الحدث – خاص:
تكشف دراسة حديثة سيطلقها وسيعلن عن نتائجها (اليوم الثلاثاء) منتدى شارك الشبابي ووزارة العمل - والإدارة العامة للتشغيل وصندوق الأمم المتحدة للسكان، أن أعلى نسبة بطالة على مستوى قارة آسيا ودول الوطن العربي على الإطلاق موجودة في فلسطين بنسبة 29%، والمرتبة الثانية من حيث نسبة البطالة المرتفعة بعد الدول التي تشهد حروبا خاصة في اليمن، والمركز الثالث من حيث نسبة البطالة المرتفعة على مستوى دول جامعة الدول العربية كافة.
وتبين نتائج الدراسة التي أعدها الباحثان د. نصر عبد الكريم وعبد الله مرار، حول (مؤشرات المستقبل واحتياجات سوق العمل من تخصصات العلوم والمهن الطبية وتكنولوجيا المعلومات بمكوناتها والحقوق والإعلام والفنون والموسيقى والرياضة بمكوناتها والتسويق والمحاسبة)؛ أن عدد الطلبة الجامعيين بلغ 220 ألف طالب وطالبة (61% إناث و39% ذكور) ملتحقين في 50 جامعة وكلية فلسطينية، ويتم تخريج 40 ألف طالب وطالبة سنويا ولكن يوظف منهم حوالي 8 آلاف فقط، حيث تبلغ نسبة البطالة بينهم 56% بواقع 41% في الضفة الغربية و73% في قطاع غزة، وهو ما يشكل نسبة 20% من الخريجين.
ضمنيا، يتوزع المتبقي وهي نسبة 80% إما في السفر للخارج والبحث عن فرصة عمل في دول الخليج، أو يتجهون إلى الأعمال الخاصة، والبعض يقرر الاندماج مع الأعمال المهنية.
ويعلن الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم، أن أعلى نسبة بطالة في تخصص العلوم التربوية وإعداد معلمين بواقع 70%. و69% بين خريجي العلوم الإنسانية والفنون، والعلوم الطبيعية، بينما سجلت أقل نسبة بطالة في تخصصات الحقوق والقانون 27%.
في حين بلغت نسبة البطالة بين خريجي العلوم الاجتماعية والسلوكية 64%، وفي الرياضيات والإحصاء، والحاسوب والتكنولوجيا 61%، و55% بين خريجي الصحافة والإعلام، و52% للأعمال التجارية والإدارية، 48% بين خريجي الهندسة المعمارية والبناء، 45% للمهن الهندسية الأخرى، و 44% للصحة والعلوم الطبية.
ويرى د.عبد الكريم، أن أعلى نسبة بطالة في فلسطين على مستوى قارة آسيا والوطن العربي لها تداعيات وتـأثيرات لا تقتصر فقط على البعد الاقتصادي، بل تشمل أيضا المكون الثقـافي والاجتماعي لبنية المجتمع. بحيث تعتبر أحد الدوافع الأساسية المسببة لارتكاب الظواهر الاجتماعية السلبية والجريمة المرتبطة بها. خاصة أن المجتمع الفلسطيني هو مجتمع فتي وأن نسبة الشباب الأقل من 15 عاما تصل إلى نسبة 39%. كذلك هناك ارتفاع في نسبة الشباب في الفئة العمرية ما بين 15-29 سنة في فلسطين إلى ما نسبته 30% من إجمالي السكان، أي حوالي (1.5 مليون شاب)، وهي نسبة مرتفعة ويتوقع أن تبقى مرتفعة في العقد القادم.
ويلاحظ الباحثان، أن هذه الفئة الهامة يدرس فيها الشاب المرحلة الثانوية والشهادة الجامعية الأولى وربما الثانية، وبالتالي فإنهما يؤكدان أن التخطيط الدقيق من قبل وزارة العمل والتربية والتعليم ومؤسسات المجتمع المدني والشركاء أصحاب العلاقة، يعتبر بمثابة أحد أهم الأولويات لهذه المرحلة العمرية ولهذه الفئة العريضة من المجتمع.
ويقول د. عبد الكريم "أمام محدودية استيعاب سوق العمل الفلسطيني للخريجين البالغ عددهم سنويا 40 ألف طالب وطالبة؛ فإننا استهدفنا في دراستنا البحث حاجة سوق العمل من تخصصات العلوم والمهن الطبية وتكنولوجيا المعلومات بمكوناتها والحقوق والإعلام والفنون والموسيقى والرياضة بمكوناتها والتسويق والمحاسبة في فلسطين ضمن الظروف الحالية، وتوجيه جيل الشباب وخاصة الذين بصدد الدخول إلى التخصصات الجامعية للحصول على فرص عمل لائقة".
ويعتبر د. عبد الكريم، هذه الدراسة، مخرجا هاما للمؤسسات الحكومية وصانعي القرارات ومختلف مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بهذا القطاع العريض من المجتمع، وأيضا الجامعات الفلسطينية المنتجة للخريجين في مختلف القطاعات الإنتاجية.
ويعتبر د. عبد الكريم، أن اختيار التخصص الجامعي أحد أهم العوامل الرئيسية في إيجاد فرص العمل وخاصة للخريجين الجدد، وتبين النتائج أن الأشخاص الذين اختاروا تخصصهم الجامعي بناء على رغبتهم الشخصية حصلوا على وظائف أسرع بعد التخرج، وأن الفتيات لا يخترن التخصص الجامعي بناء على رغبتهن الشخصية مقارنة بالذكور، وهذا بدوره يستدعي ضرورة زيادة توعية الأهالي بأهمية اختيار الشاب والفتاة لتخصصهم الجامعي.
ويؤكد د. نصر، أن النتائج أظهرت أن الأشخاص الذين يختارون تخصصهم بناء على حاجات السوق لديهم فرصة أعلى في الحصول على راتب أفضل، ولا يبحثون عن وظيفة حالية، وفرصتهم بالحصول على وظائف أسرع خلال الثلاثة أشهر الأولى من التخرج، مقارنة مع نظرائهم الذين لا يأخذون بالاعتبار حاجة السوق عند اختيارهم تخصصهم، حيث يبحث هؤلاء باستمرار عن وظائف جديدة، وعدد الذين يتقاضون رواتب مرتفعة منهم أقل، وأيضا فرصة حصولهم على وظائف تحتاج فترة زمنية أطول.
ويرى الباحثان، أن هذا يستدعي حصر أهمية قيام الوزارات ذات العلاقة ومؤسسات المجتمع المدني ببحث ودراسة سوق العمل وحاجته للخريجين باستمرار، إضافة إلى ذلك، بينت النتائج أن الذين اختاروا تخصصاتهم باستشارة الأهل يحصلون على معدل راتب أعلى من الذين لم يستشيروا أهلهم في اختيار التخصص.
ويؤكد عبد الكريم، أن النتائج تظهر العديد من العوامل التي تزيد من فرص الحصول على وظيفة بعد التخرج، منها احتياج المؤسسة للتخصص بذاته، الخبرة العملية، المعدل التراكمي، العلاقات الشخصية، اللغة الإنجليزية ومهارات التواصل. كذلك هناك عوامل تؤدي إلى الاستقرار الوظيفي، منها مهارات كتابة التقارير في العمل، مهارات الاتصال أثناء العمل، اللغة الإنجليزية وغيرها.
وإن كانت النتائج بينت أن 66% من إعلانات التوظيف تتجه إلى طلب موظفين بخبرة متوسطة تتراوح ما بين 3 إلى 8 سنوات، وأن معظم الوظائف تتجه لطلب درجة البكالوريوس بواقع 83% من إجمالي طلبات التوظيف؛ فإن د. عبد الكريم يرى أن هذا يستدعي ضرورة تأهيل وتدريب الخريجين الجدد بكفاءة عالية حتى يتم زيادة نسبة طلب التوظيف عليهم كما هو في الشرائح الأخرى.
يقول د. عبد الكريم، في ضوء هذه النتائج وما تمثله من محدودية سوق العمل على استيعاب الخريجين؛ فإن الدراسة تدعو الطلبة، الأهالي، الخريجين، المؤسسات الحكومية ذات العلاقة، مؤسسات المجتمع المدني، الجامعات الفلسطينية وأرباب العمل إلى ضرورة أن يعمل كل حسب مهامه ومسؤولياته للتخفيف من آثار هذه الظاهرة.
وشدد عبد الكريم على توصيات الدراسة، بضرورة اعتبار الرغبة الشخصية للطالب أحد المحددات الأساسية في عملية اختيار التخصص الجامعي؛ لأن ذلك سيؤدي إلى الإبداع والتحصيل العلمي المرتفع والتعمق والتميز في التخصص، وأن تكون عملية اختيار التخصص والجامعة تشاركية بين الأهل والأبناء. كذلك بضرورة توعية الأهالي للخروج من تقليد المجتمع إزاء بعض التخصصات لما له أثر هام في إعادة توزيع الفرص بين أفراد المجتمع، وبناء على حاجة الدولة والمجتمع للتخصص الذي يدفع بعجلة التنمية إلى الأمام والمندمج مع التخطيط الحكومي والمؤسساتي.
وأشار إلى أن هناك بعض التخصصات الواعدة مثل التسويق خاصة إذا اندمج مع مهارات التواصل الاجتماعي والشهادات المهنية المتخصصة. كذلك في مجالات الهندسة مثل الهندسة المدنية، المعمارية، البناء، الكهربائية مع الطاقة الشمسية، وهندسة الكمبيوتر وتطوير البرمجيات خاصة إذا تم التعمق بالتخصص والحصول على الشهادات المهنية الدولية في تخصصات الكمبيوتر ولغات البرمجة. وكذلك هناك فرص في تخصصات الحقوق، الاعلام، العلاقات العامة، اللغة الإنجليزية، التصميم الداخلي، وغيرها إذا تمت بناء على الرغبة الشخصية واستكمال الدراسات العليا والتميز.
وأكد عبد الكريم، على أن الدراسة توصي بضرورة الحد من افتتاح التخصصات الجديدة في الجامعات الفلسطينية مثل الإدارة التكنولوجية، أنظمة معلومات إدارية، أنظمة معلومات مالية، أنظمة معلومات محاسبية، إدارة الجودة، الإدارة الصناعية، الإدارة الصحية، الهندسة الكيماوية، هندسة الإلكترونيات، هندسة المياه، هندسة ميكاترونكس وغير ذلك، حيث تبين عدم وجود طلبات عليها وأن الطلبات تذهب إلى التخصص الأصيل.
ولزيادة فرص العمل للخريجين أو الذين مضى على تخرجهم فترة زمنية؛ فإن د. عبد الكريم يشدد على توصية الدراسة، بحيث يتم العمل على تنمية مهاراتهم لمواءمة قدراتهم الحالية مع متطلبات التوظيف حسب التخصص، خاصة اللغة الإنجليزية، مهارات التواصل، الشهادات المهنية. كذلك القيام بالتدريب في عدد من المؤسسات ذات العلاقة أو ضرورة التطوع في شركات خاصة.
وقال د. عبد الكريم: إن "التطوع سيؤدي إلى صقل المهارات الفنية وزيادة القدرة على استيعاب متطلبات العمل وبالتالي تنمية مهارات الخريج للحصول على وظيفة لائقة. وفي كل الأحوال لا بد من وجود بدائل عن الوظائف كأن يعمل الخريج في مهارات إبداعية ومهن مطلوبة أو أعمال حرة وخاصة".
ويرى عبد الكريم، أن الحكومة الفلسطينية يمكن أن تعمل على برامج خلق فرص عمل من خلال البرامج التنموية لاستيعاب عدد من الخريجين، وبعض الحكومات تتعمد إلى خلق برامج بطالة يتناوب على إشغالها بعض الخريجين عن طريق توقيع عقود مؤقتة في مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية، وسيؤدي ذلك إلى إكساب الخريجين المزيد من الخبرة والقدرة على الاندماج في العمل.
وأشار عبد الكريم، إلى أن الدراسة توصي السلطة الفلسطينية بتطبيق نظام برامج تشغيل الخريجين وخاصة في الأجهزة الأمنية لمختلف التخصصات، بحيث تكون الدراسة مجانية ودون رسوم، ويلتزم الطالب لمدة خمس سنوات أو أكثر بالعمل مع الحكومة، وكذلك دعم بعض التخصصات من خلال توفير المنح والتشجيع على تخصصات مطلوبة ضمن أولويات التوظيف في المؤسسات الحكومية.
كما طالبت الدراسة، الحكومة، بالتعاقد مع بعض الدول العربية خاصة في دول الخليج لاستيعاب بعض الخريجين من مختلف التخصصات مثل هندسة البناء، هندسة السيارات، التخصصات المستحدثة التي يمكن أن تلاقي رواجا في تلك الدول. كذلك لا بد من العمل على تفعيل وحدة متابعة الخريجين في وزارة التعليم العالي وإشراك المؤسسات الشبابية مع هذه الوحدة لدراسة سوق العمل باستمرار والتنسيق مع الجامعات الفلسطينية لهذا الغرض.
وشدد د. عبد الكريم على أهمية توصية الدراسة بضرورة تكاتف وزارة التعليم العالي والإشراف على الجامعات الفلسطينية للعمل على تحديث بعض المناهج لتشمل على مواد تعزز مهارات الاتصال والاندماج مع فريق العمل، وزيادة مهارات اللغة الإنجليزية والتدريب والحد من التخصصات الجديدة وشدة التنافس بين الجامعات الفلسطينية، وبأن تواكب مناهج الجامعات لتشمل بعض وسائل التواصل الاجتماعي، وممازجة بعض التخصصات الفرعية مع تخصصات رئيسية مثل الصحافة الاقتصادية، وبأن تقوم الجامعات بإعطاء القدر الكافي والتركيز في برامجها الأكاديمية على الأبحاث العلمية التطبيقية وكتابة التقارير لما لها من أهمية في العمل.
وتطالب الدراسة، بضرورة تعاون أرباب العمل في تعيين خريجين من مختلف التخصصات وتعويضهم بدل مواصلات أو مصروف شخصي لعدة أشهر. وخلال هذه الفترة يكتسب الخريج مهارة تدريب وخبرة وكذلك يفيد صاحب العمل بقدر مصروفه الشخصي أو أكثر.
ويرى عبد الكريم، أنه يمكن اعتبار ذلك ضمن المسؤولية الاجتماعية للشركات الخاصة وبالتحديد الشركات الضخمة التي تستوعب عددا كبيرا من الموظفين، وبتوعية أصحاب العمل بأهمية الشهادات المهنية الدولية في زيادة كفاءة العمل وارتفاع الإنتاجية ودقة التخطيط وجودة العمل. وبنفس الوقت ضرورة سماح أرباب العمل للعاملين بالالتحاق بالدورات التحضيرية لهذه الشهادات وتشجيعهم ودعمهم ماديا ومعنويا للحصول على هذه الشهادات وبناء قدراتهم وربط ذلك بتطورهم في العمل ومكافأتهم.
تمويل إنشاء قاعدة بيانات للخريجين واحتياجات سوق العمل
وشدد الباحثان في دراستهما على أهمية قيام الجهات المانحة بتمويل إنشاء قاعدة بيانات تجمع من خلالها البيانات عن الخريجين والمتوقع تخرجهم خلال السنوات القادمة ووضعها على كمبيوتر مركزي بحيث يخدم توجهات سوق العمل مستقبلاً وتحليل احتياجات السوق، وتمويل دراسة احتياجات مختلف القطاعات الإنتاجية كل على حدا، وذلك لرصد إمكانية خلق فرص عمل لتقليل بطالة الخريجين وتطوير القطاعات الإنتاجية الواعدة، وضرورة ربط التمويل الدولي بالخطط الفلسطينية وخاصة أجندة السياسات الوطنية الفلسطينية.