الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تجربة مع الخطأ الطبي: نسي الشاش الطبي في بطن مرام

2019-08-22 07:57:38 AM
تجربة مع الخطأ الطبي: نسي الشاش الطبي في بطن مرام
الطبيب أخرج الشاش الطبي من بطن مرام (تعبيرية)

 

الحدث ـ أسامة السالم

من القضايا التي أصبحت جزءا من روتين القضايا اليومية لمجتمعنا، قضية "الأخطاء الطبية"، ليفتح هذا الروتين أسئلة مشروعة عن هذه الظاهرة، وعن الإجراءات المتخذة لعدم الوقوع بالأخطاء وبعد الوقوع بها.

فما هو الخطأ الطبي؟

يُعرَف شرف الدين محمود في كتابه "المسؤولية التقصيرية للأطباء" الخطأ الطبي بأنه " انحراف الطبيب عن السلوك الطبي العادي والمألوف، وما يقتضيه من يقظةٍ وتبصَر إلى درجة يُهمل معها الاهتمام بمريضه"، أو هو "إخلال الطبيب بالواجبات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته، وهو ما يسمى بالالتزام التعاقدي".

 ويتبين لنا من خلال التعريفين السابقين أن الخطأ الطبي يقوم على توافر مجموعة من العناصر تتمثل بعدم مراعاة الأصول والقواعد العلمية المتعارف عليها في علم الطب، والإخلال بواجبات الحيطة والحذر، وإغفال بذل العناية التي كانت باستطاعة الطبيب فعلها، إلى جانب مدى توافر رابطة أو علاقة نفسية بين إرادة الطبيب والنتيجة الخاطئة.

إن المشكلة في واقعنا الفلسطيني غير مقتصرة على وقوع الخطأ الطبي فحسب، فهو يحدث في معظم مشافي العالم، بل بعدم التعاطي المناسب لمعرفة جذور أسباب الخطأ أو الجرأة والاهتمام بمعالجته ومحاسبة المسؤولين عنه. ورغم أن قضية الأخطاء الطبية في المشافي العامة والخاصة بفلسطين كثر الحديث عنها، وصفها الكثيرين "بالظاهرة الخطيرة والمقلقة" إلا أنها لم تلقَ التجاوب الكافي، ولم يتم التعاطي معها بشكل جدي من الجهات المختلفة الرسمية وغير الرسمية، حتى تشكيل حكومة الوفاق الوطني لجنة وطنية لإعداد مسودة قانون الأخطاء الطبية في أكتوبر 2016، والذي تم تعديل مسماه إلى "قانون الحماية والسلامة الطبية والصحية" بناء على تحفّظ نقابة الأطباء.

وبعد سنتين من النقاشات، خرجت اللجنة بمسودة نهائية للقانون، توجت بإصدار القرار بقانون رقم 31 لسنة 2018 في سبتمبر الماضي، ليكون نافذًا بعد مرور ثلاثة شهور على نشره بالجريدة الرسمية، أي بتاريخ 23/12/2018.

ضحايا وأسئلة

في عام 2016 ضجت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الفلسطينية بصور الطفل أمير خضير الذي دخل غرفة العمليات في إحدى مستشفيات مدينة رام الله بتاريخ 30/5/2016 لإجراء عملية استئصال اللوز وخرج منها بشلل دماغي.

حادثة الطفل أمير خضير جاءت لتصب الزيت على النار، فهي قضية من بين عدة قضايا ظهرت بشكل متتابع حول الأخطاء الطبية القاتلة التي تحصل في المشافي الفلسطينية، ما أثار سخط وغضب المواطنين لتزايد حالة الوفيات والحالات المرضية نتيجة الأخطاء الطبية.

"مشيا على الأقدام، ويتمتع بصحة جيدة خالية من أي مرض، سلمته للطبيب على مدخل غرفة العمليات للطبيب الذي سيجري له العملية.. دخلها بوجه بشوش"، هكذا وصف والد الطفل أمير خضير اللحظات الأولى لليوم الذي انقلبت فيه حياتهم وحياة طفلهم رأسا على عقب.

وأضاف محمد أبو خضير "ابني أمير كان يشكو من اللوز وعملية استئصالها طبيا ليست مسألة معقدة، وتم عرضه على طبيب مختص في رام الله دون ذكر اسمه، ونصحني بالتوجه لمشفى خاص لا أريد ذكره، لإجراء عملية الاستئصال".

وأكمل قائلا: "بتاريخ 30/5/2016 في تمام الساعة 9 صباحا دخل أمير إلى غرفة العمليات بعد إجراء الفحوصات وسلمته بيدي للطبيب بصحة جيدة، وتفاجأت بعد نحو ساعة بخروج الطبيب من غرفة العمليات ويسألني هل أمير يشكو من أمراض في القلب، ونفيت له ذلك نفيا قاطعا، وأنه يتمتع بصحة جيدة، وأخبرني أن أمير عانى من هبوط في نبضات القلب خلال العملية وجرى نقله لغرفة العناية المركزة بعد خروجه من العمليات ومكث هناك ساعات طويلة ولم يستفق من المخدر إلا بعد عدة ساعات".

وتابع:" نصحني أحد الأطباء بنقله لمستشفى متخصص لأن أمير عانى من نقص الأكسجين، وأنه أصيب بشلل دماغي، وقمنا بنقله لمشافي المقاصد وهداسا عين كارم في القدس المحتلة، وبعد الفحوصات والتحليلات الطبية تبيّن أن أمير يعاني من تلف في مركز الدماغ وصلت لنسبة 85% ومن شلل تام وعشنا بمأساة حقيقة من ذلك الوقت".

وأوضح أنه تقدم بشكوى لوزارة الصحة بتاريخ 31/5/2016 ورفع قضية ضد المشفى بتاريخ 6/6/2016، وأشار أن التحقيقات والادعاءات مع طبيبة التخدير التي شاركت بعملية استئصال اللوز لطفله، تظهر أن جهاز التخدير الذي تم وضعه على أمير لم يكن يعمل بشكل صحيح، ولم يلاحظ الأطباء خلال العملية أن تنفس أمير توقف.

يذكر أن أمير توفي في 4/6/2019 بعد 3 سنوات من ملازمته المستشفى إثر الخطأ الطبي.

الشابة مرام خضر 26 عاماً .. تضاف الى سجل الأخطاء الطبية

منذ تسع سنوات، وحتى اليوم، تعاني مرام جراء خطأ طبي، تقول مرام "البداية كانت عندما دخلت المستشفى بسبب ألم شديد في البطن، وبعد إجراء الفحوصات تبين أنها الزائدة الدودية، وتم إدخالي لغرفة العمليات، وفي اليوم التالي شعرت بألم شديد وكنت متأكدة أن هناك شيئاً غريباً قد حدث، ولكن قيل لي أن هذا الامر طبيعي ويحدث مع جميع المرضى، بفعل العملية".

وتابعت:" عندما اقترب موعد المراجعة "إزالة الغرز" لاحظت أن الجرح لم يلتئم وشعرت بخروج شيء من بطني واكتشفت أن العملية قد تعفنت وتوجهت بعد ذلك للطبيب، لأتفاجأ بأنه أخرج "الشاش الطبي" من بطني، ومع ذلك بقيت أشعر بثقل وعدم قدرة على الحركة، وتوجهت للطبيب مرة أخرى وفي كل يوم كان يخرج المزيد من "الشاش"، وفي الوقت نفسه لم يكن مكان العملية قد التأم".

وأضافت الشابة": راجعت المستشفى وواجهتهم بما حدث معي، وكانت إجابتهم أن هذا الأمر مستحيل، حتى إنهم اتهموني بأنني قمت بوضع الشاش في مكان العملية، وحتى اليوم أعاني من مضاعفات والتصاقات، وتم فتح مكان العملية ثلاث مرات بسبب هذا الخطأ الطبي، وفي كل مرة أراجع المستشفى، يقولون لي بأن وضعي الصحي ممتاز، وفي آخر مرة قال لي أحد الأطباء أنتِ بحاجة لمراجعة طبيب نفسي".

وتبين معطيات الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن أنه خلال الفترة الممتدة من (1996 ــ 2001) استقبلت الهيئة 65 شكوى يدعي فيها أصحابها بوقوع أخطاء طبية لهم، أو لأقربائهم من قبل أطباء وممرضين في مشافي عامة وخاصة.

وتشير الهيئة إلى أن عدد هذه الادعاءات ما هو إلا عدد قليل من مجمل حالات الإهمال الطبي التي تقع فعلاً، فهناك وفق الهيئة حالات إهمال طبي تحل بدون تدخل أو معرفة المؤسسات الرسمية أو الأهلية، إلى جانب وجود عدد آخر من قضايا الأخطاء الطبية التي تحل عشائريا، أو لا يتم تقديم شكوى بخصوصها. وكذلك فإن هناك بعض القضايا التي لا يتم معرفة سبب الضرر الذي أصاب المريض أو السبب الذي أدى إلى الوفاة نتيجة لاعتقاد أهل المريض أو المتوفى أن ما حدث كان وضعاً طبيعياً بعيداً عن أي إهمال أو خطأ طبي من الطبيب المعالج، فلا يتم متابعة الحالة والتحقيق في الموضوع ومساءلة محدث الضرر.

وبالنسبة لنقابة الأطباء الفلسطينيين فلا يوجد لديها إحصائيات دقيقة عن عدد الأخطاء الطبية التي تقع في المستشفيات والمراكز الصحية الخاصة أو العامة، غير أنها كشفت عن تلقيها 160 شكوى بالخصوص في أعوام أربعة، 35 شكوى منها عام 2008، و39 شكوى عام 2009، و54 شكوى أخرى عام 2010، و32 شكوى خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2011.

وقد تعددت هذه الشكاوى، بحسب النقابة، بين الكيدية والتحريضية والسعي للابتزاز، وبعضها كانت شكاوى موضوعية تعود إلى حدوث مغالطات أو مضاعفات منصوص عليها بالمراجع الطبية أو تعود إلى إهمال أو تجاوز، حيث تراوحت العقوبة التي اتخذتها النقابة ضد المخطئين والمقصرين ما بين اللوم والتوبيخ أو التحويل إلى النيابة العامة أو إغلاق عيادة الطبيب لمدة عام. غير أن النقابة لم تبين عدد الشكاوى الكيدية أو التحريضية أو التي كان فيها سعي للابتزاز أو التي اعتبرت أن ما حدث فيها يعتبر من قبيل المضاعفات أو أن فيها خطأ طبيًّا حقيقًّيا، ولا كيفية التعاطي مع هذه الشكاوى، وكانت معلوماتها محدودة جدًّا بهذا الخصوص

ظاهرة عالمية وفارق خصوصية

الأخطاء الطبية أصبحت ظاهرة عالمية، ولا ترتبط بالمستشفيات الفلسطينية فقط، وهناك ضحايا فقدوا حياتهم أو أصيبوا بإعاقاتٍ دائمة، وتوجد الكثير من الأمثلة عن الضحايا الذين سقطوا بسبب الإهمال وسوء التقدير أو ضعف الكفاءة، فضاعت حقوقهم مع صعوبة إخضاع الطبيب للمساءلة الجنائية والمدنية وعدم القدرة على إثبات ارتكابه للخطأ الطبي. فالحديث عن ظاهرة الأخطاء الطبية في فلسطين أصبح أمراً واجباً، وضرورة بحثية ملحة، سيما بعد تزايد الادعاءات والشكاوى بوقوع أخطاء طبية، وتقصير بحق مرضى في المستشفيات الخاصة منها والعامة.