الحدث - جهاد الدين البدوي
منذ تولي الرئيس ترامب رئاسة البيت الأبيض دخل في دوامة تحقيقات وكانت القضية الأولى المتعلقة بالتدخل الروسي في انتخابات عام 2016، والقضية الثانية المتعلقة بعلاقة ترامب بنجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز وعارضة مجلة بلاي بوي كارين ماكدوغال، والتي تطورت بعدما اعترف محامي ترمب مايكل كوهين بأن موكله طلب منه أن يدفع مبالغ مالية لتلافي تشويه صورته أمام قبيل الانتخابات الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
ويوجه الرئيس ترامب حالياً إجراءات العزل بعدما أعلنت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، يوم الثلاثاء، أن المجلس سيبدأ تحقيقاً رسمياً بشأن مساءلة الرئيس دونالد ترامب تمهيدا لعزله.
وكشفت تقارير أن ترامب ضغط على نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اتصال هاتفي يوم 25 يوليو تموز لدفعه لفتح تحقيق عن بايدن، المرشح الديمقراطي الأوفر حظا لخوض انتخابات الرئاسة، وابنه هانتر، الذي عمل بشركة تنقب عن الغاز في أوكرانيا.
حسب الدستور، الخيانة، الرشوة وغيرهما من الجرائم الكبرى والجنح. فقد اتُهم جونسون بخرق القانون من خلال إقالة وزير الحرب الأمريكي، الذي لم يكن قراره كرئيس، في أعقاب الحرب الأهلية. وتمّ اتهام كلينتون بعرقلة العدالة والحنث باليمين بزعم الكذب تحت القسم أمام هيئة محلفين فدرالية كبرى حول علاقته مع مونيكا لوينسكي.
إجراءات العزل
ينص الدستور الأميركي على أنه يمكن للكونغرس عزل الرئيس أو نائبه أو القضاة الفدراليين في حال "الخيانة، أو الفساد، أو جرائم أخرى وجنح كبرى"، علما بأنه يثور الكثير من الجدل حول معاني ودلالات هذه المصطلحات.
وبعد عام 1967 أصبح من الممكن اللجوء إلى المادة 25 من الدستور الأميركي التي تمت المصادقة عليها في ذلك العام من أجل حل الإشكالات الطارئة التي قد تحدث في أي وقت، والتي برزت بشكل قوي بعد اغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي.
وينص هذا التعديل (25) على أنه يمكن أن يعلن نائب الرئيس الأميركي وأغلب الموظفين الرئيسيين في الإدارات التنفيذية أن الرئيس غير قادر على أداء مهامه، وفي هذه الحالة يتولى نائب الرئيس الصلاحيات والمهام كرئيس بالوكالة.
وتمر إجراءات عزل الرؤساء الأميركيين في الحالات العادية عبر مرحلتين؛ يصوت مجلس النواب في البدء بالأغلبية البسيطة على مواد الاتهام التي تفصّل الأفعال المنسوبة للرئيس، وهو ما يسمى "العزل"، وفي حال توجيه التهمة يتولى مجلس الشيوخ محاكمة الرئيس.
وفي ختام المناقشات، يصوّت أعضاء مجلس الشيوخ على كل مادة، ويتعين الحصول على أغلبية الثلثين لإدانة الرئيس، وفي حال تحقق ذلك يصبح العزل تلقائيا لا رجعة فيه، وفي حال عدم تحقق الأغلبية المطلوبة يُبرأ الرئيس، وهو ما حصل مع بيل كلينتون في فبراير/شباط 1999.
يوجد ثلاث خطوات لعزل أي رئيس أمريكي وهي:
- أن يقرر مجلس النواب قرار العزل ويعرضه على مجلس الشيوخ.
- يخضع الرئيس لمحاكمة من مجلس الشيوخ.
- يجب أن يوافق ثلثي الأعضاء من أجل عزله، أي حوالي 67%، وتكون المحاكمة بإشراف رئيس المحكمة العليا ومديرين من مجلس النواب.
من مِن الرؤساء الأمريكيين تعرّض للعزل سابقا؟
على مدار تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، تعرض ثلاثة رؤساء أمريكيين لمحاولات العزل، فشلت في حالتين وانتهت في الثالثة عند استقالة الرئيس ولم تستكمل التحقيقات. وهؤلاء الرؤساء هم:
الحالة الأولى: الرئيس السابع عشر للولايات المتحدة أندرو جونسون وهو ديمقراطي:
دخل الرئيس أندرو جونسون في صراع مع الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، بعد أن اتهم بمخالفة القانون على خلفية إزاحته وزير الدفاع الأميركي من منصبه، وهو القرار الذي لم يكن يحق له كرئيس أن يتخذه في أعقاب الحرب الأهلية، وجرى سحب الثقة منه من قبل مجلس النواب، ولكن تمت تبرئته في مجلس الشيوخ بفارق صوت واحد.
الحالة الثانية: الرئيس السابع والثلاثين للولايات المتحدة ريتشارد نيكسون وهو جمهوري:
غادر نيكسون البيت الأبيض في عام 1974، قبل ما يقرب من ثلاث سنوات من انتهاء فترة رئاسته الثانية، بعد أن أجبر على الاستقالة كنتيجة لثبوت تورطه في فضيحة تجسس عناصر من الحزب الجمهوري على المقر الرئيسي للحزب الديمقراطي في واشنطن، في ما عرف بفضيحة ووترغيت.
وكان يمكن -لو أن نيكسون لم يستقل- إدانته بثلاث تهم تتعلق بإساءة استخدام السلطة، وعرقلة سير العدالة، وتحدي قرار المحكمة باستدعائه.
الحالة الثالثة: الرئيس الثاني والأربعين للولايات المتحدة بيل كلينتون وهو ديمقراطي:
قام مجلس النواب الأميركي بإقالته في 19 ديسمبر/كانون الأول 1998، بتهم الكذب في الحلف وعرقلة سير القانون على خلفية علاقته الجنسية بمونيكا لوينسكي المتدربة في البيت الأبيض، لكنه بُرئ من قبل مجلس الشيوخ في 12 فبراير/شباط 1999 وأكمل ولايته الرئاسية.
هل يمكن عزل ترامب؟
ما يجري التحضير له الآن بعد الافراج عن نص مكالمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي هو التحقيق مع ترامب بهدف المساءلة، وتحمل هذه المساءلة نهايتين إما أن تنتهي ببراءته أو ادانته وعزله.
استغرق حديث الرئيسين الأمريكي والأوكراني لمدة نصف ساعة، وكان محور هذا الحديث التحقيق فيما إذا كان جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي السابق أوقف تحقيقاً مع شركة يعمل فيها ابنه. وهو ما يعتبره البعض استغلالًا لقوى خارجية للتأثير على مجرى الانتخابات؛ مما قد يستدعي عزل ترامب.
الوقوف على مقاطع المحادثة بين الرئيس الأمريكي الأوكراني تخبرنا عن تورط ترامب إلى حد كبير في الضغط على الرئيس الاوكراني لاعادة التحقيق مع جو بايدن وابنه في قضية شركة " كراود سترايك".
علق ترامب على حديث الرئيس الأوكراني بالقول: "سمعت أن المدعي العام لديك كان جيدًا جدًا، لكنه أوقف، وهذا غير عادل حقًا. كثير من الناس يتحدثون عن ذلك، عن الطريقة التي أوقفوا بها هذا المدعي العام الجيد، وأنت لديك بعض الناس السيئين للغاية قد تورطوا في الأمر. السيد جولياني رجل محترم للغاية، لقد كان حاكم نيويورك، حاكمًا عظيمًا، وأود أن يتصل بك. سوف أطلب منه الاتصال بك إلى جانب مدعيك العام. رودي يعرف الكثير عما يحدث، وهو رجل مؤهل جدًا. إذا استطعت أن تتحدث إليه فسيكون رائعًا. سفيرة الولايات المتحدة السابقة، المرأة كانت سيئة، والأشخاص الذين كانت تتعامل معهم في أوكرانيا كانوا سيئين. لذلك، فأنا أريد أن أحيطك علمًا بذلك. الشيء الآخر، هناك الكثير من الحديث عن نجل بايدن، وأن بايدن أوقف الملاحقة القضائية، وأن الكثير من الناس يرغبون في معرفة ما حدث، لذلك فأيًا ما كان بإمكانك فعله مع المدعي العام سيكون رائعًا. يتجوَل بايدن متبجحًا بأنه أوقف سير الملاحقة القضائية، لذلك إذا كنت تستطيع النظر في ذلك.. يبدو الأمر فظيعًا بالنسبة لي".
طمأن الرئيس الأوكراني نظيره الأمريكي بأنه مطلع على الوضع، وأن المدعي العام القادم سيكون «100٪» بالنظر إلى فوز حزبه بالأغلبية البرلمانية في الانتخابات الأخيرة. وتعهد زيلينسكي بمجرد تعيين المدعي العام الجديد أن يجعله ينظر في المسألة، وخاصة ما يتعلق بالشركة التي أشار إليها ترامب، معتبرًا أن هذا التحقيق يتعلق بالنزاهة التي يحرص على تحقيقها.
وقال ترامب إنه سيجعل السيد جولياني والنائب العام الأمريكي وليام بار يتصلان بالرئيس زيلينسكي حتى يستطيعوا سبر غور هذه المسألة حتى الأعماق. معربًا عن ثقته في أن نظيره الأوكراني سيتمكن من كشف حقيقة الأمر. ثم انتقل ترامب للحديث عن الاقتصاد الأوكراني الذي يشهد تحسنًا، مشيدًا بالأصول التي تمتلكها أوكرانيا «العظيمة»، ومؤكدًا أن لديه العديد من الأصدقاء الأوكرانيين الرائعين.
ما زال من المبكر الحديث عن إمكانية عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كون القضية لم تعبر للان نقطة البداية، فالكرة الآن في ملعب الحزب الديمقراطي وكيفية تعاطيه مع المكالمة وباقي القضايا التي ستهز الثقة بالرئيس ترامب، وما زال المشوار طويلاً وشاقاً أيضاً، والانتخابات الأمريكية على الأبواب.
وحتى وإن نجحت جهود الديمقراطيين في ادانة ترامب كونهم يسيطرون على أغلبية مجلس النواب الأمريكي ، فمن المحتمل أن زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل قد يرفض مجرد إجراء محاكمة. كون الحزب الجمهوري الذي ينحدر منه ترامب يسيطر على اغلبية مجلس الشيوخ...
كل السيناريوهات مفتوحة، وكل شيء متوقف على ملف الإدانة الذي ستحضره اللجنة المختصة، وربما أغلبية الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ الذي بيده القرار النهائي بعزل الرئيس لن تقف أمام قرار العزل إن كان ترامب مداناً بشكل لا ريب فيه.
ولكن الأهم من كل ما سبق ذكره أن مجرد وضع ترامب أمام مجلس النواب والشيوخ كمتهم في مؤامرة خارجية ستؤثر على سمعته وعلى ثقة الناخب الأمريكي به وهو ما يعتبر الضرر الأكبر الذي يخشاه ترامب في هذه المرحلة الحرجة.
وحتى لو لم يتم عزل الرئيس ترامب، فإن حظوظ ترامب في الفوز بالانتخابات القادمة ستكون موضع شك، كون ما جرى تداوله في حديثه مع الرئيس الاوكراني يقوض شعبيته ويلطخها بالعار، كونه رئيس أكبر دولة راعية للديمقراطية.