الحدث- القاهرة
قال الرئيس محمود عباس، إن الضغوط الأميركية كانت 'مرعبة، وإن الحكومة الفلسطينية دخلت إلى مجلس الأمن وبحوزتها 14 صوتا، لكن ضغوط واشنطن خفضتها إلى تسعة أصوات، وفى الربع ساعة الأخيرة قبل التصويت انسحبت نيجيريا بضغوط قوية من الولايات، ففشلنا في الحصول على الموافقة'.
وشدد سيادته في حواره مع موقع 'البوابة نيوز' المصرية والذي نشر اليوم الأحد، على أن هذا ما دفع القيادة الفلسطينية لتبنى عدد من الإجراءات، في مقدمتها الانضمام إلى المنظمات الدولية، خاصة محكمة الجنايات الدولية، الأمر الذي ردت عليه إسرائيل بحجب أموال الجمارك، 'لتعجيزنا عن دفع مرتبات السلطة'، قال الرئيس.
وفجر الرئيس مفاجأة، معلنًا أن تفاهمًا جرى بين حماس وإسرائيل حول مشروع 'ايجور أيلاند' والذي يقضى بإنشاء دولة فلسطينية على أراضي غزة مضافًا إليها قطع أراض من مصر.
وشدد في حواره الذي استمر أكثر من ساعة بقصر الأندلس، مقر إقامته في مصر، على أن موقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان 'مشرفًا حينما علم بهذه المؤامرة، وأكد أن مصر لن تقبل أن تمنح، لا إسرائيل ولا حماس، سنتيمترا واحدا من أراضيها، على حساب القضية الفلسطينية'.
وفي ما يلي نص الحوار كما جاء في 'البوابة نيوز':
- لماذا ذهبتم إلى مجلس الأمن وأنتم غير متأكدين من الحصول على الأصوات التسعة التي تمرر قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية من طرف واحد؟
أولًا نحن ذهبنا إلى مجلس الأمن بقرار عربي موحد لإعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد، وكنا ضامنين أربعة عشر صوتًا، لكن الضغوط الأميركية استطاعت أن تنزل بها إلى تسعة أصوات، وكان هذا كافيًا لتمرير القرار، لكن حدثت المفاجأة في الربع ساعة الأخيرة، حيث جاء المندوب الفرنسي وأبلغ المندوب الفلسطيني أن نيجيريا تراجعت.
- وما الذي يجعل نيجيريا تتراجع وهى دولة مسلمة وكانت في صفكم منذ البداية؟
الضغوط الأميركية، لقد ضغطوا على نيجيريا بموضوع الحرب على 'بوكو حرام' وهددوها بمنع المساعدات الأمنية، وعلى كل حال فقد أبلغني وزير الخارجية الأميركي جون كيري شخصيًا، بأن الإدارة الأميركية كانت ستستخدم 'الفيتو' حال حصولنا على الأصوات التسعة.
- إذا كان هذا هو الموقف الأميركي فما جدوى محاولات الدولية إذن؟
نحن لم نعدم الأوراق السياسية التي نلعب بها على الساحة الدولية، فقد أبلغنا الأميركان أننا أمام إفشال المفاوضات لدينا سلسلة من الإجراءات، إما أن نعيد الكرة ونحصل على قرار من مجلس الأمن بالاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، أو نلجأ للمنظمات الدولية وفى مقدمتها محكمة الجنايات الدولية.
- أليس هذا تصعيدا غير مبرر، يأتي في وقت يعيش الفلسطينيون والعرب فيه أضعف حالاتهم؟
لقد قال لي جون كيري هذا الكلام بالفعل، بل إنه زاد إن الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية (ICC) هو 'خيار نووي' بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، ولكننا وقعنا في اليوم التالي مباشرة على أوراق الانضمام إلى 22 منظمة دولية، في مقدمتها (ICC)، الأمر الذي أدى إلى انفجار الغضب الإسرائيلي، والذي نتج عنه ما تراه الآن من حجز أموال السلطة، وتهديدات تطال حياتي شخصيًا كرئيس لها، وقد ذكروني بمصير عرفات، وأنا جاهز لكل الخيارات في سبيل تحقيق حلم الدولة الفلسطينية، على أراضي 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
لقد أبلغت الرئيس السيسي بالفعل، أثناء مقابلتي معه بالأمر، وقلت له إن حماس وإسرائيل اتفقتا بالفعل، وكان موقف الرئيس رائعا ووطنيا وواضحا.
- قلتم إن عددًا من الإجراءات اتخذتم بعضها، فما هو باقي تلك الإجراءات التي بجعبتكم؟
أولًا سنوقف التنسيق الأمني تمامًا في حال وضعوا العراقيل أمامنا مرة أخرى بمجلس الأمن، وسنحمل السلطة الإسرائيلية مسؤوليتها على رام الله بالكامل باعتبارها سلطة احتلال، وهو ما لن تطيقه لا إسرائيل ولا أميركا.
- قلتم إنكم ستلجأون إلى وقف التنسيق الأمني إذا وضعوا العراقيل أمامكم هل تنوون التقدم، مرة أخرى، بطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية من طرف واحد إلى مجلس الأمن ؟
نعم وربما يكون ذلك في الأيام القليلة المقبلة.
- وماذا لو راوغت إسرائيل وذهبت للتفاوض المباشر مع حماس متجاوزة السلطة الفلسطينية (التي تعتبرها تل أبيب وواشنطن الآن غير متعاونة)؟
لقد قاموا بالفعل بالجلوس مع حماس والاتفاق مع قيادات حماس على مشروع 'إيجور أيلاند' الشهير، الذي يقضى بقيام دولة فلسطينية في غزة مضافًا إليها أراض مصرية، والتخلي عن القدس وحق العودة، وإنهاء القضية الفلسطينية تمامًا، ومعلوماتي أن حماس وقعت بالفعل مع إسرائيل على الموافقة على المشروع، ولم تبق إلا عقبة وحيدة تقف أمامه، وهي موافقة مصر على هذا الإطار والقيام بمنح أراض بديلة.
- معلوماتي إن الرئيس المعزول محمد مرسي العياط لم يكن لديه مانع في تحقيق هذا الطلب لإسرائيل وحماس، بل وافق بالفعل وكان ينتظر الوقت المناسب للتنفيذ، فماذا عن الرئيس السيسي، وهل ناقشتم ذلك الأمر معه؟
لقد أبلغت الرئيس السيسي بالفعل، أثناء مقابلتي معه بالأمر، وقلت له إن حماس وإسرائيل اتفقتا بالفعل، وكان موقف الرئيس رائعا ووطنيا وواضحا، حيث قال لي بالحرف 'لا يوجد مصري واحد، فضلًا عن رئيس الجمهورية، يقبل بمنح سنتيميتر واحد لحماس أو لإسرائيل'، ورددت عليه بأننا نحن أيضًا في فلسطين، 'لن يقبل قيادي واحد، لا أبو مازن ولا غيره بأن يقيموا دولة فلسطينية على سنتيمتر واحد من أراضي دولة عربية أخرى'.
- وما حقيقة ما يتردد، بين الحين والآخر، عن وجود اتصالات سرية غير معلنة بينكم وبين إسرائيل؟
لا توجد أي اتصالات سرية بيننا وبينهم، لكن بالطبع يوجد تنسيق دائم على الأرض لمصلحة الشعب الفلسطيني، فلا تنس أن الضفة تختلف عن القطاع بكثير، فالإسرائيليون والفلسطينيون يعيشون في شوارع متداخلة ومنازل مشتركة، سواء في رام الله أو القدس الشرقية، وهذا يتطلب تنسيقا كاملا على الأرض بين ضباطنا وضباطهم، وبين موظفي السلطة والمسؤولين الإسرائيليين، وهذا كله يتم لصالح المواطن الفلسطيني بغرض الحفاظ على أمنه، وهناك أيضا قنوات رسمية تتعامل يوميًا مع بعضها البعض، فعلى سبيل المثال نحن ليس لدينا موانئ، وبضاعتنا التي تدخل إلينا تأتي عبر موانئ إسرائيلية، وهناك جمارك تتم جبايتها على هذه البضائع بمقدار 17% يأخذ الإسرائيليون منها 3% عمولات إدارية، ونتحصل نحن على الباقي، وهو ما يقدر ما بين 100 إلى 120 مليون دولار شهريًا، تلك التي قاموا بحجزها للضغط علينا حتى لا نتقدم مرة أخرى بطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية من طرف واحد.
- ألا ترى تداعيات كبرى لعجز السلطة عن دفع رواتب الموظفين، وتأثيرات لتلك الإجراءات على الداخل الفلسطيني، بشكل يعوق تحركاتكم في الخارج؟
اعتقد أنه إذا جرى تفعيل شبكة الأمان العربية، التي أقرت قبل سنوات، لتعويض المائة مليون دولار شهريًا، التي تأتينا من الجمارك، إضافة إلى المساعدات الدولية، وما يجبى من الضرائب، ونتصور أننا سنستطيع الصمود أمام الضغوط الإسرائيلية، ونتحرك بشكل إيجابي وفعال على الساحة الدولية.
- اسمح لي سيادة الرئيس، هل كانت مشاركتكم في تظاهرة باريس بجانب 'نتنياهو'، والتي أثارت استياء عدد كبير جدا من مواطني الدول العربية والإسلامية، واجبة؟
دعني أقول لك أولًا إن فرنسا صديق داعم بشكل دائم للحق الفلسطيني في كل المنتديات الدولية، ولا تنس موقفها الأخير من قرار إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد، فقد تحدت الإرادة الأميركية وصوتت مع القرار ضد رغبة تل أبيب وواشنطن، وقبلها في نوفمبر عام 2012 صوتت أيضًا لصالح عضوية فلسطين كدولة مراقب بالأمم المتحدة.
وبعيدا عن كل هذا وذاك، فموقفنا واضح من الإرهاب وداعم لكل تحرك يقف بوجهه ويعلن رفضه له، وتواجدي كان بناءً على طلب رسمي وشخصي من الرئيس الفرنسي، فقد أرسل لي الرجل دعوة رسمية للمشاركة في تلك التظاهرة، وما كان لي أن أرفض دعوة بهذا الشكل في قضية موقفنا فيها واضح، تعضيدًا ومساندة لبلد يساند بشكل دائم القضية الفلسطينية والحق الفلسطيني.
- بعض من انتقدوا زيارتك إلى باريس كان لسان حالهم يقول، ألم تكن غزة أولى بتلك الزيارة؟
بداية دعني أؤكد أن هناك اتفاقات جرت في القاهرة والدوحة، تنص على تمكين حكومة الوفاق الوطني، تمهيدًا لتسليم المعابر والسماح بدخول الأموال، الخاصة بإعمار غزة، وحماس حتى الآن ترفض تنفيذ تلك الاتفاقات، وتضع العراقيل أمام حكومة الوفاق الوطني، أضف إلى ذلك ما تقوم به من إرهاب ضد قيادات فتح، ففي ليلة الاحتفال بالذكرى العاشرة لعرفات قامت بنسف خمسة عشر بيتًا لقيادات 'فتحاوية'، وادعت عدم علاقتها بالجريمة، فلا يعقل والحال كذلك أن أقوم بزيارة لغزة.
عندما تقوم حماس بتنفيذ اتفاق القاهرة والموافقة على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والتمكين الكامل لحكومة الوفاق الوطني، وتسليم المعابر للسلطة الفلسطينية لتشجيع الدول المانحة على إدخال الأموال كي نبدأ في إعمار غزة، ستكون زيارتي الأولى إلى القطاع.
- قلتم سيادتكم إنكم لن تتقدموا للترشح لمنصب الرئيس مرة أخرى، وتعرفون سيادتكم أن في هذا مخاطرة كبيرة على القضية الفلسطينية، فهل راجعتم موقفكم من تلك التصريحات؟
الموضوع ليس مطروحًا بشكل ملح الآن، المهم الآن هو الحفاظ على الحقوق الفلسطينية وتثبيت فكرة الانتخابات التشريعية والرئاسية، حتى تظل فكرة الدولة وجوهرها قائمين، أما من يترأس تلك الدولة، فاعتقد أن الشعب الفلسطيني لم يعجز عن إنجاب الرجال، وهناك كثيرون يستطيعون مواصلة مسيرتي ومسيرة أبو عمار، فنحن أجيال يسلم كل منا الراية للآخر.
- سمعنا عن وساطة تركية بين حماس وإسرائيل، فهل لذلك علاقة بمشروع 'إيجور أيلاند'؟
نعم، فما زالت حماس تحلم بدولة مستقلة، (إمارة إسلامية) في غزة، وهذا مسار خطر، يغري كثيرا من الدول التي لا تريد الخير، لا لفلسطين ولا للمنطقة ككل.
- أخيرًا سيدى الرئيس ما هي أبرز القضايا التي ناقشتموها مع الرئيس السيسي؟
ناقشت مع الرئيس السيسي ستة موضوعات رئيسية، ما حدث في مجلس الأمن وخطة تحركاتنا في الفترة المقبلة، خاصة الإجراءات التي ننوى اتخاذها إذا وضعت أمريكا وإسرائيل المعوقات في طريق الاعتراف بالدولة الفلسطينية من طرف واحد، وأهمها التخلي عن التنسيق الأمني بيننا وبين إسرائيل، لأنها خطوة خطيرة ولها تداعياتها المهمة على الأرض.
أيضًا ناقشنا عملية السلام وموضوع غزة، خاصة ما يتعلق بموافقة حماس وإسرائيل على مشروع 'إيجور أيلاند'، كما ناقشنا موضوع التمكين لحكومة الوفاق الوطني وإعادة الإعمار، والتنسيق المصري الفلسطيني في كل المجالات.