الحدث ـ مادلين إبراهيم
لم تكن "دولة إسرائيل" المقامة الحالية على الأراضي الفلسطينية في العام 1948، هي الدولة الأولى لليهود؛ فقد سبقها إعلان إيفريسكايا افتونيمايا أوبلاست منطقة حكم ذاتي لليهود في روسيا، وعاصمتها مدينة بيروبيجان، لكن المطامع اليهودية لم تكتف بهذه الدولة، فقد كانت الأنظار تتجه نحو " أرض الميعاد" فلسطين.
بعد تقسيم بولندا في القرن الثامن العشر، ضمت روسيا عددا كبيرا من يهود اليديشية إلى أراضيها ليصبح أكبر تجمع يهودي في أوروبا على أراضي الإمبراطورية القيصرية، وكان اليهود وقتها أصحاب المال ويشاركون في المهن الحرفية والتجارة، على الرغم من أنه كان ينظر لهم كجماعة وظيفية في الدولة آنذاك.
فقد بدأت الإمبراطورية بالاعتراف بهم كسكان أصليين ضمن الإمبراطورية وإعطائهم حقوقهم الاجتماعية والسياسية كاملة، لكن في الوقت نفسه انتهجت الإمبراطورية سياسات تحثهم على الاستيطان والتواجد فقط في مناطق محددة من خلال: فرض ضرائب مضاعفة على التجار اليهود خارج المناطق الاستيطانية، وإعفاء التجار بشكل كامل من هذه الضرائب في داخل المناطق الاستيطانية، وفرض قانون الإقامة الجبرية في مناطقهم، ومن هنا بدأت مشاكل اليهود مع الإمبراطورية الروسية مروراً بسلوكهم المشين داخل المجتمع مثل: أنهم كانوا السبب الأساسي في مشكلة السُكر بين الفلاحين عام 1797 كونهم صانعي وبائعي الخمر وكذلك تقاضيهم الرشاوى في المؤسسات الحكومية والربا في الأموال وأصحاب مصانع النسيج والمواد الغذائية وغيرها من السلوكيات التي جعلتهم يشكلون قوة مال وأصحاب ملايين وكذلك أصحاب شهادات عليا، وأيضا محاولة سيطرتهم على الرأي العام والصحافة، ليصبحوا كيان دولة داخل الدولة مما زاد العداء بينهم وبين الإمبراطورية القيصرية وكذلك المجتمع الروسي.
حينما قامت الثورة البلشفية في روسيا 1917؛ لوحظ دور واضح وكبير لليهود في هذه الثورة من خلال الدعم بالمال والتواجد الفعال والحقيقي في الأماكن السياسية، لتشكل هذه الثورة انقلابا مهولا لصالح اليهود في روسيا، فقد تولى غالبيتهم مناصب قيادية ومطلقة في الدولة الروسية، وتولى حوالي 447 يهوديا من أصل 556 شخصاً يهوديا قياديا في السلطة السوفيتية، وهنا بدأت مخاوف بريطانيا بعد إسقاط الإمبراطورية القيصرية شريكتها في الحرب العالمية ضد ألمانيا والدولة العثمانية.
بدأت تشعر بريطانيا أن هناك مؤامرة كبيرة تحاك لها من قبل اليهود، خاصة بعد دخول جمعية الاتحاد والترقي إلى الحكم في الدولة العثمانية التي عمل على تشكيلها اليهود، والتي ساهمت في مشاركة العرب ضد بريطانيا في الحرب، هذا ما جعلها تشعر بتهديد نفوذها الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط، مما دفعها لتقديم وعد بلفور لليهود في أرض فلسطين عام 1917، وقد بدأت موجات الهجرة اليهودية بشكل مكثف لفلسطين.
في العام 1934 ، أمر الرئيس الروسي فلاديمير لينين بتشكيل الأوبلاست اليهودية، كأول دولة لليهود ذاتية الحكم، وجاء ذلك للاعتراف في اليهود كجزء ومكون أساسي من الشعب الروسي، وكتقديم حل قومي لليهود، في الوقت الذي كان يعاني اليهود من معاداة السامية في أوروبا، وكذلك ظهور النازية التي اعتمدت أساليب ممنهجة لقتل اليهود، وقد جاء ذلك أيضاً في أوج الهجرة اليهودية لفلسطين في عهد الانتداب البريطاني، لذلك اعتبر اليهود الأوبلاست كمحطة تمهيدية فقط للانتقال إلى "أرض الميعاد"، هذا إلى جانب عدة قوانين أصدرها لينين كانت لصالح اليهود بشكل واضح وكان أبرزها إصدار قانون ينص على:
1- العداء لليهود يعتبر عداءً للجنس السامي، يعاقب عليه القانون.
2-الاعتراف بحق اليهود في إقامة "دولة إسرائيل" ذات السيادة في فلسطين.
وأصبح بذلك الاتحاد السوفييتي داعما أساسيا للصهيونية في إقامة "إسرائيل"، حينما قدم الرئيس السوفيتي أندريه غروميكو مشروع تقسيم دولة فلسطين إلى دولتين بين العرب واليهود عام 1947، ودعمت موسكو تشيكوسلوفاكيا في تقديم الأسلحة لليهود في حرب 1948، لتحسم المعركة لصالح "إسرائيل" وتقام الدولة الصهيونية.
والجدير بالذكر أن العلاقات الإسرائيلية الروسية تشكل علاقة قوية مبنية على مصالح مشتركة، كما أن روسيا تنتهج دائماً سياسات لتبقي "إسرائيل" الطرف الأقوى في الشرق الأوسط وهذا ما لوحظ أيضاً بتعامل فلاديمير بوتين مع "إسرائيل" في الملف السوري، لحفظ أمن ومصالح "إسرائيل" في المنطقة.