السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

موسم المياه في مخيمات اللاجئين

2019-08-21 08:45:40 AM
موسم المياه في مخيمات اللاجئين
مخيم عسكر في مدينة نابلس

 

 الحدث- مي هواش 

في المخيم، ودون سابق إنذار، ترى جارك يعتلي سطح منزله حذرًا، يمد برابيش المياه إلى خزانه، وتسمع ضجيج ماتور كهربائي يكاد يُسمع من جميع أهالي المخيم، نعم يُسمع من مسافة بعيدة، لأنَّه مُترقب سماعه كزيارة ضيف عزيز، وتبدأ بعدها زيارة الماء وطقوسها حتى لو كان الوقت منتصف المساء.

يبدأ الصراع لتمديد البرابيش المقطعة، وصراع آخر بين الأجيال حول من سيتولى هذه المهمة اليوم، وتقسيم الساعات بينهم، إنَّها تبدو كحرب فعليًا، يشعر فيها من جمع مخزون مياه ليبقيه دون سؤال الناس حتى موسم المياه الثاني بفخر عظيم، حينها ترى كل شيء نظيفًا، حتى إطلالات المنازل تأخذ شكلًا نضراً.

أكبر فخ قد يقع به الزائر للمخيم في موسم المياه، أنّ يُفاجأ بدلوٍ من المياه يُسكب على رأسه من الشباك أو السطح أثناء عملية التنظيف، لتنهال شتائم ومسبيات وتبدأ المشاجرات، أما أهل المخيم فلا يقعوا في هذا الفخ، أصبح مفهومًا ضمنيًا لديهم أنَّ أي حركة خلال هذين اليومين ليست لصالحهم، فيكتفي الرجال بحصر معركتهم مع توفير المياه، والنساء بمحاولة إنجاز كامل المهام الّتي تتطلب قدرًا كبيرًا من المياه، والّتي لا تستطيع المخاطرة بتأديتها في أيام آخرى.

أصوات الغسالات والماتورات، وماكينات التنظيف المختلفة، تصبح موسيقى مزعجة يعزفها أصم أعمى، لا يرى ماذا يعزف ولا يسمع كيف يعزف، ولا تستطيع أنّ تسكته لأنَّك عضو وفاعل في فرقته، وانسحابك عن الطبل والزمر لا يُعطيك الحق لاسكاتهم، لذلك فالانسجام هذين اليومين ضروري كما ضرورة التصاق جدار منزلك بجدار جارك.

لم تُبنى هذه الطقوس من فراغ، فانقطاع المياه والحاجة إليها جعل من تواجدها عيد وطني، يجب أنَّ تغرق كل الشوارع بالمياه، فحفر الشوارع تكون ممتلئة ولكن لا تشعر بامتلائها إلّا حين تمر سيارة من جانبك وجانبها معًا، وتصبح مغسولًا من رأسك إلى أخمص قدمك، وهذا مشهد لا يدعوا للضحك أو يلفت انتباه أحد، إنَّه مُشكِّل أساسي من مشكّلات شوارع المخيم في موسم المياه.

أكبر جريمة تقوم بها أثناء هذا الموسم هو ذهابك لزيارة الناس، فمدى ترحيب الرجال بك لا يعبر عن حلولك أهلًا وسهلًا، فالنساء تبغضك بُغضًا لن تفهمه إلّا بعد أنّ ترى أنَّ العلاقات بين العائلتين بدأت بالتفكك والانقطاع رويدًا رويدًا، هذا عدا عن بقاء سيرتك كضيف كمكسرات في صالونات النساء.

إبقى في منزلك فقط، صارع إخوانك ووالديك في ساعات بقاءك في حوض الاستحمام دون ازعاج، تجادل مع والدتك الّتي تحول غرفتك إلى شيء عاري ومجرد في غضون دقائق، لا تجد فيها لا ملبسًا ولا غطاءًا، اجلس في غرفتك وحيدًا عاريًا تنتظر انتهاء الموسم.

لا تحاول التحايل على الطقوس والأصوات المختلفة في داخل المنزل وخارجه، وتهرب إلى رواية تقرأها أو فيلم تشاهده، أو حتى واجبًا مدرسيًا لتقضيه، لأنَّه عبثًا، سيدخل صوت جارتك على بُعد عشرة منازل من منزلك إلى فيلمك، وتقطع حبل أفكارك، وتعيدك لواقعك، فاحترس في استخدام وقتك، وكُن معينًا لزوجتك لأنَّها في هذه الأيام تُصبح العِصمة والعصا في يدها لا محالة.

 تعود الأمور لمجاريها رويدًا رويًدا، بعد يومين من الاشتعال ليًلا نهارًا، ويعود الصمت والهدوء المعتاد، وتستمر الأعمال اليومية البسيطة الّتي لا تحتاج لاستخدام مياه كثيرة، وتعود اللحمة الاجتماعية إلى مكانها، لنتحدث في أمور آخرى وقضايا آخرى، مع الحفاظ على خصوصية السؤال حول موعد المياه القادم.