السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هُنَاك أنَاسٌ لاَ يَغِيبُون إلى الأبَد. للشاعر: لطفي العبيدي - تونس

2015-01-14 09:35:37 PM
هُنَاك أنَاسٌ لاَ يَغِيبُون إلى الأبَد.
للشاعر: لطفي العبيدي - تونس
صورة ارشيفية

 الحدث.

قَالُوا مَاتَ الشَاعِرُ

لمْ يَكنْ غَريبًا حيْنَ يَطْمسَ المَوْت صَبَاحَ النَرْجِس

و لاَ تَبْكي نَوَارسُ الغُرْبَة

حين لا تَعُودُ أبَدًا للبَْحر

للزُرْقَةِ التّي ليْسَ لهَاَ سَمَاء

خَجَلٌ مُريْبٌ عَلَى خَدِّ القَصيدَة

دِمَاءٌ تَخْضَّرُ

دِمَاءٌ بَحْريَّةٌ بِلا ضَفَافٍ

هُنَاكَ يَنَامُ َبَعيدًا عنْ مَرَافِئ الفَرَح

وَحيدًا مثْل صبْرِ نَخْلَةٍ

مِثْلَ نُطْفَة لاَزَوَرْديّة

هُوَ تَعْرفُهُ الرَصَاصَة الغَاضِبَة

كَـصَوْتٍ هَادِر

كَحِصَار دُونُ أبْوَاب ...

دُون مَاء...

دُونُ صُرَاخ ...

و تَعْرفُهُ أرْصِفَةُ الخَيَال المُمْطِرة...

خَلْفَ أسْوَارِ الظِلِّ يَرْمقُنِي

كَـأحَدٍ لاَ يَشْبَهُنِي

كَـأحَدٍ يَغْتَرِبُ فِي مَنْفَايَ

هُوَ ذَلِكَ الذِي يَكْرَهُنِي

رُبَّمَا مَشَيتُ بلا وَعيٍ إلَى آخر الغَيْبُوبَة

نِدَاءٌ لاَمَرْئِيّ يَصْدَحُ بِيّ..

أ تَخْشَى عَطَش المَاءِ؟

فِي عُرُوق النَاي

أ تَمُوتُ مَنْ أجْل ضَوْء الهَبَاء؟

هِبْنِي نَزَعْتُ مِنَ القَلْبِ نَبْضَ الحَجَر

وَ لَوَّنْتُ عَيْنَيْك بِلَوْنَ الوَلَه...

انْصِتْ... انْصِتْ إلِى دَاخِليِ المُسَجَّى

إلَى عَاطِفَة الكَلِمَة تَعْشَقُهَا القَصيدَة

إلَى خَشُوعِ النَارِ أمَامَ ذَاكِرَةِ البَرْد

صَوتِي و صَوْتُك

ضَجِيجٌ لا تَخْتَلُّ جَوَانِحُه...

هَلْ أريدُ جَفَاءَ المَعْنى

و قَتْلَ النَّصِ

رُغْمَ أنَانِيَةِ الذِهْن

أنَا مَا رَأيْتُ أوْصَافَ الضَجَر

فِي أوْرَاقِ الخَريْفِ عنْدَ نَسْلَ الاصْفِرَار

لكنَّ رَائِحَةَ المَكانِ تَشدُّنِي

تُمَزّقُ شَرَايينَ الكَلمَة

و جَسَدِي الأبْيَضَ يَئِنُّ

يُكَابِرُ حِيْنَ قِيَامَة الهَزيْمَةِ

أصبْحَ حِبْرًا لاَ يُرَاق عَلَى الأرْضِ...

فِي مُتَّسَعِ الحَيَاة

هُنَاك أنَاسٌ لاَ يَغِيبُون إلى الأبَد...

مَا بَيْنِي وَ البلِاَد التِي

أسْقَطَتْنِي مِنْ جُذْعِهَا

حِصَارٌ لاَ ضفَّةَ لَهُ

أقِفُ أمَامَهَا كَـطِفْلٍ يَسْرقُ نَّارَ النبُوءَة...

مثْلُك منْ أثْمَلَ الانْتِظَار

و أسْقَطَنِي فِي لَحَظَاتِ الصَحْو

خَسْرتُ بَعْضَ حُضُورِك

كيفُ أهْرُبُ الَى سَريْرِي؟

و أنْت عَبَقُ اليَاسَميْن يَخْتَرقُ جَسَدِي

كيْفُ أتَنَاسِى حُلْم القَصيْدَة؟

يُبَاغِتُنِي كَالكِتَابِةِ فِي سَاعَاتِ اللَيْل السَاهِر..

رَائِحَةَ أنْثَى فِي طَريْقِي

أقِفُ تْحتَ نَافِذَةٍ غَريبًا ,

ثُمَّ أطْرقُ بَابَ حَدِيقَتِهَا

أدْخُلُ صَوْمَعَتِي,

رَأيْتُهَا جَالِسَةً عَلَى أبْجَدِيّةِ الحُلْم

تَقْرأُ صَمْتِي بِـصَوْتي...

سَمَاءٌ زَرْقَاءُ العَيْنَينِ

تَطلُّ منْ أعلى السطح

و للمَطَرِ صَوْتٌ كَـنُكْهَة قَوْسَ قُزَح

هَا انَا أنْتَظرُ فِي اللاَشَيء

كَأنَّ الصَمْتَ يَسْمَعُني

و امْلأ كَفَّ الفَرَاغِ بـِجثَثِ الكلَاَم..

الليلُ تَأخّرُ

جاءَنِي صَوْتُ الشِتَاء

كَانُ البَرْدُ كَـدِرْويْش أخْرَس

لاَ يَرَانِي

أسْمَعُ رَنِينَ اللاَشَيء

أنْتَظرُ وَحْدَتِي الصاخبة ؟

لا أنَا ضَمَّخْتُ كَأْسَك

بِعُرُوق الخَمْرةِ الأوْلى

و لا أنْتِ غُبْت فِي الأزَل

نحْنُ نَمْضِي قُرْبَ المُوْت

و لمْ نَصلْ....

تَجْفوهُ فلا يَبْتَعد

أصلّي كَي يَحْتَجِب

ضَوءٌ يَتَغشّى..

أغنَّي لهُ حتّى لا يَنَام

وَ هُوَ بَعيدٌ بعيد

قُربَ لَهْفَة الجُفُون الحالمة...

إلَى هَذَا الوَقْت مِنْ رَصِيْفِ العمْر

لم أعُدْ أعْرفَ لَهْجِتِي

أ كلَّمَا كَبِرْتُ تَاهَ وجْهِي

وَ اسْتَيْقَظُ ظَهْرُ الهَذَيَانِ

فِي كُلَِّ خَطْوةٍ تَمْحُو الاخْرى

بْينَ رُسُومِي الزَائِلَةِ أغَيْبُ فِي ألْوَانِ المَسَاء

لَكنَّنِي غَريْب فِي مُقْهى الغُربَاءِ

لا يَرَانِي أحَدٌ

مِثْلَ مَا تَرَانِي شَمْسُ الغَدِ

آتِي إليَّ

أفِرُّ منْ تَأويْلِي المَدْفُونِ

وَ أنَا الآنَ حَيٌّ بِمَا فَيْهِ مِنَ مَوْت.