سيادة الرئيس،
كان بيتُك مجاوراً لمنزل أبو جهاد- خليل الوزير- عندما دخلت قوات الموساد ليلاً واغتالته في عام 1988. حينها كنت أنا في الصف الخامس الابتدائي، في "مدرسة القدس"، في منطقة "رادس" في تونس العاصمة، تماماً مثل مستوى الصف الدراسي لابنتي اليوم، التي لا أعلم إن كان من حسنِ حظها أم من سوئه، أن تدرس في إحدى المدارس الخاصة في فلسطين، حيث لا يثق الكثيرُ من أبناء شعبك – سيدي الرئيس- وأنا من بينهم، لا في النظام التعليمي، ولا في النظام الصحي، ولا في منظومة العدالة الاجتماعية والقانونية الحالية للسلطة الفلسطينية.
شقيقي الأصغر، وُلدِ في تونسِ عام مذبحة حمام الشط، لكنه عاد مع عائلتنا الصغيرة، إلى فلسطين، ليبدأ تعليمه من الصفوف الابتدائية في مدارس السلطة الفلسطينية المنشأةِ حديثاً بموجب اتفاق أوسلو، الاتفاق الذي صغته ورقاً، ووصفته طريقاً في كتابك "طريق أوسلو".
وبمقارنة بسيطة مع "مدرسة القدس" التي تعلمنا فيها في تونس، والتي أنشأها الراحل أبو عمار، إثر البحث عن مكان لتدريس أبناء الشهداء من الملتحقين بصفوف منظمة التحرير، وكانت من خيرة كوادر المنظمة من المعلمين والمعلمات الفلسطينيين، ليذيع صيتها فتكون المدرسة التي يرغب معظم الفلسطينيين المقيمين في تونس تدريس أبنائهم فيها، بمن فيهم بعض الملحقيين الدبلوماسيين العرب، ... أستطيع أن ألمس الفرق في التحصيل الدراسي بين جيلين من الأبناء أحدهما كان يبحثُ عن كيفية العودة إلى الوطن وبنائه، والآخر (شقيقي) لم يعرف كيف يبني الوطن ولا حتى من أين يبدأ.
عشنا في تونس، الدولة التي لم تتدخل في شؤوننا الداخلية ولم تُقيد حركة المنظمة، البلد التي تزوجوا منا وتزوجنا منهم، اخترق العدو سماءها، واستشهد أبناؤها، فاختلطت دماؤنا بدمائهم، فناصرتنا، واستمرت، وسمحت لنا بالدراسة في مدارسها، حتى أن بعض أساتذة مدرسة القدس، أكملوا دراستهم في جامعاتها، وبعد العودة إلى فلسطين، عادوا إلى هناك ليكملوا إما تحصيلهم الأكاديمي ماجستيراً أو دكتوراة.
تونس الممتد شجر زيتونها على امتداد البصر، لتكون في المرتبة الثانية عالمياً من حيث مساحات زراعة الزيتون، تُذكر الفلسطيني بهمِّ زيتونه المُقتلع في موسمه وقبله، ليُصبح شعاراً للوحات الزيتية، والغصن المحروق للسلام.
من تونس كانت سوسن الحمامي، التي استطاعت أن تجمع جوليا بطرس وأمل عرفة، في كلمات الليبي علي الكيلاني، في أغنية "وين الملايين"، لتكون نداء النظر الثقافي إلى مقاومة الشعب المقهور في انتفاضته الأولى، وحافز تعبئة وطنية من الطراز الأول، على مستوى الشارع العربي.
تونس التي تُقارع ديموقراطية الاحتلال الذي يُجري انتخاباته اليوم مع إجراء انتخاباتها للرئاسة بالتزامن، دائماً تدفعنا للنظر إلى أنفسنا بِعُري كاملٍ.
سيادة الرئيس، عشنا في تونس معاً، وعدنا إلى الوطن بموجب أوسلو معاً، لذلك أوجه إليك سؤالي البسيط، هل يُمكن لنا أن نُشفى من حب تونس، ونُحبَّ فلسطين؟