الحدث الفلسطيني
أصدرت مؤخراً، الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" تقرير تقصّي حقائق حول وفاة المواطن محمود رشاد الحملاوي في مركز إصلاح وتأهيل رام الله بتاريخ 27/3/2019، ضمن سلسلة تقارير تقصي الحقائق (15).
ويعالج التقرير الإجراءات التي اتُّبعت في عملية توقيف المواطن حملاوي لدى شرطة رام الله، وبعد ذلك توقيفه لدى مركز إصلاح وتأهيل رام الله. كذلك تتبُّع الإجراءات الرسمية في هذا المجال، والوضح الصحي للمواطن قبل وفاته وأثناء احتجازه في مركز إصلاح وتأهيل رام الله، ويقدم مجموعة من الاستنتاجات والتوصيات بهذا الشأن، بما فيها توصية الجهات المختصة في الحكومة الفلسطينية التنظر في تعويض عائلة الحملاوي مالياً، واتخاذ ما يلزم من أي إجراءات أخرى للإنصاف وجبر الضرر الذي لحق بالعائلة.
وبين التقرير أن الهيئة قامت، ومنذ إعلان خبر الوفاة، بعدد من الإجراءات التمهيدية لتقصي حقائق وأسباب وفاة المواطن المذكور، وانتدبت طبيباً من طرفها، ويمثل العائلة، شارك في عملية التشريح التي تمت في اليوم التالي 28/3/2019، داخل معهد الطب العدلي في أبو ديس. كما قامت بمجموعة إجراءات تمثلت في مراسلة الجهات الرسمية المختلفة مثل قيادة الشرطة، والنيابة العامة، والخدمات الطبية العسكرية، ووزارة الداخلية، ووزارة الصحة، للوقوف على الأسباب الحقيقية للوفاة، وتتبع الإجراءات القانونية في عمليي توقيفه واحتجازه داخل مركز إصلاح وتأهيل رام الله، إضافة إلى متابعة الحالة الصحية له أثناء توقيفه في نظارات شرطة رام الله، ومركز إصلاح وتأهيل رام الله، كما استمعت الهيئة إلى شهود عيان على حادثة اختطافه من بيته، وشهود كانوا معه في مركز إصلاح وتأهيل بيتونيا في الأيام التي سبقت وفاته، وفي لحظة وفاته، علاوة على سماع شهادة أطباء وممرضين وضباط في الشرطة على اطّلاع بهذه الحالة.
وقد خلُص التقرير إلى جملة من الاستنتاجات تمثلت، في أنه قد تم اختطاف المواطن الحملاوي والاعتداء عليه من قبل أشخاص تصرفوا خارج إطار القانون، ومن ضمنهم ضابط في الأمن الوقائي، ما أعطى انطباعاً بأن من قام بالاعتقال هم أفراد من جهاز الأمن الوقائي. وبمراجعة جهاز الأمن الوقائي، تبين أن الضابط المذكور تصرف بصفته الشخصية والعائلية، ولم يكن مكلفاً من قبل الجهاز باعتقال المواطن. قام جهاز الشرطة باستلام المواطن من الأشخاص الذين قاموا باختطافه وتسليمه إلى الشرطة، دون أن يتخذ أي إجراء بحقهم على الرغم من علم الجهاز بأنه تم الاعتداء على المواطن الحملاوي أثناء عملية اعتقاله، وهذا، أيضاً، يضع علامات استفهام على مدى قانونية احتجاز المواطن من قبل الشرطة حال استلامه، وأيضاً يؤشر إلى وجود تساهل من قبل الشرطة في التعامل مع المواطنين الذين أخذوا القانون بيدهم. على الرغم من أن المواطن ذكر للشرطة أنه تعرض للاعتداء أثناء عملية اختطافه، فإن الشرطة والنيابة لم يحركوا أي إجراء بهذا الشأن. أظهرت حالة المواطن الحملاوي وجود نقص في عدد الأطباء لدى الخدمات الطبية العسكرية، الأمر الذي أدى إلى ضعف وجود المناوبات التي تغطي فترة 24 ساعة، والاستعاضة عن الأطباء بالممرضين.
وبسبب قلة الطواقم الطبية في الخدمات الطبية العسكرية، وعدم تفريغ أطباء لمراكز الإصلاح والتأهيل، يتم تأخر الأطباء عن الالتحاق بعملهم بصورة منتظمة، فلم يحضر الطبيب إلا عند الساعة التاسعة والنصف صباحاً لحظة محاولة الإنعاش. ضعف المأسسة وغياب تبادل المعلومات والتقارير الطبية بين وزارة الصحة والخدمات الطبية العسكرية، حيث لم يصل للخدمات الطبية العسكرية أي نتائج للفحوصات التي أجريت في مجمع فلسطين الطبي، ولم يتم إطلاع أطباء الخدمات على أي تقارير طبية أو إجراءات طبية جرت للمريض. غياب الملفات الطبية الموحدة والملف الطبي المذكور مقتضب وغير منظم، وفيه سرد للمعلومات بشكل غير كافٍ وغير دقيق، فضلاً عن عدم اكتمال المعلومات. يستدل من تقارير التشريح وجود قصور في تقديم العلاج اللازم للنزيل، حيث إن السائل الصديدي بهذه الكمية 1,3-2 لتر، يحتاج إلى وقت حتى يتكون وما يرافقه من أعراض وآلام عانى منها المتوفى وتتمثل في ارتفاع درجات الحرارة، وثقل وآلام في الصدر، مع ضيق في التنفس، وضعف عام في الجسم، وهذا إن لم يعالج في مركز طبي مناسب يؤدي إلى قصور في التنفس، ويتضاعف الأمر لقصور في جميع أعضاء الجسم، ومن ثم حدوث الوفاة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه ذكر في التقرير أن سائلاً صديدياً بهذه الكمية يحتاج من 4-6 أسابيع كي يتكون، ولكن في ظروف استثنائية من الممكن أن تتجمع هذه الكمية من السائل الصديدي في وقت أقل من ذلك كالتعرض لظروف اعتقال صعبة، تضعف من استجابة الجسم للالتهابات، وتسرع في تكوُّن السائل الصديدي. آثار الضرب على الجسم لا تؤدي إلى الوفاة، حيث إنها سطحية، ولا يوجد أي نزف داخلي على إثرها. حسب ما أظهرت نتائج التشريح واستنتاجات الطبيب الشرعي المنتدب من قبل الهيئة، كان يفترض تقديم العلاج للمواطن في مؤسسة طبية، وأن الالتهاب وعلاماته كانت واضحة جداً وسهلة الاكتشاف، ولم يتم التعامل معها بشكل صحيح على ما يبدو. سبب وفاة المواطن كما أظهرت نتائج التشريح يعود إلى الصدمة الإنتانية الناجمة عن الدبيلة البلورية (Septic check due plural empyema).
وخرج التقرير بعدة توصيات لكل من وزارة الصحة، النيابة العسكرية، الخدمات الطبية العسكرية، النيابة المدنية، وجهاز الشرطة. أما التوصيات الخاصة بوزارة الصحة فهي، تشكيل لجنة تحقيق حول الإجراءات التي اتّخذت مع المواطن في مجمع فلسطين الطبي، ومدى انسجامها مع البروتوكولات والأعراف الطبية المرعية والمعتمدة. إيجاد وسائل عملية لتبادل المعلومات في الملفات الطبية للنزلاء الذين يتم عرضهم على عيادات ومستشفيات وزارة الصحة مع الخدمات الطبية العسكرية، حتى يكون التشخيص صحيحاً، ويمكن البناء عليه لحماية حياة وصحة النزلاء. إصدار تقارير طبية واضحة تبين حالة المريض والأدوية التي صرفت له وصور الأشعة والعمليات التي أجريت له، وكافة الإجراءات التي قام بها الطبيب أو المستشفى.
التوصيات الخاصة بالنيابة العسكرية، ضرورة التحقيق مع الأشخاص العسكريين الذين شاركوا في عملية الاعتداء على المواطن الحملاوي، واختطافه، وتسليمه إلى الشرطة يوم 13/3/2019، وإحالة من يثبت تورطه إلى المحاكمة. والتوصيات الخاصة بالخدمات الطبية العسكرية فتتمثل في، أهمية توفير الكوادر الطبية الكافية من أطباء وممرضين للعمل على مدار الساعة في مراكز الإصلاح والتأهيل. وفي حال تحويل أي نزيل إلى أي مركز طبي خارج السجن، يجب أن تتم متابعة الإجراءات الطبية المتخذة بحقه، وطلب وجود تقرير طبي مفصل قبل إعادته إلى السجن.
أما التوصيات الخاصة بالنيابة المدنية فتمثلت بضرورة اتّخاذ المقتضى القانوني بحق الأشخاص الذين قاموا بالاعتداء على المواطن الحملاوي، واختطافه، وتسليمه للشرطة. والتوصيات الخاصة بالشرطة الفلسطينية، ضرورة اتباع الإجراءات القانونية السليمة عند القبض على أي مواطن. فتح تحقيق ومساءلة ومحاسبة أفراد الشرطة الذين استلموا المواطن الحملاوي من أشخاص مدنيين، وعدم قيامهم بأي إجراء قانوني بحق من قام بالاعتداء عليه بالضرب. تشكيل لجنة طبية وطنية لمراجعة الرعاية الصحية في مراكز الإصلاح والتأهيل، وأيضاً في مراكز الاحتجاز بشكل عام، بما في ذلك النظارات.
التعويض للعائلة، وختمت الهيئة تقريرها بوجود تقصير في أوجهٍ عدة، من ضمنها إجراءات التوقيف، وأيضاً الرعاية الصحية أثناء وجود المواطن الحملاوي في أماكن الاحتجاز، وأن هذا يرتب مسؤولية على الجهات الرسمية، وعليه توصي الهيئة بأن تنظر الجهات المختصة في الحكومة الفلسطينية في تعويض عائلة الحملاوي مالياً، واتخاذ ما يلزم من أي إجراءات أخرى للإنصاف وجبر الضرر الذي لحق بالعائلة