لم يكن ليخطر ببال السيدة "مفتيّة" أن تصبح بين عشية وضحاها أشهر جدة في العالم ولو لعدة أيّام.
لقد جرى تداول حكايتها في جميع وسائل الإعلام، ودار نقاش حولها في المكان الذي تقرر فيه مصائر الكون، وانقسمت حول حفيدتها الدولة العظمى أمريكا ومندوبتها في الشرق الأوسط إسرائيل.
البلاغ رقم واحد الذي أطلق حكايتها إلى الفضاء الكوني، حمل توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، والصدى الأكثر إثارة من الصوت جاء على لسان قادة الدولة العبرية، بينما سيدتنا المعنية تتابع من قريتها "بيت عور الفوقا" الضجة السياسية التي هي بطلتها دون اكتراث، مركزة اهتمامها على جزئية تهمها كثيرا، هي الإجابة عن سؤال متى تعانق حفيدتها؟.
شهرة الجدة انتجت شهرة لم تكن في الحسبان، فصارت قرية بيت عور الفوقا من أكثر الأماكن تداولا في الأخبار والتحليلات، فمن تلك القرية الواقعة غرب رام الله، انطلق صوتٌ غطى العالم كله دون اللجوء إلى إعلانات مدفوعة الأجر، صوت ذكّر بوجود قضية ظنّ نتنياهو وترامب أنها طمست وراء وعود الراحة والثراء، واندثرت بحيث تبعثرت أشلاؤها في متاهات القبائل الغافلة أو المتغافلة، العاجزة أو المتواطئة، فمن يصدق أن منع سيدة من معانقة جدتها الفلسطينية سيكون قضية رأي عام عالمي، قضية انقسم الكونجرس الأمريكي حولها وتراجعت بفعلها صورة الدولة التي تدعي أنها منتجة لأفضل ديموقراطية في صحراء الشرق الأوسط، دولة الـ F35 والقبب الحديدية والاقتصاد المتفوق.
من يصدق أن سيدة فلسطينية هاجر أجدادها بحثا عن لقمة عيش شريفة نظيفة بلغت باجتهاد وعصامية أعلى وأهم مؤسسات أكبر دولة في العالم، وما إن جلست على مقعدها بجدارة حتى أيقظت العالم من سباته الكسول واللامبالي لتقول بلغة الجذور الفصيحة والبليغة بأن لفلسطين حراسا لنارها الدائمة وهذا نص استعرته من إعلان الاستقلال الذي كتبه شاعرنا العظيم محمود درويش.
ومن يصدق أن هناك معادلة تأسست، شقها الأول رشيدة طليب والجدة مفتية وبيت عور الفلسطينية، والشق المقابل دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو وصفقة القرن.
الإجابة لا تحتاج إلى بحث ومعاهد ودراسات، كما لا تحتاج إلى مؤتمرات ومجالس وحكومات ووزارات وموازنات؛ فالحقيقة البسيطة هي دائما تحمل قوة تأثيرها في ثناياها وتؤكد حضورها من خلال الإبداع في خدمتها .
كلمة السر في الظاهرة الفلسطينية هي عمق الانتماء وصدقه والقدرة الإبداعية في تجسيده، كل ذلك تلمسه من انتماء من أجمع العالم عليه كأهم مثقف عاش في أمريكا اسمه إدوارد سعيد، وتلمسه في إبداعات توأمه الشاعر الكوني محمود درويش، الذي حجبت عنه نوبل لأسباب غير إبداعية، وتلمسه في ملايين الفلسطينيين الذين توزعوا على جهات الأرض الأربعة دون أن يأخذوا جذورهم معهم.
كلمة سر ليست الأخيرة... الذكاء... إذ لو لم تكن الحفيدة الفلسطينية على قدر عال منه لما نجحت في إعادة قضية كادت تنسى إلى الاهتمام العالمي من أرقى وأوسع الأبواب.