الحدث- عبير ثابت
الزواج المبكر؛ ظاهرة ليست بجديدة، بلْ هي جزء من سياق العلاقات البشرية على امتداد الأزمنة والأجيال والثقافات، وهي إلى جانب كونها ظاهرة، كانت كذلك مفهوما ضمن لغة مفاهيمية تختلف معاييرها من مجتمع لآخر. وهو ما خلق حالة من عدم الإجماع على تفسير واحد لمفهوم الزواج المبكر، ولكن من الممكن القول بأن الزواج المبكرَ هو "زواج الفتاة دون ١٨ عام، أي في مرحلة لم تُكمل الفتاة نموها الجسدي، لأن الاكتمال الجسدي يكون ما بين١٨-٢٠ عاماً.
وفي تفسير الظاهرة، يذهب المؤرخون وعلماء الاجتماع إلى أن الأسباب التي ساهمت في نشوء وامتداد الظاهرة، مرتبطة بـالعادات والتقاليد، وتطبيقّ الأوامر الدينية، ولأسباب مادية، وجميعها لا تقدم تفسيرا لفكرة زواج الفتيات بسن لن تكون قادرة فيه على اتخاذ القرارات أو تحمل مسؤولية الإنجاب.
الإدراك المتأخر لخطورة الزواج المبكر، جاء بعد الآثار السلبية التي بدأت المجتمعات تكتشفها كارتداد للظاهرة، فقد قام مركز شؤون المرأة بعمل دراسة حول عدد حالات الطلاق، فكانت النتائج على النحو الآتي : بلغت نسبة حالات الطلاق للشابات الإناث 14% في الفئة العمرية 14-17، من مجمل حالات الطلاق؛ مقابل 0.8% للذكور، وذلك خلال العام 2000. كما بلغت نسبة وقوع الطلاق للإناث في الفئة العمرية 18-24 سنة في الأراضي الفلسطينية 44%؛ بالمقارنة مع 26.8% للذكور من مجمل حالات الطلاق للعام نفسه. وهذه النسبة المرتفعة للطلاق عند الإناث يمكن أن تعزى إلى ارتفاع نسبة حالات الزواج المبكر لدى الإناث عنها لدى الذكور، فقد وصلت نسبة الطلاق 8.568 حالة في العام ٢٠١٧.
الزواج المبكر ظلمٌ للفتاة !
قابلنا أحد الأزواج ممن تزوجوا فتيات صغيرات السن، وتفاجئنا بمنطق تبريره للأمر: "أنا بدي اتزوجها صغيرة عشان أربّيها على ايدي، وتكون خاتم باصبعي". وأضاف قائلا " الزوج يصدر الأوامر والفتاة فقط للتنفيذِ".
وعلى نفس الصعيد، فإن سن الزواج في فلسطين يرتبط تاريخيا بمدى استقرار الأحوال عموما والسياسة خصوصاَ، حيث يرتفع مع الهدوء والاستقرار، وينخفض مع التوترات التي يُعاني المجتمع الفلسطيني، وبشكل عام فإن الدولة تقوم بوضع قوانين لتنظيم الأحوال عموما ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث إن هذه القوانين هي من اختصاص الجهات التشريعية، كونها مرتبطة بأسس تشريع عالمية وإنسانية، وتستقي من تجارب عالمية ناجحة، ولكن الاشكالية تظهر عند الحديث عن القوانين التي تحكم المجال الاجتماعي أو ما يسمى "الاحوال الشخصية" فهي في معظم البلدان العربية تستند للدين الإسلامي وهي تتنوع بين قوانين الزواج والطلاق والحضانة والنفقة والميراث.
حولَ الموضوع، قال الأستاذ باسل ريان، في كلية علم الاجتماع، "من هنا تأتي مشكلة الدين بشكل عام، فهو تشريعات تعود 1400 سنة قبل الميلاد، أي هو التشريع الماضي في الزمن الحاضر، ويأتي السؤال الحداثي للمسلم في هذه الأيام: هل يجب الاحتفاظ بجمود النص الديني؟ أم يجب الاجتهاد بحسب مقتضيات وتطور العصر؟ وما هي كيفية التعامل مع النصوص والتشريعات الدينية، فهل هو جمود النص أم ديناميكية الاجتهاد؟".
وأضاف: "مشاكل الزواج المبكر كثيرة وتتعاظم وتتضح أكثر في هذه الأيام، فإن صياغة قانون يحدّ من الزواج المبكر هو من حق الدولة باعتبارها جهة التشريع الأولى، و باعتبارها المسؤولة عن تنظيم العلاقات بين مواطنيها، والمعارضين للأسف يستندون للنص الديني الذي يحدد الزواج بالبلوغ الجنسي وهو بين 10-12 سنة.".
وتابع قائلا : فيما يتعلق بالمشاكل المرتبطة بالزواج المبكر كثيرة، منها ما هو مُجتمعي، إنساني وصحي. الفتاة أو الشاب اللذَانِ يتزوجان مبكرا لا يكونا قد وصلا لما يسمى" سن التمييز" بحسب القوانين الجزائية وهو سن 18 سنة في الغالب، أي أن الإنسان بالتعريف القانوني يعتبر قاصرا قبل سن 18، إذا كيف يمكن أن نُقرر عنه أو عنها ونحدد مصيرهما للأبد وهما لم يبلغا سن التمييز بعد، فهذه مشكلة اخلاقية".
أما فيما يتعلق بالسكان، فأسوأ ما تُنتجه المجتمعات المتخلفة هو مزيد من السكان، حيث أنّ أسباب الفقر والحرمان والمرض والجريمة تتزايد بتزايد هؤلاء الناس ورفع سن الزواج بالضرورة سيؤدي إلى تقليل نسبة التكاثر عموما، وهذا يدخل في العلوم الاجتماعية في مجال علم السكان الذي له نظرياته وتوجهاته، ولكن الصحيح أن المزيد من التكاثر يؤدي إلى المزيد من الحرمان، ومن الناحية الصحية، إن السن المناسب للفتاة لكي تصبح أماً هو سن ال20.