الثلاثاء  26 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حمار أزرق وفيل أحمر/ بقلم: د. سامر العاصي

2019-07-31 01:28:05 PM
حمار أزرق وفيل أحمر/ بقلم: د. سامر العاصي
د. سامر العاصي

 

منذ العام 1845، وحتى يومنا هذا، لا تزال الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تجري بتقاليد غريبة عنا بعض الشيء، فهي تجري مع أول يوم ثلاثاء، بعد أول يوم "اثنين"، من شهر نوفمبر، مرة كل 4 سنوات. وارتبط موعد الانتخابات، بكون الولايات المتحدة، آنذاك، كانت بلدا زراعيا، حيث يكون المزارعون الأمريكيون، مع بداية شهر نوفمبر من كل عام، قد انتهوا من عمليات الحصاد. وفي العام 1828، اختلف الساسة الأمريكان فيما بينهم، حول قيام نظام فيدرالي يجمع الولايات الأمريكية المختلفة، مما أحدث انقساما في الحزب القوي الذي كان يسمى بالحزب (الجمهوري-الديمقراطي)، الذي قام بتأسيسه الرئيسان الثالث والرابع للولايات المتحدة، توماس جفرسون وجيمس ماديسون، ليظهر حزب سياسي جديد، سمي، بـ "الحزب الديمقراطي". 

واتخذ مرشح الحزب الجديد، للرئاسة الأمريكية آنذاك، الجنرال العنيد والصارم "جدا"، أندرو جاكسون، أن يكون شعار حملته الانتخابية هو "لنترك الشعب يحكم"، مما جعل منافسيه يسخرون منه، واصفين الرجل بالساذج والشعبوي، وبأنه عنيد كالحمار. واستغل جاكسون، بشكل إيجابي، وصف منافسيه له بالحمار!، فقام باعتماد هذا الحيوان، شعارا لحملته الانتخابية، لما يتميز به الحمار من الصبر والقوة وتحمل المشاق، واصفا نفسه بالمرشح القوي والصبور والعنيد، وهي الصفات التي يجب أن يتسم بها القادة، سواء في خوض المعارك العسكرية أو السياسية. وأضاف جاكسون، بأن الحمار، يمثل الحزب الأقرب من الناس وهمومها. ثم اختار الرجل، حمارا رمادي اللون، وألصق على ظهره شعار حملته الانتخابية، وسار على ظهره، بين البلدات والقرى والمدن المحيطة بمكان سكانه، من أجل الدعاية لبرنامجه الشعبوي، ضد منافسه "النخبوي"، الذي كان يظهر، على أنه "برجوازي"، بعيد عن هموم الشعب، وليس قريبا من هموم عامة الناخبين. وازدادت سخرية منافسي الحزب، من المرشح جاكسون، خاصة، أن أحد أسماء الحمار، باللغة الإنجليزية، تعني وتلفظ، جاكس Jakass.

ونجح أندرو جاكسون، في الانتخابات الرئاسية، ليصبح "أول رئيس ديمقراطي" في تاريخ الولايات المتحدة، وسابع رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، ثم أُعيد انتخابه لولاية ثانية، بعد أن أُطلق عليه لقب "الرئيس الصعب". وفي العام 1854، ظهرت انشقاقات في الحزب "الأم"

الحزب الديمقراطي-الجمهوري، نتج عنها ظهور الحزب الجمهوري، وبدأت ملامح المنافسة تظهر في الحملات الانتخابية، بين الحزبين الكبيرين، الديمقراطي والجمهوري، وبدأ الفريقان بتوجيه التهم المختلفة، لبعضهم البعض، والسخرية من البرامج الحزبية والشعارات الدعائية.

وظل الحزب الديمقراطي، منذ تأسيسه، حتى بداية العام 1861، مسيطرا على البيت الأبيض، عندما نجح أول مرشح للحزب الجمهوري، أبراهام لينكولن بالفوز في سباق الرئاسة الأمريكي، بعد أن استعان الحزب الجمهوري، عام 1860، بحيوان "الفيل"، شعارا لحملته الانتخابية، لما يتميز به الفيل من ذاكرة قوية وقوة هائلة وشراسة عند الغضب، تجعله يدوس كل ما يعترض طريقه، ويقضي على خصومه. وقال رسام الكاريكاتور الشهير، توماس ناست، إنه اختار الفيل الضخم، للدلالة على كثرة المال، لدى الجمهوريين، إضافة إلى صوتهم الانتخابي الوازن. ومنذ ذلك الحين، تحول الفيل، إلى شعار للحزب الجمهوري.

وفي ينايركانون الثاني، من العام 1870، نشر "توماس ناست"، في مجلته الأسبوعية "هاربر"، رسما كاريكاتوريا، يُظهرُ فيه حمارا أسود اللون، يركل أسدا ميتا، في إشارة منه إلى المثل الإنجليزي الذي يقول، إن حمارا حيا أفضل من أسد ميت. وقد نال الكاريكاتور، نجاحا باهرا وسط مؤيدي الحزب الديمقراطي، بعد أن أصبح الرسم الكاريكاتوري هذا، حديث وسخرية الشارع الأمريكي، ليتحول بعدها الحمار، إلى رمز سياسي، ناجح للحزب الديمقراطي، ومع ذلك، وحتى اليوم، لم يتخذ الحزب الديمقراطي، من الحمار، رمزا "رسميا" له!. الغريب ذكره، أن العملة الامريكية الحالية، من فئة العشرين دولارا، ما زالت، حتى اليوم، تحمل صورة الرئيس "الحمار"، (سيتم استبدالها في العام 2020). لكن الفيل لم يتحول إلى شعار سياسي للحزب الجمهوري، إلا في العام 1874، بعد أن فاز الرئيس الجمهوري، "يوليسيس جرانت" بولاية ثانية، عام 1874، عندما قام، "توماس ناست" برسم فيل ضخم مذعور يحطم كل ما تطؤه قدماه، بعد أن كتب على جسمه عبارة (الصوت الجمهوري).

وجاءت المفاجأة، بعد أشهر قليلة، عندما فاز الحزب الديمقراطي، بأغلبية أصوات مجلس النواب؛ إذ قام الرسام "توماس"، بنشر رسم كاريكاتوري لفيل ضخم، وهو يتهاوى نحو حفرة هربا من حمار لبس جلد أسد ميت!. 

يذكر أنه، في بداية القرن الـ 20، استخدم الحزب الجمهوري، شعار النسر، في حملته الانتخابية، في ولايات إنديانا وأوهايو، بعد أن استخدم الحزب الديمقراطي، شعار الديك في نفس تلك الولايات. الطريف ذكره أيضا، أن الحزب الجمهوري قدم اعتذاره مرة للهنود (من الهند)، بسبب إعلان انتخابي، كان يفترض أن يكسب ودهم، فإذا به يسيء إليهم!؛ فقد جاء نص الإعلان الانتخابي الموجه للهنود، بسؤال يقول:

 - "عزيزي الناخب!... هل تريد أن تعبد الحمار أم الفيل؟ (ولم يكن أصحاب السؤال، يعرفون أن الفيل، في الهند، هو "الإله غانيشا"، الذي يُعبد، ويُحج إليه، وله معابد وأتباع أكثر بكثير من أتباع الحزب الجمهوري في أمريكا نفسها!           

الجدير ذكره أيضا، أنه وحتى العام 1854، حكم الولايات المتحدة الأمريكية رئيس واحد من الحزب الفيدرالي الأمريكي، أعقبه 4 رؤساء من الحزب الديمقراطي-الجمهوري، تلاهم 4 رؤساء من حزب اليمين الأمريكي، ومنذ العام 1854 وحتى اليوم،  ما زال الحزبان (الديمقراطي والجمهوري) يتناوبان على المكتب البيضاوي في البيت الأبيض. وقد فاز الرؤساء الديمقراطيون، بمنصب الرئاسة 16 مرة، كان أشهرهم: أندرو جاكسون "الحمار"، وروزفلت، وترومان، وكيندي، وكارتر، وكلينتون، مقابل 19 مرة، فاز فيها الجمهوريون، وكان من أشهرهم، لينكولن، وأيزنهاور، ونيكسون، وريجان، وبوش (الأب والإبن)، والفيل ترامب. ولم يحكم أمريكا رجلا مستقلا منذ استقلالها، سوى رجل واحد هو جورج واشنطن.