الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ما بعد "وارث الشواهد" "ليتني كنت أعمى" لوليد الشرفا

2019-07-31 09:33:37 AM
ما بعد
د. وليد الشرفا

 

الحدث - إسراء أبو عيشة 

أصدرت دار الأهلية للنشر والتوزيع في عمان رواية "ليتني كنت أعمى" للمحاضر والروائي وليد الشرفا، والتي تعتبر الثالثة من سلسلة رواياته، وترصد الرواية بداية التحولات السياسية والاجتماعية بعد الاعتراف والسلام وصولا إلى ما حدث بعد عقدين وأكثر.

وقال الدكتور وليد الشرفا لـ "الحدث"، إن رواية "ليتني كنت أعمى"، تعتبر مفارقة كبيرة لبطل الرواية الأعمى، الذي تمنى لو أن عماه قد تقدم بضعة أيام حتى لا يرى ما كان لا يجب أن يرى، وهي حالة رمزية ناتجة عن رؤية مشاهد من الخيبات والهزيمة، وانكسار الأحلام التي عاشها الأبطال، حيث يصبح التمني أحيانا بأن تتوقف الحواس لكي يتم التفاعل أكثر مع الخيبة، وهذا ما عاشه البطلان، اللذان أصبحت حياتهما استغراق في جحيم الذكريات، وأصبحت التساؤلات تكثر، لماذا حدث كل هذا، ولماذا لم يحدث ذلك؟.

وأضاف الشرفا، أن شهادات الهزيمة أو الاعتراض، لا تأتي من شخصيات هامشية، وإنما تأتي من أبطال دفعوا الثمن وهم الأقل قدرة على الاستعراض.

الانتظار أفضل من الوصول للهدف

وأشار الشرفا إلى أن قصة الرواية، تتمحور حول لقاء يجمع بين "علي وياسر"، وعلي هو عائد وكان مصورا ومقاتلا شارك في معركة بيروت بكامل تفاصيلها، وعاد إلى فلسطين ولم يتأقلم ويستوعب الزمن الجديد، فهو يحلم ويريد أن يعود إلى بلده عكا، كان دائم الحنين إلى الزمن القديم، فهو يريد أن ينتظر ويواجه، فكان يقول  "الانتظار أفضل من الوصول أحيانا، الوصول إلى نقطة لم تكن يوما من الأيام هدفا"، تأتي الانتفاضة الثانية ويعود مرة أخرى ليتصالح مع نفسه ويذهب ليصور في مدينة نابلس في ذروة الاجتياحات هناك، فيصاب بشظية يفقد على إثرها بصره، وهو في طريقه إلى المستشفى بسيارة الإسعاف يلتقي مع ياسر الشاب الذي أصيب في معركة جنين إصابة بالغة، ويكون اللقاء في خضم حالة تهريب جثث تعود لشابين كما قال سائق الإسعاف بحالة عبثية، ويبدأ هنا استرجاع للذكريات بشكل سريع، ويصلان إلى المستشفى ويفقد علي بصره، وياسر يفقد قدمه، ويصبحان جسدا واحدا، وتبدأ رحلة علاج طويلة لهم في المستشفى، ليخرجا إلى الضوء ويجدان أن العالم ليس كما كان في غرفة العمليات ولا في المقبرة الجماعية التي كانت في مستشفى رام الله في ذلك الوقت، ويخرجان إلى الشارع ويكون "علي يجر ياسر بالكرسي المتحرك وياسر يدله على الطريق" ليجدان أن العالم مشغول في زحمة الرواتب، وأن الشمس حارة جدا، وأن زحمة السير لم تكن من قبل، والطرق قد تغيرت، فيبدأ الناس بالصراخ والسخرية منهما، ليأتي أحد الأشخاص ويخبرهما بأنهما يسيران عكس السير، فقد أصبحا صغيران أمام هذا العالم الكبير الذي تحول بعد تشكيل المؤسسات والعودة الفلسطينية.

الرهان التائه

وأوضح الشرفا، بأن الشعب الفلسطيني، في حالة من التيه والظلام والخذلان لكثير من الرهانات، "فنحن في حالة خسارة للإنسان والبطل، لأن الرهان على إنسانية العدو في أي معركة، تدل على أنك لست محاربا، والحالة الفلسطينية تعيش هذا الرهان، وتتساءل دائما لماذا لا يوجد أخلاق لدى الاحتلال؟، وهذا يعتبر قمة الهزيمة السياسية والأيديلوجية. وأضاف أن الأدب إذا كان متحررا من الرهانات الأيديولوجية، وفكرة الوعي الحتمي يستطيع أن يضيء المناطق المظلمة والهامشية في التحولات الكبرى.

وبين الشرفا، أن الروايات والأدب وسرد الذات هي محاولة تحديث الاستعراض السياسي إلى نوع آخر من الاستعراض وهو استعراض العالم المظلم، من الإنجاز والأمل والتحدي، حيث إن النص الروائي اذا أراد أن يكون حقيقيا يفضحه، لأن منظمة الأدب التاريخية تتجاوز استعراضا سياسيا وحرذقات المؤسسات لصالح لحظة المصالحة التاريخية البعيدة عن الرهانات.

وأفاد الشرفا، أن الاستعراض والانتفاخ السياسي، يكشفان أن هناك خيبات كبيرة، ومن خلال الأبطال نكتشف بأن هناك تراجعا كبيرا في الجمع والحلم الكبير بالعودة، وبأن هذه الأمور تتراجع لصالح الأحلام الصغيرة، وبأن الأحلام الصغير يستخدمون الأبطال وإنجازاتهم لصالح أحلامهم مستعرضين ذلك بقوة الشعارات، وقد بدأت النزاعات الفردية الفلسطينية بالظهور بعد الخروج من بيروت وهزيمة الثورة كقوة مادية، وهذا ما رصدته رواية "القادم من القيامة"، فأصبح هناك انكسار للحلم الكبير لصالح "الأنا"  "الوظيفة، الراتب، ..."، أصبح الحلم من الماضي. وهذا ما يتبين لأبطال رواية "ليتني كنت أعمى" بأنهم كانوا أبطالا أفرادا، وهذه هي صرختهم.

فكرة ليتني كنت أعمى تتمثل في أن الأبطال الفرديين بدأوا يعرفون أنهم كانوا أفرادا وهذه هي صرختهم.

ويشار إلى أن الدكتور وليد الشرفا، حاصل على الدكتوراه في الأدب العربي من الجامعة الأردنية عام 2006 في تحليل الخطاب في أعمال إدوارد سعيد، ويعمل كأستاذ إعلام ودراسات ثقافية في جامعة بيرزيت. وحاصل على الماجستير عن أطروحته حول بواكير السردية العربية خاصة أعمال جبران خليل جبران.