الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تراجع المؤشرات الاقتصادية وقدرة المواطنين الشرائية بسبب عدم قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها

بالتزامن مع انتهاء مدة موازنة الطوارئ في شهر تموز وتمديدها حتى نهاية العام الحالي

2019-08-19 08:20:41 AM
تراجع المؤشرات الاقتصادية وقدرة المواطنين الشرائية بسبب عدم قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها
الأسواق الفلسطينية

 

 الحدث – خاص:

 أحدث تعذر الحكومة من الوفاء بالتزاماتها بشكل كامل تجاه النفقات الجارية بالتزامن مع انتهاء الفترة الزمنية لموازنة الطوارئ في شهر تموز الماضي وتمديدها حتى نهاية العام 2019؛ تراجعا في المؤشرات الاقتصادية والطلب المحلي والقدرة الشرائية للمواطنين، ويشتد معها انخفاض المؤشرات المالية للموازنة بزيادة العجز الجاري الذي يؤثر على زيادة المديونية، وبالتالي زيادة تكاليف خدمة الدين العام وارتفاعه سيكون على حساب كافة المواطنين. ما يعني استمرار مخاطر الاستدامة المالية، والخلل في استقرار النظام النقدي وقدرته على الاستمرار في التمويل لأكثر من ستة شهور أخرى.

انتهاء موازنة الطوارئ  زاد المديونية وتكاليف خدمة الدين العام

ويرى الباحث في معهد (ماس) مسيف جميل أن أزمة المقاصة الأخيرة التي بدأت في شهر شباط من العام الحالي، دفعت السلطة الفلسطينية إلى تعليق موازنة عام 2019 واستبدالها بموازنة طوارئ حتى شهر تموز 2019 والتي اعتمد تمويلها، حسب ما خطط، على الإيرادات الذاتية المحلية والاستدانة من البنوك المحلية وتوفير ما أمكن من شبكة الأمان العربية، منوها إلى اعتماد موازنة الطوارئ على خطة نقدية تقشفية وبسقوف مالية محددة وتأخير دفع مستحقات القطاع الخاص.

ويرى جميل، أن موازنة الطوارئ لا تعني التغلب على المخاطر، وخاصة مخاطر الاستدامة المالية، واستقرار النظام النقدي وقدرته على الاستمرار في التمويل لأكثر من ستة شهور، بالإضافة إلى تراجع المؤشرات الاقتصادية والطلب المحلي والقدرة الشرائية للمواطنين، وتراجع المؤشرات المالية للموازنة بزيادة العجز الجاري الذي يؤثر على زيادة المديونية وبالتالي زيادة تكاليف خدمة الدين العام، وارتفاعه على حساب كافة المواطنين. وأهم من ذلك كله تعذر على الحكومة الوفاء بالتزاماتها بشكل كامل تجاه النفقات الجارية.

ويؤكد جميل، أن جميع هذه المخاطر أصبحت واقعا يعيشه المجتمع الفلسطيني، وصناع القرارات المالية والاقتصادية، والحد منه بحاجة إلى التعمق في هيكلية الموازنات وتحليلها وتجنب أوجه الإنفاق الجاري الممكن الاستغناء عنه، وتعزيز تمويل النفقات التطويرية الاستثمارية.

وبين جميل، أن خطة الطوارئ تعتمد في تمويلها على الإيرادات الذاتية المحلية والاستدانة من البنوك المحلية وبسقوف مالية محددة تستهدف: حماية ذوي الدخل المتدني، وضع حد أدنى وحد أعلى للراتب وتخفيض فاتورة الرواتب بنسبة 30%، أولوية الدفع للفئات المهمشة والفقيرة، وقف التعيينات والترقيات، خفض النفقات التشغيلية بنسبة 20%، وأن تكون النفقات الجارية الأخرى حسب الضرورة، نقل التزامات المشاريع التطويرية من عام 2018 إلى عام 2019، تأخير دفع مستحقات القطاع الخاص، تصفير خدمة الدين العام بمعنى عدم الاقتراض من البنوك المحلية وبذلك تكون الفوائد صفر.

أما الإيرادات التي تمول هذه الخطة؛ فهي كما أوضحها الباحث جميل تتمثل في: الاستدانة من البنوك المحلية بسقف لا يتجاوز 450 مليون دولار حتى شهر تموز من العام 2019 أي بمعدل 80 مليون دولار شهريا، إصدار أذونات دفع بحوالي 100 مليون دولار حتى شهر تموز، توقعات دعم خارجي بحوالي 55 مليون دولار شهريا، الإيرادات المحلية بمعدل 80 مليون دولار شهريا.

تحدي عدم اليقين في الإيرادات ترك آثاره السلبية في تخطيط الموازنات

ويقول جميل: إن "تحدي عدم اليقين في الإيرادات دائما يترك آثاره السلبية في تخطيط الموازنات، ويزداد هذا التحدي صعوبة مع ظهور أزمة المقاصة التي أدت إلى تعذر الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها، وكذلك تعذر إنتاج موازنة عام 2019 واستبدالها بموازنة طوارئ، وربما لو تم اتباع سياسة التدارك أو العلاج التدريجي للخلل الهيكلي في الموازنات السابقة لكان الوضع الحالي أفضل بكثير مما هو عليه".

حلول آنية طارئة واجبة التنفيذ الحكومي

ويرى جميل، أن هذا الوضع يستدعي إعادة النظر في هيكلية الموازنة وبخاصة، النفقات الجارية والتشغيلية وصافي الإقراض والتوجه إلى تغيير هيكلي في هذه البنود، وعلى الأقل التحكم في صافي الإقراض الذي يشكل عبئا كبيرا على الموازنة، بالإضافة إلى التغيير الهيكلي على النفقات التطويرية التي اعتمدت بشكل تاريخي على التمويل الخارجي؛ فهذا الخلل يتمثل في أن النفقات الجارية (بدون الرواتب) تشكل 40% من النفقات الكلية في الوقت الذي لم تتجاوز فيه النفقات التطويرية نسبة 6% للسنوات الأخيرة من الموازنات.

ومن جانب آخر، يرى جميل وجود إمكانية لإجراء تغييرات هيكلية على مصادر الإيرادات بزيادة الإيرادات المحلية بشكل أكبر عن طريق إعادة النظر في العبء الضريبي، وزيادة الالتزام، وتكثيف محاربة التهريب الجمركي والتهرب الضريبي، والعمل على تعزيز الثقة بين القطاع الخاص والعام من خلال تعزيز الشراكات.

أهم التحديات في إعداد الموازنات

ويؤكد الباحث جميل، أن أهم التحديات في إعداد الموازنات هي كيفية التخطيط لتغطية النفقات في ظل عدم ثبات الإيرادات بشكل منتظم، أي تحدي عدم اليقين في التنبؤ بالإيرادات. وعدم اليقين هذا ناجم عن سببين؛ الأول: تحكم إسرائيل في جزء هام من إيرادات المقاصة بكافة أنواعها والتي تشكل 65% من إجمالي إيرادات السلطة الفلسطينية، وخير مثال على ذلك احتجاز أموال المقاصة الفلسطينية لفترات طويلة في السنوات السابقة، وقد وصلت مدة احتجاز المقاصة حوالي 48 شهراً لأسباب سياسية عديدة منها حكومة حماس، والانضمام إلى الأمم المتحدة عام 2013 وغير ذلك، وآخرها أزمة عدم تحويل إيرادات المقاصة منذ شهر شباط عام 2019. والثاني: عدم وضوح وثبات المساعدات والمنح الخارجية الموجهة لدعم الموازنة بسبب المواقف السياسية والتي أخذت بالتراجع في السنوات الأخيرة.

الحال لن يتحسن في المستقبل

ولا يتوقع أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت د. عادل الزاغة، أن الحال سيتحسن في المستقبل، ومبرره في ذلك حسب ما يقوله: "إن ما يجري على الساحة العربية يعني شطب المسألة الفلسطينية من جدول الأعمال سياسيا واقتصاديا وربما استراتيجيا، ولا أعتقد أنه سيكون هناك جديد في التطورات السياسية حتى عام 2020؛ فقبل نهاية العام القادم ستجرى انتخابات الرئاسة الأمريكية، وبعد أقل من شهرين ستجرى الانتخابات الإسرائيلية وقد يتم استئناف تحويل أموال المقاصة، ولكن هذا يعتمد كثيرا على التشكيلة الحكومية للتحالف بعد الانتخابات".

ولا يعول د. الزاغة، على أي تغيير جذري، ويتوقع استمرار استخدام سياسة العصا والجزرة من الحكومة الإسرائيلية القادمة، مع أن واجب الحكومة الفلسطينية الاستمرار بالمطالبة في تحويل كامل إيرادات المقاصة "ولكن علينا أن لا نتوقع تغير السياسة الإسرائيلية".

تعميق الآثار السلبية وارتداداتها

وبالنسبة للآثار المستقبلية لوقف المعونة الأمريكية يقول د. الزاغة: "سنشهد تعميقا للآثار السلبية على شكل انخفاض في الاستهلاك الأسري والاستثمار الخاص، خصوصا مع تدهور البنية التحتية إذا لم يبرز أي أمل في الأفق السياسي وإن لم تقم الحكومة بأعمال الصيانة الضرورية للبنية التحتية".

أما بالنسبة لتنفيذ التوجهات والخطط الحكومية لزيادة الإيرادات المحلية، فإن د. الزاغة يقول: إن "هذا الأمر يحتاج إلى وقت حتى تظهر آثاره، ولكن الأهم أن تنفذ الحكومة ما تعلنه من توجه لتوسيع القاعدة الضريبية، وأخشى أن لا يتم ذلك في الوقت الذي تتراجع فيه الأعمال نتيجة لوقف المعونة الأمريكية وعدم التمكن من حشد موارد عربية أو أجنبية كافية بديلة لها، لذا علينا توقع تراجع المداخيل وبالتالي الإنفاق الخاص وارتدادات ذلك سلبا على الإيرادات المحلية من الضرائب والرسوم بفعل المضاعف".

ويرى الزاغة أن الوضع السياسي الراهن إلى جانب توقف أموال المعونة الأمريكية؛ سيلقيان بعبء كبير على كاهل الموازنة الفلسطينية، إذ يتوقع على المدى القريب أن تراجعا قد يحدث في الإيرادات المحلية، وتدهورا قد يحدث في البنى التحتية نتيجة استمرار خفض الإنفاق الحكومي على المشاريع التطويرية، وأن هناك تداعيات سلبية على الاقتصاد الفلسطيني من تخفيض الإنفاق الحكومي، وكذلك ستتأثر الإيرادات المحلية وتتراجع جراء تقليص الإنفاق الحكومي.

رؤية القطاع الخاص لمعالجة الأزمة المالية الاقتصادية

وللتغلب على الأزمة أو الحد من آثارها، يطالب رئيس المجلس التنسيقي لمؤسسات القطاع الخاص عمر هاشم، بتخفيض العبء الضريبي على الأفراد وتحفيز نمو وافتتاح شركات صغيرة، وتحفيز البنوك والممولين على الاستثمار في الشركات الصغيرة والناشئة لما لذلك من أثر على تطوير النشاط الاقتصادي الذي سينعكس على الإيرادات العامة، والعمل قدر الإمكان على تقليل الاقتراض وتوجيهه للنفقات الاستثمارية التطويرية وليس للاستهلاكية، والعمل على صياغة الأنظمة والقوانين لجذب المستثمرين واستقطاب رؤوس أموال خارجية تنعكس على الإيرادات المحلية، وعدم تضييق الخناق على القطاع الخاص بتأخير مستحقاته، حيث إن استثماراته تبقى في سوق العمل ويتم تدويرها واستغلالها اقتصاديا لعوائدها المالية، ودعم المشاريع الريادية نظرا لعدم قدرة الاقتصاد المحلي على توليد فرص عمل ووظائف في السوق المحلية.

كما طالب هاشم، بمحاولة الانفكاك من الاتفاقيات التي قيدت الاقتصاد الوطني، وبدعم الإنتاج الوطني وحمايته بسياسات وإجراءات على أرض الواقع، وفتح الأسواق العربية والإقليمية أمام المنتج الوطني والعمالة الفلسطينية، إضافة إلى تخفيض النفقات التشغيلية الاستهلاكية في الحكومة واستثمارها في النفقات التطويرية التي سيكون لها انعكاساتها على تطوير الاقتصاد الفلسطيني.

المواءمة بين الخدمات الحكومية مع الإمكانيات المتاحة

ويؤكد هاشم، على ضرورة الموائمة ما بين الخدمات التي تقدمها الحكومة مع الإمكانيات المتاحة، وقال: إن "توقف استلام أموال المقاصة خفض الرواتب بنسبة 50% ويقلل من الدخل المتاح للمواطنين، وهذا بدوره ينعكس سلبا على الحركة التجارية والاقتصادية".

ومن أجل الوصول إلى تنمية مستدامة؛ قال هاشم: "لا بد من الاعتماد على إيرادات ثابتة تسمح لصانعي القرار ببناء خطط تنموية مبنية عليها، إضافة إلى ضرورة زيادة حصة النفقات التطويرية لما لها من أثر كبير في تحسين الوضع الاقتصادي على المدى الطويل، وإعادة النظر في احتياجات القطاع الخاص، خاصة فيما يخص الإجراءات المتعلقة بالتحصيل الضريبي".

تمديد موازنة الطوارئ حتى نهاية العام الحالي

وقال مدير عام الموازنة في وزارة المالية طارق مصطفى: "مستمرون في خطة التقشف لنهاية العام الحالي بنفس خطة الطوارىء التي انتهت في شهر تموز الماضي، ونعكف على التفكير في كيفية تمويلها، لا سيما أننا وصلنا في الخطة النقدية الأولى إلى الحد الأقصى المسموح به للاقتراض من الجهاز المصرفي، وما تمكنت البنوك من توفيره من تمويل لم يتجاوز 290 مليون دولار من أجل سد العجز في الفجوة التمويلية، وذلك بعد الاتفاق الذي تم بين الحكومة وسلطة النقد على تمويل موازنة الحكومة بنحو 470 مليون دولار أمريكي خلال ستة أشهر (الأشهر الستة الأولى من الأزمة).

تجميد مبادرة القطاع الخاص لتمويل الحكومة

وفي الوقت الذي أكد فيه مصطفى عدم خروج مبادرة القطاع الخاص إلى حيز التنفيذ لغاية اللحظة، بتوفير 150 مليون دولار لتمويل الحكومة في مواجهة الأزمة؛ فإن الحكومة اقترضت من دولة قطر 250 مليون دولار مقسمة على عشرة شهور بمعدل 25 مليون دولار شهريا تدخل لخزينة الدولة، وهو مبلغ يغطي جزءا من العجز ولكنه لا يحل المشكلة.

إصدار أذونات للدفع والاقتراض من دولة قطر

 وأشار مصطفى إلى أن الحكومة أصدرت أذونات للدفع بقيمة 100 مليون دولار، بناء على طلب من القطاع الخاص للذين لهم مستحقات كبيرة يصرفونها من البنك بنسبة فائدة لا تتجاوز 4% على مدة 6 أشهر، كما أنه تم تخلي إسرائيل عن ضريبة المحروقات (البلو)، وتقوم الحكومة الفلسطينية بجمعها محليا والاستفادة منها لتخفيف وطأة الأزمة المالية، وذلك  كجزء من مواجهة الأزمة في الأشهر القادمة، ما يوفر على الحكومة 200 مليون شيقل شهريا لسد الفجوة الموجودة في تغطية الرواتب بنسبة 60% وجزء من النفقات التشغيلية ومن متأخرات الموردين، ولكن يبقى العجز أكثر من 400 مليون شيقل شهريا".

وقال مصطفى إن "الحكومة الفلسطينية والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي ينتظرون تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة من أجل حل الأزمة المالية، وكنا نتوقع إيجاد حلول للخطة النقدية التي انتهت في أواخر شهر تموز من خلال الضغوطات أو الخروج بمقترحات معينة، وطرحت العديد من الحلول من ضمنها تعويض الأموال من خلال الدول العربية والتي كلها لم تكن مجدية وليست ضمن قبول القيادة الفلسطينية".

وأشار مصطفى،  إلى أن التحديات التي تواجهها وزارة المالية في جهدها لزيادة الإيرادات، من أهمها التهريب الحاصل في قطاع البترول، إذ أن هناك تهريبا للبترول بأسعار مخفضة في الضفة الغربية، إضافة إلى تهريب المحروقات إلى قطاع غزة عن طريق مصر، هذا التهريب سبب تراجعا في إيرادات المقاصة بنحو 1.2 مليار شيقل في العام 2018، مبينا أن الحكومة تعمل على إصلاح الخلل الهيكلي في الموازنة وأنه يستمر العمل حاليا على إعداد الموازنة على مستوى البرامج.