ألم تلاحظوا أننا جميعا نسينا حكاية المصالحة!
هنا في رام الله يجري الحديث عن كل شيء إلا عن المصالحة، وهذا أهم دليل على اليأس المطلق من إمكانية تحقيقها، وهناك في غزة لا يتحدثون إلا عن شيء واحد هو التهدئة والشروط التي يتعين على إسرائيل القيام بها لتثبيتها والتنعم بمزاياها.
نسيان مجرد المحاولة لجعل موضوعة المصالحة مطروحة على جدول الأعمال، هو شكل من أشكال التسليم بحقيقة مأساوية تقف وراء الباب عنوانها ومضمونها تحول الانقسام إلى انفصال، أي تحول الوطن الفلسطيني الذي كان واحدا منذ بدء الخليقة إلى وطنين مختلفين ومتناحرين في زمن الشعارات الثورية والمقاومة.
أخطر ما ينجم عن استمرار الانقسام وتحوله إلى انفصال، هو أن هنالك من يتعامل مع الوطنين الفلسطينيين على أنهما دولتان تقتسمان أرضا وشرعية وسياسة.
صحيح أن أحدا لم يعلن رسميا وعلنيا اعترافا بدولة غزة؛ إلا أن كثيرين يتعاملون مع الوضع القائم فيها كما لو أنه دولة مستقلة... وفود تستقبل باسم غزة ومحادثات تجري مع الأمر الواقع في غزة ومكاتب وممثليات تفتح في أماكن عديدة وتحظى برعاية تكون غالبا موازية إن لم تكن أفضل من الرعايات التي تحظى بها ممثليات الدولة الفلسطينية ومنظمة التحرير والسلطة.
ومع أن النهج الذي تم على مدى 12 سنة تحت عنوان إنهاء الانقسام، كان نهجا ساذجا ومرتجلا نتيجته الحاسمة الفشل، إلا أن المحاولات الساذجة تلك كانت تطرح قضية الانقسام كقضية يتابعها الناس وينتظرون حلا لها، وحتى هذا الذي هو أضعف الإيمان لم يعد قائما، إذ اودعت فيما يبدو أخطر قضية يواجهها الفلسطينيون في تاريخهم في أرشيف كتب على ملفه "مستحيل الحل" حتى الوسطاء الذين كانوا يوجهون الدعوات للوفود بين وقت وآخر لم يعودوا يأتون على ذكر المصالحة وإن فعلوا فمن أجل رفع العتب ليس إلا .
ماذا نقول للعالم الذي نطالبه كل يوم بأن ينصرنا وأن يمنع إسرائيل عن التوغل في سياساتها التهويدية والإلحاقية التي لم يعد ينجو منها أي جزء من الوطن الفلسطيني.
قيل لنا إن أول ما يتعين عليكم فعله أمام تهديد صفقة القرن هو استعادة وحدتكم وتوحيد شرعيتكم.
لم نفعل شيئا من ذلك إذ بصفقة القرن أو بدونها، فلا حياة لقضية ينقسم أهلها ولا يعرفون كيف يتوحدون.
صفقة القرن ساقطة لا محالة لكونها معزوفة نشاز لا يسمعها غير المغامرين بصياغتها، غير أن ما هو أخطر من صفقة القرن ما يفعله الإسرائيليون كل يوم على أرضنا بحيث صار أغلى ما نملك مجرد مادة انتخابية يتم تداولها في سوق الأصوات البائس في إسرائيل.