الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

اليهود الروس وانخراطهم في الحياة السياسية الإسرائيلية

2019-09-02 09:45:06 AM
اليهود الروس وانخراطهم في الحياة السياسية الإسرائيلية
يهود - أرشيف

الحدث ـ مادلين إبراهيم

يشكل يهود روسيا أكبر إثنية في إسرائيل، ويبلغ عددهم ما يقارب المليون ونصف في دولة لا يتجاوز عدد سكانها ال8 ملايين، وعلى الرغم من تشكيلهم أكبر إثنية إلا أنهم يعانون من عنصرية واضحة في سياسات "إسرائيل" تجاههم، وعلى الرغم من هذا إلا أنهم يشكلون قوة انتخابية كبيرة، تتحكم بالانتخابات الإسرائيلية سواء على صعيد الناخبين أو الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات والحياة السياسية في "إسرائيل".

بعد موجة الهجرة الكبرى التي جاءت لـ"إسرائيل" في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، بدأ يهود روسيا بالتأثير بشكل واضح في الحياة السياسية في "إسرائيل"، حيث إنهم دخلوا هذا المعترك بصورة برغماتية تحقق لهم مصالحهم ومطالبهم سواء على المدى القريب أو المدى البعيد.

ناتان شارانسكي وأول حزب سياسي ليهود روسيا

شكل ناتان شارانسكي أيقونة النضال بالنسبة ليهود روسيا، ولد شارانسكي في أوكرانيا في العام 1948، هاجر إلى "إسرائيل" بعد حصوله على تأشيرة هجرة عام 1973، ومن بعدها بدأ نشاطه السياسي. فور وصوله لـ"إسرائيل" بدأ حملة إعلامية ضخمة في أحقية اليهود السوفييت في الهجرة لـ"إسرائيل"، في الوقت الذي كانت فيه روسيا تفرض على مواطنيها قيودا تمنعهم من الهجرة، ويعد شارانسكي من يهود اليمين المتطرف الذين ينادون دائماً بفكرة "الترانسفير" للعرب.

دخل يهود الاتحاد السوفييتي الحياة السياسية على يده بعد تأسيسه أول حزب سياسي يمثلهم “إسرائيل المهاجرة” (يسرائيل بعلياه) في العام 1996. شارك في انتخابات الكنيست الإسرائيلي لدورتها الرابعة عشر من نفس العام وحصل على 7 مقاعد، وفاوضهم رئيس الوزراء عن حزب الليكود بنيامين نتنياهو في حينها من أجل الانضمام إلى الائتلاف الحكومي وحصل شارانسكي على منصب وزير التجارة والصناعة، وزميله من نفس الحزب يولي إدلشتاين عيّن وزير الاستيعاب والهجرة.

وكان حزب شارانسكي يعد سادس أكبر حزب في الانتخابات بعد العمل والليكود والميفدال وشاس وميرتس.

أما في العام 1999 حصل الحزب على 6 مقاعد في الكنيست، ليحصل على وزارة الداخلية حتى عام 2000 قبل أن يقدم استقالته رفضاً لمفاوضات كامب ديفيد التي قادها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي إيهود باراك، أما في انتخابات الكنيست 2003 حصل الحزب فقط على مقعدين ليعلن شارانسكي عن حل الحزب وضمه لحزب الليكود اليميني، ويصبح شارانسكي مديراً للوكالة اليهودية.

الدوافع الحقيقية لدخول الانتخابات الإسرائيلية

حينما قدم  يهود روسيا قبل تأسيس حزب "يسرائيل بعلياه" منحوا أصواتهم الانتخابية لحزب العمل اليساري برئاسة رئيس الوزراء يتسحاق رابين عام 1992 بنسبة 47% بمقابل نسبة 18% فقط لحزب الليكود، في الوقت الذي كان شارانسكي يرفض رفضاً قاطعاً تحويل حركته السياسية إلى حزب سياسي ليحظى بعدد من المقاعد أو الحصول على منصب وزير، حيث كان يرى أن الهجرة اليهودية يجب أن تبقى شأنا يوحد اليهود ولا يفرقهم لكن ما دفعه لخوض غمار الانتخابات فيما بعد، أنه أراد تقديم حزبه بعد دخول حزبي ( العمل والليكود) في أزمة حقيقية بعد اغتيال إسحاق رابين، على إثر مفاوضات أوسلو مع الفلسطينيين، هذا إلى جانب أنه أراد إبراز مسائل الهجرة والشتات اليهودي ( الدياسبورا) بشكل أكبر، لكن الدافع الأساسي كان بزيادة الفجوة بين المجتمع الإسرائيلي والمهاجرين الروس، فقد خذلت حكومة حزب العمل وقتها المهاجرين ولم تنظر لأوضاعهم سواء المعيشية أو الاقتصادية أو طرح سبل لدمجهم في المجتمع، بعد ما فشل رابين ومن قبله إسحاق شامير في تقديم مساعدات مالية لهم تساعدهم في الاندماج، فقد شوهد أكاديميون من مهاجري روسيا يعملون في جمع النفايات والقمامة في "إسرائيل"، كما أن انتفاضة الحجارة وقتها لعبت دوراً في تدهور أحوالهم الاقتصادية أكثر فأكثر حتى بعد توقيع اتفاق أوسلو، وحدوث انتفاضة الأقصى جميعها أثرت على الإثنية المهمشة والأكبر في "إسرائيل" التي كانت غالبها تعمل في القطاع السياحي الذي تأثر بالدرجة الأولى، ما دفع المهاجرين الروس لانتخاب أحزاب تمثلهم.

أفيغدور ليبرمان وحزب إسرائيل بيتنا

لم يكن حزب "يسرائيل بعلياه" الحزب الوحيد الممثل عن المهاجرين الروس، فقد أسس أفيغدور ليبرمان عام 1999 حزب "يسرائيل بيتنا". ولد ليبرمان في الاتحاد السوفييتي في 5/6/1958، ووصل إلى "إسرائيل" مهاجراً عام 1978، وفور وصوله لـ"إسرائيل" انضم إلى حزب "كاخ" وأصبح عنصراً في "عصابات الجنازير" المسؤولة عن الاعتداءات على الطلبة الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية وقتها.

جاء تأسيس هذا الحزب بالشراكة مع قوى يهودية دينية متطرفة، كان أغلبهم من المستوطنين، حصل حزبه في أول انتخابات يخوضها عام 1999، على أربعة مقاعد، لكنه شكل الاتحاد الوطني بالشراكة مع رحبعام زئيفي وبنيامين بيغن وبيني أيالون، ليصبح ليبرمان رجلا يمينيا صارما، خاصة بعد اغتيال زئيفي وانسحاب بيغن من الحياة السياسية، ليتصدر ليبرمان اليمين المتطرف في "إسرائيل".

وفي العام 2006 حصل حزبه على 11 مقعداً، وفي 2009 حصل على 16 مقعداً ليمثل خمس حقائب وزارية مهمة، منها وزارة الخارجية، وزارة السياحة، وزارة الأمن الداخلي، وزارة البنية التحتية ووزارة الاندماج.

ليبقى ليبرمان في الحياة السياسية في "إسرائيل" ويتولى منصب وزارة الخارجية من 2009 حتى 2015، أما في 2016 عُين وزيرا لجيش الاحتلال الإسرائيلي وقد استقال من منصبه في نوفمبر 2018 احتجاجاً على وقف إطلاق النار مع قطاع غزة.

انتهج المهاجرون الروس سلوكاً سياسياً معادياً ومتطرفاً تجاه العرب، جميعهم يتبنون مواقف يمنية صارمة في مسألة التنازلات التي تقدمها "إسرائيل" في إطار عملية التسوية والمفاوضات مع الفلسطينيين، واغلبهم يرى أن مدينة القدس هي العاصمة الأبدية لدولة الاحتلال، وكذلك موقفهم المتشدد من عودة اللاجئين؛ فقد قامت أحزابهم باتخاذ خطوات معادية تجاه الفلسطينيين وقضاياهم، ونادى حزب "إسرائيل بيتنا" في دعايته برنامجه الانتخابي لطرد العرب من أراضي 48، وكذلك دعوة حزب "إسرائيل بيتنا" لإلغاء اللغة العربية كلغة رسمية، وطرح قانون منع رفع الآذان واستخدام مكبرات الصوت في مساجد القدس، ودائماً ما يدعو لاتخاذ خطوات من جانب واحد في قضايا التسوية مع الفلسطينيين لضمان أمن "إسرائيل".

وكان ليبرمان قدم في أثناء تشكيل الائتلاف الحكومي مع إيهود أولمرت وثيقة الخطوط الحمراء مع الفلسطينيين التي تنص على التبادل السكاني والجغرافي من خلال ضم 300 ألف مستوطن في الضفة الغربية والمساحات الجغرافية التي يحتلونها إلى "إسرائيل" في مقابل التخلص من 600 ألف فلسطيني من مناطق المثلث ومحيط القدس بإرجاعهم إلى الدولة الفلسطينية، وقدم في هذه الوثيقة أيضاً حدود مدينة القدس لتبقى تحت السيطرة الإسرائيلية بشكل كامل، ويرفض ليبرمان حرية العبادة في مدينة القدس وكذلك فتح المعابر مع الضفة الغربية وقطاع غزة وتشغيل الفلسطينيين وتقديم تسهيلات لهم.

وفي ظل هذا كله، أثبتت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة في نيسان 2019، أن المهاجرين الروس بدأوا ينفصلون عن حزب "إسرائيل بيتنا" لينضموا إلى حزب الليكود المتطرف وغيره من أحزاب اليمين، ليساهم هؤلاء المهاجرون بشكل واضح في تعزيز اليمين المتطرف في "إسرائيل" وزيادة السلوك العدائي للسياسيين الإسرائيليين تجاه الفلسطينيين.