيين مقاطعته للعطاءات المطروحة من قبل أي جهة رسمية، وذلك في خطوة احتجاجية على تأخر وزارة المالية في دفع مستحقات المقاولين.
ولمن لا يعلم، فإن أوضاع المقاولين الفلسطينيين المالية بشكل عام في أسوأ حالاتها، ومعظمهم مهدد بالإفلاس (حتى قبل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد ووزارة المالية خصوصا)، وذلك لأسباب كثيرة أود الإشارة هنا إلى بعضها:
أولا: قانون الشراء العام الذي يفرض إحالة العطاءات على أقل الأسعار (رغم معرفة الخبراء بأن السعر المقدم من المقاول أقل من سعر تكلفة العطاء).
ثانيا: نظام تصنيف المقاولين والذي يتيح للعديد ممن لا يملكون الخبرة اللازمة والإمكانيات الفنية والمالية بأن يتربعوا على أعلى درجات التصنيف، وبذلك يساهمون في تدمير هذا القطاع وتدمير أنفسهم ماليا.
ثالثا: المكاتب الاستشارية التي ترى في المقاول مجرما حتى تثبت براءته (وليس جميع المكاتب)، ولا تتعامل بروح العدل بصفتها "حكما عادلا" بين المالك والمقاول، وإنما كأجير لدى المالك وتحمي مصالحه فقط.
ويجري التنافس بين معظم المكاتب الهندسية على أساس (من يستطيع قهر المقاول أكثر)، في محاولة منهم لكسب ثقة الزبائن والتوفير عليهم ولو على حساب حقوق المقاولين.
والقلة القليلة تعرف بأن المقاولات هي صناعة وطنية مهمة للبلد مثل أي صناعة أخرى، والأكثر تشغيلا لليد العاملة، وتساهم بشكل عظيم في رفع شأن الاقتصاد الوطني.
علما بأن المساهمة في تدمير أي مقاول لا تعتبر إنجازا وإنما جريمة بحق الوطن.
رابعا: النظام القضائي الذي يوجد عنده قصور واضح في فهم مشاكل هذا القطاع وخصوصيته، وضرورة إيجاد محاكم خاصة بهذا القطاع من أجل البت في قضاياه بصورة سريعة وفعالة.
خامسا: القطاع المصرفي لديه أيضا مشاكله في التعامل مع خصوصية هذا القطاع، وخصوصا في هذا الظرف الصعب (وللأمانة فهذا القطاع الأكثر مواكبة للمتغيرات التي تطرأ على أرض الواقع) ولكننا دوما نطمح للأفضل.
ولكن أهم المشاكل برأيي المتواضع، تتمثل بالمقاولين أنفسهم وانخفاض الوعي لدى الكثيرين منهم (وأشفق عليهم بشدة)، بحيث يقومون ولغرض البقاء في السوق فقط بالمنافسة السعرية بأقل من سعر التكلفة (وأحيانا بنسب عالية)، وبذلك يضرون بأنفسهم وبالمالك وبالمشروع نفسه وجودته وموعد تسليمه للمستفيدين منه، وبزملائهم الذين يعملون بمهنية عالية ولا يستطيعون الفوز أو المشاركة في هذه اللعبة الخطرة على مستقبل القطاع والوطن بأسره.
أما القطاع المهم والحيوي الآخر، فهو قطاع التطوير العقاري بشقيه السكني والتجاري، فهنا حدث ولا حرج، حيث إنني أعتقد أيضا بأننا قد بدأنا نعيش مرحلة بالغة الخطورة في هذا القطاع، وتتمثل بالآتي:
أولا: عدم وجود دراسات شاملة لاحتياجات السوق للمباني التجارية والسكنية وأماكن الاحتياج ونوعية المباني المطلوبة (فالجميع تقريبا يقوم بالتشييد للمباني لأنه لا يوجد أي فرص استثمارية أخرى)، وبدون دراية كافية عن وضع هذا القطاع.
ثانيا: تدني النوعية والمواصفة وعدم وجود ضوابط (تقريبا) لعملية البناء والالتزام بالحد المقبول من المواصفات (رغم أنني أشهد بأن المستوى عموما مرتفع مقارنة بما هو موجود في دول الجوار).
ثالثا: تدني القدرة الشرائية لدى المواطن الفلسطيني (رغم الاحتياج الشديد للسكن)، حيث إن أسعار الشقق أعلى من قدرة المواطن العادي على الشراء ولأسباب خارجة عن إرادة المطور نفسه؛ فأسعار مواد البناء عالمية، وتكلفة اليد العاملة مرتفعة نسبيا، وأسعار الأراضي أيضا مرتفعة للغاية.
رابعا: أسعار الفائدة العالية نسبيا على قروض السكن، مما يحد من قدرة هذا القطاع على التطور والنمو المطلوب.
خامسا: وجود فائض كبير من الشقق غير المكتملة وغير الجاهزة للسكن، بسبب عدم وجود مشترين قادرين وعدم قدرة المالكين على إتمام الأعمال لأسباب مالية وغيرها. وهذا بدوره يجمد مبالغ مالية كبيرة كان من الممكن استثمارها في مجالات أخرى.
وهنالك العديد من المشاكل التي توجد في هذا القطاع والتي تستوجب من أصحاب القرار دراستها ومحاربتها على الفور.
والخلاصة: البلد يعيش أزمة اقتصادية سياسية خانقة، وأهم القطاعات الاقتصادية مهددة بالانهيار. فماذا نحن فاعلون (وأنا أعلم تماما صعوبة عمل الكثير في هذا الظرف الحساس).
ولنا لقاء قريب حول قطاع اقتصادي هام يعاني من مشاكل مزمنة وبحاجة لتدخلات كبرى لإنقاذه.
أنا فقط أقرع جدران الخزان في الوقت الذي يجب قرعها به (قبل فوات الأوان).
والله من وراء القصد
*المهندس أسامة عمرو، رئيس اتحاد جمعيات رجال الأعمال الفلسطينيين