الحدث- جهاد الدين البدوي
تناولت دراسة لباحثين استراليين بعنوان: "تفاقم الأزمة: الاستراتيجية الأمريكية والإنفاق العسكري والدفاع الجماعي في المحيط الهندي"، العوامل الخارجية والداخلية لتراجع أهمية منطقة المحيط الهندي في العقل الاستراتيجي الأمريكي. والتي حددتها بإصرار واشنطن على استمرار وجودها العسكري ومشاركتها في حروب الشرق الأوسط التي لا تنتهي، بالإضافة إلى تقشف الميزانية الدفاعية وقلة الاستثمارات في القدرات العسكرية، والاختلاف الأيديولوجي في النظام الليبرالي الأمريكي، ناهيك عن التطور والنمو المتسارع للقوة الصينية، كل هذه العوامل جعلت القوات المسلحة الأمريكية غير مستعدة لمنافسة القوة العظمى "الصين" في منطقة المحيط الهادئ الهندية.
فمنذ منتصف التسعينيات، طورت الصين جيشها بسرعة من قوة تقليدية إلى قوة قتالية متطورة لتتناسب مع القوة الأمريكية، جاء التطور العسكرية الصيني الكبير بخلفية النمو الاقتصادي الهائل لدى الصين. حيث ارتفع الإنفاق الدفاعي الصيني بحوالي 900% بين عامي 1996-2018، مما سمح لجيش التحرير الشعبي الصيني بالحفاظ على وتيرة التحديث العسكري لمعظم القطاعات العسكرية الرئيسة. لقد كان التقدم الذي أحرزته في قطاعات الصواريخ والطائرات المقاتلة والغواصات الهجومية والسفن السطحية مذهلاً بشكل خاص من حيث النوعية والكمية.
كما وأكدت الدراسة على براعة وقوة الصواريخ الصينية الحديثة التي تتمتع بقدرات كبير للقيام بضربات دقيقة بعيدة المدى. وهو ما قوض قدرة واشنطن على المنافسة في منطقة المحيط الهندي، مما يزيد من خطر استخدام الصين لقوة محدودة لتحقيق نصر فعلي قبل أن تتمكن أمريكا من الاستجابة.
قالت الدراسة إنه إذا اندلع نزاع مسلح بين بكين وواشنطن؛ فمن المرجح أن تشل الصواريخ البالستية ذات التقنية العالية في الصين القواعد العسكرية الأمريكية والأسطول البحري عبر منطقة غرب المحيط الهادئ خلال ساعات.
مع التقدم الذي أحدثته الصين في المجال التكنولوجي العسكري وتطوير قدرات جيشها، حثت الدراسة الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين مثل أستراليا واليابان، على إصلاح خطط الاستثمار العسكري ونشر القوات العسكرية، لمنع تآكل أو تقويض القوة العسكرية الأمريكية في المنطقة. من قبل القوى الآسيوية الناهضة.
وأكدت الدراسة أنه إذا اندلع نزاع مسلح بين بكين وواشنطن، فمن المرجح أن تشل الصواريخ البالستية ذات التقنية العالية في الصين القواعد العسكرية الأمريكية والأسطول البحري عبر منطقة غرب المحيط الهادئ خلال ساعات.
قامت الدراسة المكونة من 104 صفحات من قبل مركز دراسات الولايات المتحدة بجامعة سيدني بتقييم الاستراتيجية العسكرية الأمريكية والإنفاق والتحالفات في المنطقة. وأكدت الكاتبة الرئيسة للتقرير آشلي تاونشند: على أن "توازن القوى المتغير في المنطقة يجب أن يكون مصدر قلق لجميع الدول الآسيوية - بما في ذلك الدول التي تسعى إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع كلتا الدولتين العظميين - حيث كان من مصلحتها ردع بكين من ممارسة "عدوانية" السياسة الخارجية".
وحسب نتائج الدراسة فإن الصواريخ الصينية تتمتع ببراعة وقوة هائلة، وتمتلك الصين 1500 صاروخ باليستي قصير المدى، و450 صاروخ متوسط المدى، ومئات الصواريخ بعيدة المدى، هذه الصواريخ الباليستية التقليدية قادرة على توجيه ضربات دقيقة لأهداف بعيدة عن البر الرئيس مثل سنغافورة - حيث تمتلك الولايات المتحدة منشأة لوجستية كبيرة - وكذلك قواعد أمريكية ضخمة في كوريا الجنوبية واليابان.
كذلك تمتلك الصين أيضًا ما يسمى بصواريخ "قاتل حاملات الطائرات" مثل DF-21D، والتي يمكنها ضرب حاملات الطائرات الأمريكية المتحركة على مسافة تصل إلى 1500 كيلومتر (932 ميل).
وأكدت الدراسة على أن الصواريخ الصينية الحديثة تشكل تهديدًا تقريبًا لجميع القواعد الأمريكية والقوات المتحالفة معها والشركاء والقواعد الجوية والموانئ والمنشآت العسكرية في غرب المحيط الهادئ".
وقالت الدراسة: "بما أن هذه المنشآت العسكرية الأمريكية والحليفة يمكن أن تصبح عديمة الفائدة من خلال ضربات دقيقة في الساعات الأولى للحرب؛ فإن تهديد صواريخ جيش التحرير الشعبي الصيني تتحدى قدرة أمريكا على تشغيل قواتها بحرية من المواقع الأمامية في المنطقة".
الخيارات التي ستواجه القوات الأمريكية ستكون بكل الأحوال مكلفة وخطيرة للغاية، وإن نأت واشنطن بنفسها عن التدخل المباشر سيكون احتمال النصر الفعلي لبكين أكثر موضوعية وواقعية.
وقد نوهت الدراسة: "نظرًا لأن المصالح الأمريكية في أمن حلفائها ثانوية، فقد تراهن واشنطن في النهاية على أن التدخل المباشر لا يستحق كل هذا العناء."
كما أشار مؤلفو الدراسة إلى أن التقدم الذي أحرزته الصين في التكنولوجيا العسكرية لم يكن السبب الوحيد لتراجع قوة الولايات المتحدة المنتشرة في آسيا. فمن بين العوامل الداخلية التي أشارت إليها الدراسة الإفراط في استخدام القوة البحرية والجوية ويعود ذلك جزئياً إلى التزامات الولايات المتحدة بالحرب في الشرق الأوسط - وتراكم تمويل صيانة البنية التحتية بما يصل إلى حوالي 116 مليار دولار أمريكي.
نقلت الدراسة بيانات خاصة للبنتاغون تفيد بأن حوالي 23% من المنشآت الدفاعية الأمريكية تتسم بأنها "في حالة سيئة" مع اعتبار أن 9% أخرى "بنفس الوضعية السيئة".
ومن جانب أخر انخفاض انفاق الحكومة الأمريكية في القطاع الدفاعي بنسبة 21% في الأعوام 2011-2018 كان سببا أخر في قراءة صعود القوة الصينية على حساب القوة الامريكية في المنطقة والعالم ككل.
ومن العوامل الداخلية التي ناقشتها الدراسة العامل الأيديولوجي الذي برز مع الاختلافات الأيديولوجية حول الإنفاق الدفاعي بين المشرعين الأمريكيين على الصعيدين الداخلي والحزبي والذ يُنظر إليه على أنه قضية رئيسة في اختلال توازن القوة الامريكية.
ومن بين التوصيات التي قدمها مؤلفو الدراسة أن تقوم أستراليا بزيادة مساهماتها في الأمن الإقليمي إلى جانب اليابان من خلال مجموعة من التدابير، بما في ذلك الإسراع في خطط بناء الغواصات واكتساب قدرات الضربة البرية. كما حثت كانبيرا على وقف انتشار القوات البحرية في الشرق الأوسط.